الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • أوروبا تتجرّع كأس التعدّي التركي.. و”آيا صوفيا” رمز للتساوي بالبلاء

أوروبا تتجرّع كأس التعدّي التركي.. و”آيا صوفيا” رمز للتساوي بالبلاء
آيا صوفيا


لم يرغب العالم المتحضّر سماع صرخات أهالي عفرين على مدار شهري يناير وفبراير، وصولاً إلى مارس من العام 2018، عندما كانت الطائرات التركية، الاثنين والسبعين، تدك المنطقة ذات الغالبية الكُردية، في شمال غرب سوريا، بغية حرمان أهلها من حقهم في إدارة أنفسهم بأنفسهم، والتي لا تتعدّى أن تكون حقاً يُطالب به كل السوريين، بعد عقود من صمّ دمشق آذانها عن سماع نداءات السوريين لتقاسم السلطة بين المكونات السورية، ومنحها حقوقاً متساوية، فمرت عملية استباحة المنطقة بصمت، ومرت معها سنتان وأربعة شهور من الانتهاكات والجرائم التي تقترفها مليشيات ما يسمى بـ”الجيش الوطني السوري”، بحق أهالي عفرين، حتى هُجر منهم أكثر من 75% من سكانها (وفق المصادر الكُردية)، دون أن يكترث لهم أحد، ضمن أكبر عمليات التهجير القسري والتطهير العرقي في سوريا، وهو ما تكرر لاحقاً عقب عام، في بلدتي رأس العين وتل أبيض، شمال شرق سوريا.


ثم لم يسمع العالم مجدداً التدخل التركي في ليبيا، عبر دعم وتسليح المليشيات التابعة، بشكل عملي، لتنظيم الإخوان المسلمين، بفرعه الليبي، فتحوّلت البلاد إلى جزئين، شرقي وغربي، دقّت خلاله أنقرة الإسفين بين القبائل الليبية، باعتباره ما يمكن أن تلعب عليه للفصل بين الليبيين وتحويلهم أعداء لبعضهم البعض، فبررت لذاتها، من خلال الاتفاق مع سلطة غير شرعية، اعترفت بها الأمم المتحدة لمصالح الدول العظمى، ولم تعترف بها الشرعية الليبية المتمثلة بالبرلمان، إلى جانب أنّها تجاوزت الفترة القانونية لتشكيلها.. للتدخل في الشؤون الليبية، في سبيل الاستحواذ على خيرات ليبيا وسرقة نفطها.


اقرأ أيضاً: إيران المُواربة عن اتهام إسرائيل باستهداف “نظنز”.. لعجزها عن الرد


كما سعت إلى التدخل في بلدان القرن الأفريقي، وبشكل خاص، في الصومال، لتمكّن ذاتها من الوصول إلى منطقة خليج عدن، خاصة إذا ما علمنا بالجهود التركية في اليمن مع حركة الإصلاح الإخوانية هناك، فيما كان التدخل في أثيوبيا من بوابة القوة الناعمة، من خلال الاستثمارات والمساعدات، والمساهمة في بناء سد النهضة، وما سينتج عنه من مشاريع مائية وزراعية، في سبيل تمكين قبضة أنقرة من تلك البلاد، بغية إغلاق صنوبر المياه على القاهرة والخرطوم، لتعطيشهما، والتحكم في واردات البلدين المائية، خاصة أنها السياسة التي تتقنها أنقرة، فهي تكرر ذات العملية مع سوريا والعراق، من خلال تعطيش البلدين، عبر إقامة المزيد من السدود على نهري دجلة والفرات، والذي خفض منسوب نهر الفرات إلى مستويات قياسية.


أوروبا تتجرّع من كأس التعدّي التركي


وعقب عقود من الانتساب إلى حلف شمال الأطلسي، يبدو أنّ أنقرة استحوذت ما أرادته من دول الحلف، عبر توطين عمليات تصنيع الأسلحة، وتطوير الطائرات ذاتية التحليق، بالتعاون مع إسرائيل، إلى أن أتى اليوم الذي أضحت فيه دول القارة الأوروبية نفسها تعاني من الترهيب التركي بحقها، فبدأت تركيا بعمليات التنقيب في البحر المتوسط، ضمن مناطق تعتبرها دول، كقبرص واليونان، من مناطق مياهها الإقليمية الصرفة، لكن دون أن تكترث أنقرة للبيانات والتنديدات، رافعة عصا الحرب، ومواصلة ما تشاء من صولات وجولات في البحر المتوسط، مرسلة السلاح إلى ليبيا، والحفارات للتنقيب عن الغاز في عرض المتوسط، دون أن يتمكن أحد من ردعها.


