-
من ستالينغراد إلى حلب.. أسئلة جديدة تتاخم الصراع في أوكرانيا حول الحرب الجديدة
بينما تواصل القوات الروسية عدوانها العسكري على أوكرانيا، والذي يسجل اليوم الـ34، رغم تدشين جولة جديدة من المفاوضات بين موسكو وكييف بوساطة تركيا، تبدو موسكو متراجعة عن عملية تخفيض عملياتها العسكرية، لا سيما مع مواصلتها عملياتها القتالية العنيفة، وبالتالي، تبدو الأجواء غير مواتية لإحداث تحول سياسي نوعي في مجريات الأحداث لطالما يبدو السلاح له الغلبة على السياسة، كما أنه مع تدمير الروس لماريوبول، وهروب الملايين من اللاجئين إلى بولندا والدول المجاورة، بدأت تتجلى صراعات جديدة تتمثل في الاقتصاد والتأثيرات الخاصة به، إذ ظهرت إلى العلن التصريحات الأوروبية المتعلقة بإيجاد مصادر جديدة للطاقة والمواد الأولية للمجتمعات الأوروبية.
وتؤشر المستجدات الراهنة، ميدانياً، على وجود درجة من التصعيد المحتملة، وبالتالي، إمكانية تفاقم الصراع، خاصة أن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أكد على أن موسكو بصدد الرد في حال تأكدت من تزويد كييف بمقاتلات وأنظمة دفاع جوي من قبل الناتو، كما وجه عدة تحذيرات بصدد التداعيات الاقتصادية الصعبة الناجمة عن المعضلات الأمنية في البحر الأسود على خلفية الألغام البحرية.
ومن ثم، تعرضت مدينة ماريوبول الساحلية لمواجهات عسكرية هائلة بين القوات الروسية والأوكرانية، حيث تسعى الأولى للسيطرة عليها في الوقت الذي يفترض انطلاق جولة من المفاوضات بين البلدين. وعلى المستوى الميداني، فقط كشفت منظمات حقوقية أممية، من بينها هيومان رايتس ووتس ومنظمة العفو الدولية، عن استخدام موسكو ذخائر عنقودية في مناطق مدنية بأوكرانيا. ويضاف لذلك أن هناك اتساعاً في العمليات العسكرية في المدينة الساحلية مع تكثيف القتال، وقد بلغت الأمور ذروتها مع إعلان الرئيس الشيشاني، رمضان قديروف، وجوده في المدينة مع المقاتلين الذين يقودهم.
كما أن النتائج الأخرى تشير إلى التركيز على زيادة الميزانيات الدفاعية والعسكرية، وذلك تماماً ما حصل في ألمانيا والولايات المتحدة، إذ سبق أن أعلن المستشار الألماني، أولاف شولتس، مع تقدم الدبابات الروسية إلى أوكرانيا، عن خطة لتعزيز الجيش الألماني وإحداث ثورة في السياسة الدفاعية للبلاد. وتعهد بتقديم 100 مليار يورو من ميزانية 2022 للقوات المسلحة، كما كرر وعده بالوصول إلى 2٪ من إجمالي إنفاق الناتج المحلي على الدفاع بما يتماشى مع مطالب حلف شمال الأطلسي.
إذاً؛ نحن أمام استراتيجيات جديدة في التسلّح والإنفاق، فألمانيا فجأة أصبحت ثالث أكبر منفق عسكري عالمي. كما أن واشنطن، التي ينظر لها من قبل موسكو كقوة عسكرية منافسة وأقوى، كشف الرئيس بايدن النقاب عن خطة إنفاق ضخمة بقيمة 813.3 مليار دولار للدفاع والأمن القومي كجزء من طلب الميزانية المالية لعام 2023. ولا ندري هنا من الدول الأخرى التي ستلحق ببرلين وواشنطن وبنفس الخطوات الدفاعية الجديدة.
وعليه، يتعيّن علينا إعادة النظر ومراجعة مسألة أن حلف الشمال الأطلسي بدأ بنقل المزيد من قواته إلى الحدود الأوكرانية بالتزامن مع استمرار الضربات الصاروخية الروسية ضد أهداف أوكرانية قريبة. وما تزال الأسلحة من دول حلف شمال الأطلسي إلى أوكرانيا تعبر الحدود مع روسيا محذرة من احتمال استهدافها. وما تزال التوترات تتصاعد عكس التوقعات الروسية التي كانت غير ذلك بداية غزها على أوكرانيا.
