الوضع المظلم
الأحد ١٠ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الانتحار لعبة أم حلّ يغري المراهقين؟
نرفت عمر

في زمن تغيرت فيه كل المفاهيم والقيم وأصبح الموت الذي كان له رهبة، ترتجف القلوب عند ذكر اسمه، عادياً كأي شيء عادي في زمننا. تلك الرهبة تلاشت وغابت لتتحول إلى رغبة للهروب من ضغوطات جمة ووضع حد لمعاناة يائسة وإعلان الحل الأخير، وهو الانتحار أو ما سأسميه بلعبة الموت.


هذه اللعبة التي بدأ المراهقون بالتهافت عليها مستهزئين بحياتهم غير مدركين مدى خطورتها واستحالة السيطرة عليها، حتى غير آباهين لمشاعر أبائهم وكسر قلوب فاضت بحبهم وأعين سهرت على تربيتهم. فهل المراهقون ضعفاء الشخصية والإدراك لدرجة الاستهزاء والمغامرة بالرد واللعب بلعبة خطيرة والقيام برهان أو تهديد حتى ضد أقرب الناس لهم، أم الوالدان هما المسؤولان لأنهما لم يستطيعا تنشئة وتهيئة أولادهم ليصبحوا رجالاً ونساء قادرين على خوض الحياة بكل اختباراتها واجتياز عقباتها بسلام أمام قسوة الحياة التي زادت حقاً وأصبحت ابتلاءاتها لا تحتمل؟ ولكني أعتقد أنّ هذه القسوة معهودة منذ الأزل، فلم ولن تصبح الحياة خالية من الصعاب والشقاء، لذا أتساءل: هل يجوز للانتحار أن يصبح حلاً لإنهاء حياة ونعمة أنعمها الله علينا مع رفاهية تامة في الاختيار والتفكير والإرادة التي ميزنا بها الله عن باقي الخلائق؟.


ما الذي يجعل المراهقين يكتفون بسنواتهم الوردية ويشعرون بثقل العمر باكراً، فاقدين الأمل بملامح شاخت قبل أوانها مرددين لكلمات وأفعال لا تتناسب مع أعمارهم؟


إننا نجد نوعين من المراهقين : نوع يتشبث أكتر بالحياة ولا يقبل بأي تنازلات ويسعى للأفضل ولو بنكهة أنانية أحياناً، فتجده يقدم نفسه دائماً على غيره من أهله وأصدقائه ولا يقبل بالمقارنة أو الهزيمة ولديه طموحات عديدة وأحلام كبيرة مرسومة بدقة. ونوع آخر مستسلم من قبل أن يبدأ حتى، ممتلئ بالكآبة، ويبحث عن كل السلبيات دوماً في نفسه وفي من حوله، ويلقي اللوم على من حوله من أشخاص أو ظروف. يلجأ إلى لعبته المميتة أكثر للحصول على ما يريد من خلال التهديد والوعيد.


نعم إنها مرحلة حرجة بكل المقاييس، وبكل ما تحمله من مشاعر مبالغ فيها، وضياع وتردد في اتخاذ القرارات. وتختلف هنا أساليب الأهالي وطرق تعاملهم مع المراهقين، فمنهم من يقسو أكثر على أولاده ويضغط عليهم لتجنيبهم ما مر به من تجارب فاشلة، بل استغلالهم لإرضاء أحلامهم غير المحققة ومقارنتهم مع غيرهم من أولاد العائلة أو الحي، وتكون هذه الحالة غير خالية من التعنيف الأسري، لفظياً أكان أم جسدياً، مما يغضب المراهق فيحول غضبه نحو نفسه، ويلجأ إلى التلاعب والمعاقبة بفكرة (سيشعرون بالأسف بعد وفاتي) مرددين لعبارات (أتمنى لو لم أولد على الإطلاق، أتمنى أن أنام ولا أستيقظ أبداً)، هنا يكون الميل للانتحار أكثر عند المراهقين الذين يعانون أصلاً من الاضطرابات النفسية والعلاقات الأسرية الهشة،.