اقرأ أيضاً: العقوبات الأمريكية الأوروبية على بكين لا تغني جوع هونغ كونغ للاستقلالية


ولأنّ أنقرة باتت متوهمة أنها تمتلك القوة الكاملة على مواجهة أي طرف إقليمي أو دولي قد يواجهها، وفي خضم تساؤلات الأتراك حول المكاسب التي يحققونها من عمليات حربية يخوضونها في ليبيا، ومناطق متفرقة من العالم، في ظل انهيار العملة التركية وتراجع الأوضاع الاقتصادية في البلاد، أتت خطوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من خلال اللعب على الوتر الإثني والديني، عبر تهييج الشعوبيين الإسلاميين والأتراك، من خلال نصر شكلي مُتوهم، عبر تحويل كنيسة سابقة إلى مسجد، رغم أنّها كانت متحفاً منذ قرابة خمسة وثمانين عاماً.


التنديد لا يؤتي أكله مع أنقرة


ومع مناقشة المحكمة التركية العليا لقضية آيا صوفيا، حثّت الولايات المتحدة الحكومة التركية على مواصلة الحفاظ على وضع آيا صوفيا في إسطنبول، كمتحف، فيما قالت وزارة الخارجية الفرنسية، إنّ متحف آيا صوفيا، الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس الميلادي، وبني أصلاً ككاتدرائية مسيحية في إسطنبول، “يجب أن يظلّ مفتوحاً للجميع”، وهو ما ذهبت إليه موسكو، التي أبدت الأمل بأن تأخذ أنقرة في اعتبارها الأهمية العالمية لـ”آيا صوفيا”، لدى البت في مستقبل ذلك النصب التاريخي، فيما حذّرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، إلى أنّ آيا صوفيا قد صنفت ضمن التراث العالمي، باعتبارها متحفاً، وهذا الأمر له طابع إلزامي، مبديةً قلقها للسلطات التركية.


إلا أنّ كل ذلك لم يؤتي أكله مع أنقرة، ففي العاشر من يوليو الجاري، سنّت أعلى محكمة إدارية في تركيا، قراراً ينزع صفة “المتحف” عن كاتدرائية “آيا صوفيا”، مفسحةً المجال أمام تحويل المنشاة التاريخية إلى مسجد مرة أخرى، ملغيةً بذلك قراراً صادراً في العام 1934، أقرّ بتحويل الكاتدرائية السابقة إلى متحف في مدينة إسطنبول، فيما قال أردوغان، في بيان نشره عبر صفحته على تويتر: “تقرّر أنّ آيا صوفيا ستوضع تحت إدارة رئاسة الشؤون الدينية وستفتح للصلاة”.


اقرأ أيضاً: فضائح بولتون قد تودي لفقدان ترامب فرصة الرئاسة الثانية


وهو ما خيّب آمال وزارة الخارجية الأمريكية، ودفع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية للتعبير عن أسفها، حيث قال نائب رئيس قسم العلاقات الخارجية لبطريركية موسكو، نيكولاي بالاشوف، على “فيسبوك”: “لم تكفِ أردوغان حكمة رجل الدولة، وهذا القرار لا يصب في مصلحة شعبه”، وأضاف أنّ القرار يثير مشاعر “الألم والحزن والامتعاض”.


فيما أعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، تأسفهم للقرار التركي، وأضاف أنّه “يعرّض للخطر إحدى أبرز الخطوات الرمزية في تاريخ تركيا المعاصرة والعلمانية”، بينما وجّهت الحكومة اليونانية انتقادات شديدة للقرار، وقالت إنّ “القومية التي يمارسها الرئيس أردوغان تدفع بلاده إلى الوراء ستة قرون”، مؤكدةً على أنّ الحكم الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا التركية، “يؤكد بوضوح غياب أيّ قضاء مستقل في البلاد”.


وهو ما أيده الرئيس القبرصي، نيكوس أناستاسياديس، الذي أشار أنّ تحويل أنقرة لمتحف “آيا صوفيا” إلى مسجد، يعتبر إساءة إلى موقع تراث عالمي، معتبراً أنّها “انحراف عن التاريخ، وتدنيس لموقع تراث عالمي له قيمة عاطفية خاصة لجميع المسيحيين على وجه الأرض”، وهو أيضاً ما ذهب إليه المجلس العالمي للكنائس، الذي أرسل رسالة للرئيس التركي، أبدى فيها عن “الحزن والاستياء”.


لتؤكّد أنقرة مرة أخرى، أنّها تسعى لاستعادة العثمانية من جديد، أياً كان ما يعترض طريقها، خاصة إن كان ما يعترضه سوى بيانات خلبية، وموقف دولي متراخٍ، ومصالح يمكن شراؤها، ومواقف يمكن المساواة عليها، في ظل تغييب القانون الدولي، واستباحة حرمات الدول، وخلق الذرائع وتبريرها، وربما لن يكون مستغرباً أن تطالب أنقرة مستقبلاً بالتدخل في برلين لحماية جاليتها هناك.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة







 



كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!