-
قيصر يبدأ العد التنازلي..هل اقترب “اليوم التالي”؟
بدأت عقارب الساعة في العالم بالعد التنازليّ، تحضّراً لما يرى فيه كثيرون "اليوم التالي" الذي منّى السوريون النفس به طويلاً، فالقانون المتعلّق بملاحقة مجرمي الحرب الذي لطالما عطّلته إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، أقرّ من قبل الكونغرس الأمريكي أخيراً، ودخوله حيّز التنفيذ بات قاب قوسين أو أدنى
بالتزامن مع تطبيق قانون قيصر، بدأت في أوروبا محاكمات أشخاص مشتبه بارتكابهم جرائم حرب في سوريا، بعد سلسلة من الدعاوى القضائية رفعها متضرّرون من قبل هؤلاء الأشخاص، أو عائلاتهم وأسرهم، والتي كانت إحداها محاكمة العقيد المنشق أنور رسلان، وكذلك ما أعلنته ألمانيا عن بدء محاكمة طبيب متّهم بارتكاب جرائم تعذيب بحق المصابين في مشفى حمص العسكري، فضلاً عن بدء التحقيقات في مملكة السويد، حول وجود لاجئين على أراضيها، ممن ارتكبوا انتهاكات أثناء تواجدهم في سوريا، وهو ما يجري التّكتّم عنه حالياً، بسبب صرامة قوانين النشر في السويد، والتي تجعل موضوع الوصول إلى تفاصيل أمراً متعذّراً قبل البدء بالمحاكمات.
اقرأ المزيد: عكاظ: سجون الأسد.. مسالخ بشرية
في ظلّ هذه المعطيات، تبرز قضية أخرى، هي قضية الدواعش المحتجزين في سجون سوريا والعراق، فالدول الأوروبية تعتبر أنّها غير معنية بهم، سيما وأنّ غالبيّتهم من الحاصلين على جنسيات أوروبية، وليسوا من سكّانها الأصليين، ولكنّها بالمقابل لا تستطيع إرسالهم إلى بلدانهم الأصلية، كون القوانين الأوروبية تحظر الترحيل إلى دول غير آمنة، وبهذا يبقى مصير هؤلاء معلّقاً، خاصةً وأنّه، حتى اللحظة، لا توجد محكمة تنظر في قضاياهم، على الرغم من التقارير الدولية التي أعلنت عن بدء الإدارة الذاتية بإنشاء مبنى خاصاً بمحكمة دولية لمحاكمة هؤلاء الدواعش، في القامشلي.
ترافقت هذه الظروف بانشقاقات داخل الدائرة الضيقة المحيطة برئيس النظام السوري، نتيجة الحجز الاحتياطي على أملاك رامي مخلوف وعائلته، على خلفية الخلاف على سداد ضرائب سيرياتيل المتراكمة، وملاحقة أذرعه الأمنية، ما أدّى إلى انهيار الليرة السورية مجدّداً، ودخول البلاد في أزمة اقتصادية هي الأقسى في تاريخها، والتي يعتقد أنّها ستكون أشدّ وطأة بعد بدء تطبيق قانون قيصر، وهو ما أعلنت الإدارة الذاتية عن خشيتها من وقوعه، ولكن التطمينات الأمريكية جاءت سريعاً.
بدء تطبيق قانون قيصر
أعلنت الإدارة الأمريكية عن دخول قانون قيصر حيّز التنفيذ، في حزيران/ يونيو، المقبل، بعد أن تمّ إقراره من قبل الكونغرس الأمريكي.
وكان الممثّل الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري قد قال في مطلع شهر أيار/ مايو الحالي أنّ
“الإدارة الأميركية ستبدأ في حزيران/ يونيو المقبل باستخدام قانون قيصر الذي يخوّلها ملاحقة عدد كبير من المجرمين يقدمون المساعدة للنظام السوري لقمع شعبه” وقال “نعتزم استخدام هذا القانون بقوة ضد الحكومة السورية وضد أولئك الذين يدعمونها”
اقرأ المزيد: الإدارة الأميريكية بصدد تفعيل قانون قيصر وملاحقة مجرمي الحرب السوريين
من جهة أخرى، رفع فريق عمل قيصر ممثلاً بشخص سامي، قضية في ألمانيا ضد عدة قادة ورؤساء أفرع أمنية وعسكرية، متهمين بتعذيب وقتل معتقلين سوريين. وقد تسلم القضاء في إحدى الدول الأوروبية نسخة أصلية من صور ملف قيصر، تم تحليلها وفحصها بشكل دقيق عن طريق مخابر حكومية احترافية، وتم اعتماد الصور الوثائق كأدلة إثبات ضد مجرمي النظام السوري، ما يقطع بأن نتائج الفحص كانت جميعها تثبت صحة الصور، وبناء على هذه النتائج فإن فريق عمل قيصر رفع قضايا ودعم قضايا أخرى ضد النظام السوري في خمس دول (إسبانيا ، إلمانيا ، السويد، النرويج، والنمسا) تحت إشراف المحامي إبراهيم القاسم.
التبعات الاقتصادية لقانون قيصر
ما إن جرى الإعلان عن جدّية الإدارة الأمريكية في تطبيق قانون قيصر، وملاحقة مجرمي الحرب في سوريا، حتى بدأت رحلة السقوط الحر لليرة السورية، وراحت تتبدّى للعيان معالم تصدّعات في العلاقات الاجتماعية المحيطة بالأسد؛ ساعد على ذلك مساعي روسيا للخروج من الورطة الاقتصادية التي تعانيها، نتيجة تكلفة الملف السوري الباهظة، وخسائر كورونا الاقتصادية، وهو ما حدا بها إلى البدء بتسوية الملفات الاقتصادية، ابتداء بتسريح العاملين في ميناء طرطوس، وليس انتهاء بالحجز على ممتلكات رامي مخلوف، وعائلته، داخل وخارج سوريا.
