-
أنقرة تتنمّر على أرمينيا.. وتُبدي الجاهزيّة لتكرار مجازر الإبادة
منذ أن ارتكبت أنقرة بحقهم مجازر إبادة عرقية نهاية عهد ما يسمى بالسلطنة العثمانية، في الأعوام الممتدة من 1915 إلى العام 1918، اعتادت أرمينيا على اتخاذ مواقف حازمة تجاه سياسات أنقرة الإقصائية لشعوب المنطقة، مكررة في كل عام على ضرورة حمل أنقرة على الاعتراف بما اقترفت من جرائم إبادة عرقية، ذهب ضحيتها وفق المصادر الأرمنية قرابة مليون ونصف إنسان أرمني، شدّدت الخارجية الأرمنية، وانطلاقاً من ذلك المنحى لم يكن مستغرباً دعوة يريفان (العاصمة الأرمنية)، في الثاني عشر من يوليو، لفرض مراقبة دولية، وخاصة من اليونيسكو، على تركيا لضمان الحفاظ على المواقع التاريخية ذات الأهمية العالمية، عقب تحويل أنقرة متحف آيا صوفيا إلى مسجد.
حيث أشارت المتحدّثة باسم وزارة الخارجية الأرمنية، آنا نغداليان، أنّ الجانب الأرمني قلق من قرار سلطات أنقرة، المرتبط بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد، على الرغم من أنه يعتبر ضمن قائمة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي، وتبعاً لها، فإنّ “آيا صوفيا ليس مجرد نصب تذكاري للتاريخ والثقافة، بل هو موقع كان له دائماً معانٍ دينية وثقافية وسياسية مختلفة، ومنح آيا صوفيا مكانة متحف، وإدراجه في قائمة التراث العالمي لليونيسكو، جعله رمزاً ليس للصراع بين الحضارات، بل رمزاً للتعاون ووحدة البشرية”.
تركيا ترد على يريفان من بوابة أذربيجان
وربما نتيجة لما تتمتع به أنقرة من نفوذ على أذربيجان، اختارت تركيا الرد سريعاً على المطالبات المزعجة من أرمينيا، حيث قالت وزارة الدفاع الأذربيجانية، في الثالث عشر من يوليو، أنّ قواتها دمرت أثناء المعارك الليلية نقطة محصنة للجيش الأرمني في منطقة توفوز الحدودية، بشمال غربي البلاد، وسط تبادل باكو ويريفان الاتهامات بانتهاك نظام وقف إطلاق النار على خط التماس بين الجانبين، اللذين يخوضان صراعاً ضارياً على منطقة قره باغ، المتنازع عليها منذ مطلع التسعينات.
وفي الصدد، وبما يؤكد أنّ التحرّك الأذربيجاني (رغم حالة العداء الموجودة مع أرمينا سابقاً)، لم يكن من تلقاء نفسه، أشار وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، في الرابع عشر من يوليو، إلى أنّ أنقرة ستواصل “الوقوف إلى جانب القوات المسلحة الأذربيجانية ضد أرمينيا المستمرة في نهجها العدائي” على حدّ زعمه، وصرّح أكار بالقول: “سنواصل الوقوف إلى جانب القوات المسلحة الأذرية وتقديم الدعم لأشقائنا الأذريين ضد أرمينيا المستمرة في نهجها العدائي”.
وتعود جذور الخلافات الأذربيجانية_الأرمينية إلى النزاع على منطقة قرة باغ، وهو جيب جبلي يقع على الحدود بين البلدين، ويقع إقليم ناجورنو_قرة باغ، وهو جيب جبلي داخل أذربيجان، تحت إدارة سكان منحدرين من أصل أرميني، أعلنوا استقلاله خلال صراع بدأ مع انهيار الاتحاد السوفيتي، عام 1991، لكن وعلى الرغم من اتفاق لوقف إطلاق النار جرى إبرامه، عام 1994، فإن أذربيجان وأرمينيا ما تزالان تتبادلان الاتهامات بشن هجمات في الإقليم، وعلى الحدود بينهما.
أما تاريخياً، فترجع جذور الصراع الأرمني الأذري إلى العام 1923، عندما أعطت الحكومة الروسية منطقة “ناغورني قره باخ” رسميّاً لأذربيجان (أذربيجان وأرمينيا كانتا تتبعان للاتحاد السوفيتي)، وعند تفتت العقد السوفيتي واستقلال جمهورية أذربيجان، اندلعت الحروب بين كل من أذربيجان وجمهورية أرمينيا، بسبب إصرار كل منهما على ضم تلك المنطقة إلى أراضيها، وناغورني قره باخ التابعة رسمياً لأذربيجان، وهي منطقة تقطنها غالبية أرمينية، وفي الفترة التي ما بين عامي 1988 و1994 قامت أرمينيا بدعم الانفصاليين الأرمن لمحاربة السلطات الأذربيجانية.