بالمقابل، هناك نوع من الأهالي الذين يعوضون أولادهم الحرمان الذي عاشوه، فيقدمون بسخاء كل ما يطلب منهم، وما لم يطلب، ويتغاضون عن أخطاء أولادهم، بسيطة كانت أم لا، مما يجعل المراهق يشعر بعدم الامتنان لوفرة ما يحصل عليه من الرعاية المبالغة والاهتمام، فيصبح معتمداً بشكل كامل على أهله فلا يستطيع التعامل مع الفشل وتقبل أن هناك أشياء قد لا يحصل عليها.


في كلتا الحالتين توجد مطبات اجتماعية تجرف المراهق للانتحار أكثر، منها:


1- التنمر الذي قد يتعرض له المراهق من قبل زملائه بالمدرسة أو الحي أو حتى من قبل أحد أفراد الأسرة، ناهيك عن التنمر الإلكتروني الذي قد يتعرّض له.


2- فقدان أو النزاع مع أحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء المقربين وشعور المراهق بالوحدة .


3- تعرض المراهق للإساءة الجنسية أو التهديد.


4- مشاكل طبية أو بدنية تجعل المراهق يشعر بالدونية واستحالة الحياة.


علاوة على ذلك، يوجد لوم كبير على وسائل التواصل الاجتماعي وما تنشره من تفاصيل لحياة لا واقعية يعيشها المشاهير، مركزة فقط على الجانب المشرق منهم والترف المبالغ به، فيظن المراهق بأنه فقط من يعاني من جفاء الحياة ونقص الفرص، فيرتبط أكثر بأخبارهم ويتأثر بأقوالهم وأفعالهم.


للأسف تحدث الكارثة عندما ينتحر أحد هؤلاء المشاهير، ويبدأ الإعلام بتسليط الضوء عليه أكتر، ويصبح حديث الكل بلا منازع، مع عدم خلو المشاهد المعلنة من تأثيرات صوتية وبصرية تلامس الشعور وتشجع المراهق، فيظن أن الانتحار نافذة إلى الشهرة، وكسب تعاطف الناس.


لذلك من الضروري أن يكون دور المجتمع والأهل كبير في هذه المرحلة الحياتية والفترة الحاسمة التي يمر بها المراهقون لتطوير شخصياتهم، عاطفياً ونفسياً وجسدياً، والانتقال السليم والآمن من الطفولة العفوية إلى مرحلة البلوغ والمسؤولية والاستقلالية، وملء أوقات المراهقين بالعمل أو الدراسة أو القيام بأي نشاط ذهني أو بدني يحبونه ويستمتعون به لتفريغ مشاعرهم وطاقاتهم بشكل صحي وسليم، مع الاستمرار بالتعلم وحب المعرفة لكل ما في الحياة، وإدراك أن لكل شيء ثمن ويجب أن يدفعه للحصول على ما يريد، وقد لا يحصل عليه أيضاً، ولو بذل جهداً، لذلك يجب على المراهق أن يقبل الخسارة والنجاح معاً، ويعلم أن ما سيحصل عليه سيكون رائعاً، لأنّه تعب لإدراكه.


لا تهم النتيجة.. المحاولة أهم.. كما لا ننسى تنشئة المراهقين على معتقدات دينية وثقافية تثني عن الانتحار، موضحة ما هي خطورة الانتحار، وما يحدث للمنتحر بعد الموت الذي لا رجوع بعده.. والعمل دوماً لإبعاد شبح الاكتئاب عن المراهقين وتعزيز ثقتهم بأنفسهم لمواجهة أية حالة طارئة قد تحدث، كالحرب وما تخلفه من أوضاع إنسانية صعبة، اقتصادياً وسياسياً، أيضاً لا نتهاون مع زواج القاصرات لأنهن يصبحن أكثر عرضة للانتحار بسبب الكم الهائل من المسؤولية التي تواجهن، من رعاية الأولاد والزوج وحتى أهل الزوج.


أخيراً، إبعاد الأسلحة النارية والأدوية وحفظها في مكان آمن. لعبة الموت هذه ليست جديدة علينا وعلى مجتمعنا، ولكنها تزداد وتنتشر، والخطورة هنا أن يصبح خبر انتحار مراهق ما كأي خبر عادي نتناقله في أحاديثنا مجردين من المسؤولية. يجب علينا إيقاف هذه الظاهرة وعدم السماح لها بخطف زهور العمر وآمال المستقبل.


نرفت عمر


ليفانت - نرفت عمر

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!