كلّ هذا، مع بروز واجهات اقتصادية وشركات أمنية مدعومة من قبل روسيا، مرتبطة بعائلة أخرس، ومن الدائرة المقرّبة من أسماء الأسد، زوجة الرئيس السوري، زاد من عواقب الأزمة الاقتصادية، حيث شهدت الليرة السورية انخفاضاً شديداً منذ بدء سجالات مخلوف – الأسد، بالتزامن مع أزمة كورونا التي ضربت الاقتصاد العالمي بأكمله.
مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، لم تكن بعيدة عن هذه التأثيرات، حيث تأثّرت هي الأخرى بهذه الأزمة، وأعلنت عن خشيتها من تدهور الوضع أكثر فأكثر، مع تمديد حظر التجول في مناطقها.
وكانت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا قد أصدرت قبل أيام، بياناً للرأي العام، توضح فيه التبعات الاقتصادية لأزمة الكورونا، وتأثيرها على الناس في شتى أنحاء العالم، وعلى مناطق الإدارة الذاتية، المتأثّرة أصلاً بالعقوبات الاقتصادية على النظام، والذي حمّلته الإدارة مسؤولية ما آل إليه حال البلد.
حيث اعتبر البيان أنّ العقوبات التي تم فرضها على دمشق، ومع إقتراب سريان مفعول قانون قيصر بشكل خاص؛ كل هذا دون شك سيكون له تأثير على كافة المناطق السورية بما فيها مناطق الإدارة الذاتية”، لافتاً إلى أنّ “هذا بحد ذاته يخلق تبعات سلبية على مناطقنا ويخلق مشاكل كبيرة، خاصة في ظل تحول مناطقنا لنقطة مهمة من أجل مقاومة الإرهاب وتنظيم داعش. بفرض العقوبات وتأثر مناطقنا فإن هذا سيؤثر بشكل مباشر على جهود مكافحة الإرهاب حكماً”.
وجاءت الدراسة الصادرة اليوم عن المركز السوري لبحوث السياسات، لتكشف النقاب عن فداحة المشهد، حيث أشارت إلى أنّ إجمالي الخسائر الاقتصادية في سوريا، خلال تسع سنوات من الحرب، بلغ أكثر من 530 مليار دولار أميركي، ذلك بزيادة تجاوزت 130 ملياراً عن أسوأ تقديرات لخبراء أممين وسوريين قبل سنتين. كما تضرّر 40 في المائة من البنية التحتية ما تسبب في خسارة حوالي 65 ملياراً، وبلغ معدل الفقر 86 في المائة بين السوريين، البالغ عددهم حوالي 22 مليون.
الإدارة الذاتية مستثناة من قانون قيصر
لم تخفِ الإدارة الذاتية في بيانها الأخير مخاوفها، من التبعات الاقتصادية لتنفيذ قانون قيصر، على مناطقها، وأشارت إلى حساسية الوضع الذي قد يضرّ بجهود مكافحة الإرهاب، خاصةً وأنّ الأسرى متواجدون في سجون الإدارة الذاتية، التي جرت فيها عدّة عمليات تمرّد في الآونة الأخيرة.
في السياق ذاته، كان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد أعلن بأنّه قد علم من مصادر موثوقة، أن التحالف الدولي أوعز بإنشاء قاعة محكمة دولية في سوريا، لمحاكمة عناصر تنظيم “داعش”.
حيث بدأت عمليات بناء القاعة بالفعل، ضمن الحي الشرقي من مدينة القامشلي بريف الحسكة، بدعم كامل من دول غربية ضمن التحالف الدولي، بينها فرنسا والولايات المتحدة الأميريكية، على أن يتم الانتهاء من عمليات البناء في غضون شهرين إلى ثلاثة أشهر، ليتم محاكمة عناصر التنظيم المحتجزين لدى قسد هناك.
ويأتي بيان المبعوث الأمريكي لمناطق شمال وشرق سوريا “وليام روباك”، بعد بيان الإدارة الذاتية ليتحدّث عن استثناء مناطق الإدارة الذاتية من تطبيق قانون قيصر.
حيث قال روياك إن “قانون “قيصر” المزمع تطبيقه قريباً، سيستثني المناطق الخاضعة للإدارة الذاتية”، وجاءت هذه التصريحات بعد انتهاء اجتماع لروياك مع الإدارة الذاتية في عين العرب.
فيما شدّدت إدارة قسد على أنَّ الحل المطلوب في سوريا، هو إنشاء نظام سياسي ديمقراطي، يحفظ خصوصية مناطقهم، ويؤكد دستورياً الحقوق المشروعة للشعب الكردي.
وكان التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، قد أعلن في مطلع شهر نيسان/ أبريل، عن تقديم مساعدات بقيمة مليون و200 ألف دولار لقوات سوريا الديمقراطية، من أجل مواجهة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).
اقرأ المزيد: مؤتمر دولي حول قانون قيصر..برعاية هيئة التفاوض
مع بدء العدّ التنازلي، تبقى الأسئلة الكبيرة مفتوحة على كلّ الاحتمالات، حول مصير إدلب في ظلّ هذه التفاهمات، وكيفية تخطّي العقبات المتمثّلة بتمسّك النظام بالحلّ العسكري حتى لو كلّفه هذا الحلّ هلاك البلد وأهله، وتعدّد القوى اللاعبة في الملف السوري، فضلاً عن الجغرافيا السورية الممتدّة مع دول حدودية، تجعل من كلّ الحلول منقوصة..
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!