قلق دولي من الهجمات الأذرية
بدوره، أعربت “منظمة معاهدة الأمن الجماعي”، في الرابع عشر من يوليو، عن قلقها بسبب تصاعد التوتر على الحدود بين أرمينيا وأذربيجان، وجاء في بيان صدر عن أمانة المنظمة، التي تضم ست جمهوريات سوفيتية سابقة (روسيا، كازاخستان، أرمينيا، طاجيكستان، بيلاروس، قرغيزستان)، أنّها تعرب عن قلقها الشديد إزاء تفاقم الوضع على الحدود بين أرمينيا وأذربيجان.
وأشار البيان، إلى أنّ هذا التصاعد “لا يساعد على تطبيع الوضع على الحدود بين الدولتين المتجاورتين اللتين تعد إحداهما، وهي جمهورية أرمينيا، دولة عضواً في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، ويعتبر خرقاً للاتفاقات التي تم التوصل إليها على مستوى قادة أرمينيا وأذربيجان”، مشددةً على ضرورة “الإعادة الفورية لنظام وقف إطلاق النار في منطقة مسؤولية منظمة معاهدة الأمن الجماعي”، ولافتةً إلى أنّ مجلس الأمن الجماعي ومجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء، دعوا كلا الطرفين مراراً إلى ضرورة تسوية الخلافات بطرق سلمية فقط، والامتناع عن أي خطوات استفزازية، حرصاً على منع التصعيد”.
لكن لا يبدو أنّ هناك رغبة تركية في إخماد تلك النار، كونها تضع غريمها التقليدي (يريفان) بن فكي كماشة أنقرة وباكو، حيث صرّح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أنّ بلاده “لن تتردد أبداً” في التصدّي لأي هجوم على حقوق وأراضي أذربيجان، وقال: “أدين بشدة الهجمات التي شنّتها أرمينيا ضد أذربيجان الصديقة والشقيقة، تركيا لن تتردد أبداً في التصدّي لأي هجوم على حقوق وأراضي أذربيجان”.
وأشار أردوغان، أنّ الاعتداء على حدود أذربيجان بالأسلحة الثقيلة هو مؤشر على أنها تتعرض لهجوم متعمد (على حدّ وصفه)، وادعى أنّ هجمات أرمينيا على أذربيجان تتجاوز الحدود بهدف إطالة “أزمة إقليم قرة باغ الأذربيجاني”، وخلق منطقة صراع جديدة، وأبدى الرئيس التركي عن قلقه من تحول التوتر المتواصل منذ احتلال قرة باغ إلى صراع بفعل هجمات أرمينيا “الممنهجة والمتهورة”.
أنقرة تتنمر على يريفان بسبب آيا صوفيا
ولكن بربطها مع الوقائع، يمكن التأكيد على أنّ الهجوم الأذربيجاني لم يكن إلا رسالة تركية مفادها، بأنّ على يريفان عدم الخوض في قضية آيا صوفيا، والكف عن المطالبة بتصنيف جرائم الإبادة العرقية بحق الأرمن على قوائم المجازر، وفق التصنيفات العالمية، فيما أتى الهجوم الأذربيجاني مع مواصلة أنقرة مساعي إزكاء نار الفتنة، حيث أعلن رئيس الصناعات الدفاعية التركي، إسماعيل دمير، في السابع عشر من يوليو، أنّ كل الصناعات الدفاعية التركية من أنظمة حروب وخبرات وقدرات، هي دائماً تحت تصرّف أذربيجان في صراعها مع جارتها أرمينيا (على حدّ زعمه).
وأشار دمير في تغريدة عبر حسابه في “تويتر”، أنّه استضاف القائد العام للجيش في جمهورية نخجوان (ذاتية الحكم بأذربيجان)، كرم مصطفييف، ونائب وزير الدفاع وقائد القوات الجوية الأذري، رامز طاهروف في أنقرة، وأفصح أنّهم بحثوا قضايا التعاون الثنائي في مجال الصناعات الدفاعية، قائلاً: “صناعاتنا الدفاعية بكل خبراتها وتقنياتها وقدراتها وأنظمتها الحربية الإلكترونية هي دائما تحت تصرّف أذربيجان”.
وبالنتيجة، لا جديد في السياسة الاستعراضية التركية القائمة على منطق القوة وليس قوة المنطق، عبر التلويح الدائم باستخدام القوة ضد خصومها الإقليميين من شعوب المنطقة من اليونان إلى قبرص وصولاً إلى ليبيا، ومن إبادة الكُرد تهجير الكُرد في شمال سوريا إلى الاعتداء على العراق وصولاً إلى أرمينيا.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!