وإلى ذلك، فإن الإشارات والاتجاهات والمقاربات جميعها تتجه الآن إلى من سيتسلح، وبماذا، وكيف، ومن أين؟ حرب الطائرات بدون طيار تطورت على نحو يفرض توجهات استراتيجية وعسكرية جديدة، والتي انطقلت من سوريا والعراق بداية من كونها أجهزة استطلاع مروراً إلى استخدامها والاستعانة بها كأدوات حرب واغتيال حديثة، فهي كانت وراء منع القوات الروسية بالدرجة الأولى من التقدم اتجاه كييف بشكل سريع، في حين أن الأسلحة الجديدة الأخرى ما زالت قيد التجريب، فالمدفعية الروسية، على سبيل المثال، دمرت المدن الأوكرانية التي ما تزال تقاوم.
وأخيراً، الصراع الحضري القديم تحول إلى المدن، ومن المؤكد أنه سيبرز تداعياته المختلفة على القيادة الدفاعية في الدول العظمى بالعالم. بما يطرح سؤالاً بشأن هل يمكن خوض الصراعات الحديثة بطريقة تحمي المدنيين وبنيتهم التحتية على نحو أفضل؟ ففي المائة عام الأخيرة نرى أن المعارك الحضرية لها تاريخ طويل من ستالينغراد إلى حلب، ومع ذلك يعيش عدد أكبر من الناس في المدن أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البشرية، مما يفرض السؤال حول ما إذا كانت قواعد ومعايير الحرب مناسبة لغرض التعامل مع هذا التحدي؟
وفي أوكرانيا، أصبحت الممرات الإنسانية، وهي الملاذ الأخير في معظم الصراعات، الأداة الفورية لإجلاء المدنيين. ومع ذلك، فإنها آليات هشة ومعقدة تعتمد على خطوط أمامية أكثر ثباتاً وثقة بين الأطراف بأن المدنيين لن يقعوا في العلن. يتزايد عدد القتلى جراء النزاع بشكل كبير مع عجز الأمم المتحدة عن التحقق من الوفيات بسرعة كافية لإنصاف أولئك المختبئين تحت الأنقاض المدمرة للمدن والبلدات التي كان لا بد من تدميرها من أجل الفوز. لحسن الحظ، إن البنية التحتية السوفياتية ومخططي الحرب الباردة وفروا إمدادات جيدة من الملاجئ والأقبية الأكثر أماناً، والتي بدونها كان عدد القتلى أعلى بكثير.
سنرى في الأشهر المقبلة أن المزيد من الطائرات بدون طيار والمزيد من الأسلحة المضادة للدبابات ستكون على قائمة التسوق للعديد من الدول التي تراقب كيف تمكنت أوكرانيا من إبطاء التقدم الروسي ثم وقفه. بالتزامن مع الأسلحة الكافية التي منعت المناطق الحضرية من أن تصبح محاصرة، وهو ناقوس الموت عند مواجهة عدو -مثل روسيا- يكون استعداده لاستخدام أسلحة واسعة النطاق واضحاً جداً.
القوة الجوية، وهي سمة مميزة لحروب أمريكا في الشرق الأوسط، واضحة من خلال غيابها. حقيقة أن القوات الجوية الأوكرانية تمكّنت من الحفاظ على نفسها لتستمر، وأن انتشار صواريخ أرض-جو جعلت روسيا تعتمد على المزيد من أسلحة المواجهة وهي التي لا تهيمن على السماء. ما زال الصراع في شهره الأول، وما زالت الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والدفاعات الصاروخية، بجانب تطور الردع النووي، أدوات مكملة للجولة الأولى من التفكير بهذه الحرب الباردة الجديدة. في حين تبقى الأنظار متجهة إلى البلدان الأوروبية لفتح محافظها والافتخار بالإنفاق الدفاعي العسكري لكل منها.
ليفانت - شيار خليل
قد تحب أيضا
كاريكاتير
قطر تغلق مكاتب حماس
- November 11, 2024
قطر تغلق مكاتب حماس
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!