-
البحر لا يوقف مساعي السوريين للنجأة من الحرب
أجبرت الحدود المغلقة أمام السوريين الفارين من لهيب المعارك عقب عام 2011، إلى القارة الباردة، أن يشقّوا طريقهم في البحر على الرغم من مخاطر الغرق، حيث لم تتوقف رحلات التهريب إلى اليوم، وإن تقلصت بنسبة كبيرة بسبب حالة الإغلاق التي شلّت العالم بعد جائحة كورونا.
وهو ما كشفته حادثة إنقاذ قبالة سواحل البحر الأدرياتيكي، عندما أنقذت الشرطة الألبانية قبل أيام 55 مهاجراً سورياً علقوا في السواحل، عقب تعطل قارب يتّسع لـ16 راكباً فقط، متجهين إلى إيطاليا، وذلك رغم سوء الأحوال الجوية.
ووفق الشرطة الألبانية في مدينة فلوري، فإن القارب تقاذفته الأمواج لأكثر من ثلاث ساعات، وأتى في بيان "نقل 16 راكباً بينهم أطفال إلى المستشفى، والآخرون إلى مركز للمهاجرين"، فيما تنوه المعلومات الواردة إلى أن المهرّب قد تقاضى مبلغ 1500 يورو تقريباً للشخص الواحد.
وفي الصدد، يتحدث الناشط الحقوقي رضوان العلي عما يحدث في رحلات المهاجرين وطرقهم غير الشرعية للوصول إلى بلدان القارة الأوروبية، عبر البحر المتوسط، انطلاقاً من تركيا، وعبر جنوب شرقي أوروبا في أعقاب أزمة اللجوء، مشدداً أن أكثر ما يؤرق المسافرين والساعين للجوء هو "غدر" غالبية المهرّبين، العارفين بطرق ومداخل المعابر في رحلة الهجرة.
ويضيف إن "ما يعجّ في البحار من قصص وحكايات أشخاص التهمتهم المياه الزرقاء، ومن أبرز الأسباب زيادة العدد داخل القوارب المستخدمة طمعاً من قبل المهرّبين بربح مضاعف"، مردفاً "يحق للاجئين والمهاجرين التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية العالمية، التي يجب احترامها وحمايتها وتحقيقها في الأوقات كلها، لكنهم يعتبرون مجموعات مميزة تحكمها أطر قانونية منفصلة".
اقرأ أيضاً: إيران تزعم عدم تضرر ميليشياتها بالقصف على سوريا
من طرفها، أفصحت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن "عدد الوافدين تخطى المليون شخص عبر البحر الأبيض المتوسط بين يناير (كانون الثاني) 2015 ومارس (آذار) 2016، 47.7 في المئة كانوا من السوريين، و20.9 في المئة أفغان، و9.4 في المئة من العراقيين".
في الأثناء، تستمر الهجرة غير الشرعية من قبل السوريين في وقت عاشت بعض المدن الكبرى، مثل ريف دمشق وحلب عام 2017 استقراراً، إلا أن دافع العيش الكريم بعد حياة الضنك، وانخفاض مستوى المعيشة، جعلهم يفكرون في البلدان الأوروبية، لا سيما القابعين في مخيمات النزوح.
كما يباغت السوريين هاجس الهجرة بعدما تقطعت بهم سبل العيش، عقب ارتفاع أعداد النازحين إبان معارك في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي العام الماضي، خاصةً أنهم يقيمون في مخيمات لا تتوفر فيها مقومات الحياة، إذ يعيش 90 في المئة منهم تحت خط الفقر، وفق دراسات أممية، فيما يراودهم حلم الهجرة مع كل التضييق على الحدود البرية من الجانب التركي، أو المراقبة المشددة من خفر السواحل.
بجانب ما تشهده مناطق في الشمال الشرقي، أو الشمال الغربي للبلاد من توتر أمني يدفعهم إلى المجازفة، فإن شريحة الشباب تمثل النسبة الأكبر من المهاجرين، وذلك للهروب من التجنيد الإجباري والخدمة الاحتياطية في الجيش النظامي، أو للبحث عن فرص عمل، ما يفسر ارتفاع نسبة 77 في المئة من المهاجرين (فئة الشباب) عام 2016، وفق المفوضية السامية للشباب.
وقد وصل استغلال طالبي اللجوء إلى رمي ما يصفونه بـ"الأوزان الزائدة"، طالبين الاحتفاظ بحقيبة صغيرة لكل مسافر، وفق حديث أحد السوريين، روى طريقة سفره إلى السويد، وكيف يختار المهرّبون، نتيجة علاقاتهم الواسعة، التوقيت المناسب للالتفاف على خفر السواحل.
ويردف أحد اللاجئين المقيم في ستوكهولم "كثيراً ما يقع المسافرون ضحية جشع مافيات التهريب، إذ يعمدون إلى إغراق القارب عن قصد أو يسلّمونه إلى المهاجرين لقيادته بأنفسهم بعد حصولهم على المال، تاركين هؤلاء يواجهون مصيرهم المحتوم".
في الوقت الذي لا يستطيع أن ينسى العالم صورة الطفل السوري إيلان (ثلاث سنوات) الذي قذفته الأمواج إلى الشواطئ التركية في الثاني من سبتمبر (أيلول) 2015 جثة هامدة، وسط استنكار عالمي وتعاطف دولي مع قضايا اللاجئين، ما دفع إحدى الدول إلى إصدار طابع بريدي يحمل صورته، وعقبها عقدت دول الغرب مؤتمراً في العاصمة المغربية مراكش، في ديسمبر (كانون الأول) عام 2018، حضرته ألمانيا، لمناقشة واقع النازحين.
وذكرت لويز أربور، ممثلة الأمم المتحدة الخاصة للهجرة الدولية، على هامش المؤتمر "من الضروري تعزيز السلامة والنظام في إدارة الهجرة، والحد من اللجوء إلى طرق الهجرة الفوضوية الخطيرة".
وعلى النقيض، بقيت قضية المهاجرين والطرق غير الشرعية تقع في منطقة التجاذبات السياسية، إذ لوّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سبتمبر 2019 بأن بلاده "قد تفتح الطريق إلى أوروبا أمام المهاجرين ما لم تتلقَّ دعماً دولياً كافياً للتعامل مع اللاجئين السوريين".
ويعتبر الوصول إلى القارة العجوز حلماً للحصول على مزايا عدة، منها حياة كريمة تكفل للاجئ دخلاً شهرياً وطبابة للأسرة وتعليماً للأطفال، بجانب سوق واسعة من فرص عمل واكتساب الجنسية أو الإقامة الدائمة، ما جعل نسبة السوريين اللاجئين حول العالم، تبلغ 8.25 في المئة.
وحول هذا، تنقسم دول الاتحاد الأوروبي بخصوص مصير أكبر موجة لجوء حدثت قبل سنوات، إلا أن مؤشرات تلك الرحلات قد تراجعت بشكل قياسي وفق خفر السواحل الأوروبي "فرونتكس"، وصولاً إلى أدنى مستوى العام المنصرم 2020، حين كُشف عن 124 ألف عبور غير قانوني فقط، وفق تقرير للمركز صدر في الثامن من يناير الحالي، وردّ ذلك لأسباب تتعلق بالإغلاق الواسع بسبب وباء كورونا.
وحيال ذلك، تهدف الدول الأوروبية إلى الإغداق على مؤتمرات دولية تحت مسميات مساعدة الشعب السوري، لوقف وصول المزيد من اللاجئين بعدما اكتفت بأعداد كبيرة بلغت إلى 6.6 مليون لاجئ، موزعين على 126 دولة، منهم 572 ألفاً في ألمانيا و113 ألفاً في السويد.
من جهته، يتكلم أحد المهاجرين عن مسيرة رحلة الهجرة بحراً عبر ما يُعرف في عالم التهريب بـ"البلم"، أي الزورق المستعمل، إذ لم يتخيل الصاعدون إلى جوفه الصغير أن يستوعب أضعاف عدده، فيما ليس هناك صوت على الشاطئ التركي ليلاً إلا غضب الأمواج من بحر هائج.
ويردف "على مقربة من الساحل، استقدم المهربون قوارب صيد، لا تتّسع لأكثر من 20 راكباً، إلا أن جشع مافيا التهريب تظل تطمع بإضافة المزيد، ولا يستطيع أحد أن يعترض، فالكل منساق ومنقاد تماماً للمهرّب، فلا خيار آخر إلا الامتثال لتعليماته، أو فشل خطة الهروب".
ورغم الطقس العاصف، إلا أن دقّات قلوب الأطفال والنساء مسموعة، تخفق فزعاً لهول وقع المشاهد التي عايشوها وسط البحر، بيد أن خوفهم لم يمنع المهرّب من طلب رمي كل غرض زائد والاكتفاء بحقيبة صغيرة، ووسط البحر ومع علّو القارب وانخفاضه، تتسلل المياه إلى داخله لتزداد معها حالات الإغماء.
متابعاً: "لك أن تشاهد أحد الركاب يحاول عبثاً الاستدلال على الطريق بواسطة GPS، فيما الجميع يتضرع للنجاة من غرق محتم حتى وصل القارب إلى برّ الأمان".
ليفانت-إندبندنت عربية
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!