الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
التخلّي عن أفغانستان.. أمريكا ومن بعدها الطوفان
أفغانستان وأمريكا - ليفانت

تتضارب الآراء حول عملية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بين من يجدها مبررة، كون الأفغان من يقع على عاتقهم محاربة التطرّف والتشدّد الديني الموجود في بلادهم قبل الغرباء، وفشل الأفغان في ذلك، بدليل الانهيار السريع من قبل الحكومة المدعومة والممولة أمريكياً وغربياً بشكل كبير، وكأنها إشارة إلى عدم رغبة الأفغان مواجهة تطرّف طالبان.. وبين من يعتبرها تحليلاً أمريكياً عن شعب كامل، أخفق الأمريكيون والناتو في مواجهة التطرّف الذي يلاحقهم، فقرروا النجاة بجلودهم، أيّاً كان المصير القاتم الذي قد ينتظر شعوب تلك البلاد.


انتقادات أفغانية حادة للأمريكيين


لكن في العموم، يمكن القول بأن هناك اتفاقاً بين مختلف التوجهات، على إخفاق أمريكا في مهامها بأفغانستان، بدليل عودة التنظيم الذي حاربته لأنه كان يحتضن تنظيمات إرهابية عالمية، كالقاعدة، أو أقله يوفر لها الملاذ الآمن، وقد لاقى القرار الأمريكي بالتوافق مع طالبان والانسحاب أياً كانت التبعات، استهجاناً واسعاً، في الداخل الأفغاني.


اقرأ أيضاً: قطر وطالبان.. علاقة تطرف وطيدة يُستغرب من استغرابها

إذ تحدث الرئيس الأفغاني السابق، حامد كرزاي، الذي ترأس أفغانستان في الفترة من 2004 إلى 2014، في نهاية يونيو الماضي، واعتبر نتائج مهمة الناتو في بلاده خلال 20 سنة بأنها "فاشلة"، مشيراً إلى أن الوضع الأمني في المنطقة تغير نحو الأسوأ، وقال في تصريح لصحيفة "تايمز" البريطانية: "اجتاح الرعب البلاد، وهي في وضع يائس.. ولدينا دمار والبلاد في حالة نزاع وسكان أفغانستان يعانون".


وفي الأول من أغسطس الجاري، تحدث كرزاي عن ممارسات القوات الأمريكية في بلاده، وقال: "كانت الولايات المتحدة تخوض حرباً مزعومة على الإرهاب، في البداية قالوا لنا إن معاقل الإرهابيين تقع خارج أفغانستان ثم شرعوا في قصف القرى والبيوت الأفغانية وتشويه وقتل مواطنينا وتشريدهم".


حامد كرزاي

في واشنطن.. أذن صماء


إلا أن واشنطن اختارت عدم الإصغاء إلى كل الأصوات المنتقدة، والاستمرار في الانسحاب، مهما كلفها ذلك من خسارة معنوية ومادية، إذ ذكر مصدران أميركيان مطلعان، في العاشر من أغسطس، أن هناك مناقشات نشطة لسحب المزيد من أعضاء السفارة في كابول، بالتوازي مع إقرار الخارجية الأميركية أن مستوى العنف في أفغانستان أضحى غير مقبول، مشددةً أنه لا يتماشى مع ما تعهدت به الحركة في الاتفاق معها.


اقرأ أيضاً: مطار كابل والأتراك.. مخططات للتمدد والسيطرة لا توافق بيدر طالبان

كما اعترف المسؤولون الأميركيون بإمكانية انهيار حكومة أفغانستان، في غضون 6 أشهر، دون إنكار وجود احتمالات أن يكون هناك انهيار سريع، وفي فترة أقصر بكثير، وقال الرئيس الأميركي، جو بايدن، للصحافيين في البيت الأبيض: "لست نادماً على قراري"، مبرراً بأن على الأفغان "أن يقاتلوا من أجل أنفسهم، من أجل أمتهم"، وتابع "لقد أنفقنا أكثر من ألف مليار دولار في عشرين عاماً، قمنا بتدريب وتجهيز أكثر من 300 ألف جندي أفغاني".


وفي السياق نفسه، أشار المتحدّث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، الى أنّ القوات المسلحة الأفغانية "متفوقة عدداً بشكل كبير" على طالبان، ولديها "القدرة على إلحاق خسائر أكبر" بالمتمردين، قائلاً: "فكرة أن تقدّم طالبان لا يمكن وقفه لا تعكس الواقع على الأرض"، وهي تصريحات رغم أنها تحمل في طياتها المنطق، لكنها في جهة أخرى محاولة لتبرير الانسحاب لا أكثر، فلو كانت واشنطن تريد الحفاظ على حكومة كابول، كان ممكناً تقديم حلول لها، كبقاء قوة أمريكية صغيرة، مع وجود الطيران الحربي الأمريكي، وهو ما كان سيمنح الجيش الأفغاني والحكومة الروح المعنوية لمواجهة طالبان.


تخمينات أمريكية بفوز طالبان


فالانسحاب الأمريكي قصم بلا شك ظهر الجيش الأفغاني وكسر معنوياته، في مواجهة جحافل المتشددين القادمين من كل حدب وصوب، وهو ما لفت إليه مسؤول أفغاني، في الحادي عشر من أغسطس، عندما أعلن أن مئات الجنود التابعين للقوات الأفغانية، استسلموا لعناصر من حركة طالبان قرب ولاية قندوز بشمال البلاد، إذ ذكر عضو مجلس الولاية، عمر الدين والي: "هذا الصباح استسلم مئات من الجنود والشرطيين وعناصر من قوات المقاومة كانوا متمركزين في المطار، لحركة طالبان مع كل عتادهم".


لا بل أكثر من ذلك، فقد خمن الأمريكيون سقوط العاصمة الأفغانية بيد طالبان، قبل أن يحدث ذلك فعلياً، ورغم ذلك، اختاروا الاستمرار بخطة الانسحاب، ما يشير ضمناً إلى أن واشنطن لم يعد لها بال في تلك البلاد، أياً كان ما سيحلّ بها، حتى لو كان عودة التطرّف والتشدّد الديني، والحكم القائم على تنصيب مجاميع متطرّفة نفسها كوكلاء لله على الأرض.


اقرأ أيضاً: معقداً مهامها.. إخفاق أمريكي في الشرخ بين بكين وطهران

وقالت مصادر في وزارة الدفاع الأمريكية، في الحادي عشر من أغسطس، إن جهاز الاستخبارات في تقييمه للوضع في أفغانستان يرى أن حركة "طالبان" يمكنها عزل العاصمة كابول خلال 30 يوماً، والسيطرة عليها في غضون 90 يوماً، ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية، طلب عدم الكشف عن هويته، أن التقييم الجديد جاء نتيجة للمكاسب الميدانية السريعة التي حققتها "طالبان" في جميع أنحاء البلاد.


فيما أعلنت حركة "طالبان"، إحكام قبضة مسلحيها على مطارات ثلاث ولايات في شمال أفغانستان، كما أشارت على حساب ما يسمى "الإمارة الإسلامية" التابع لها في "تويتر"، أن مسلحيها سيطروا على مطار ولاية جوزجان، مؤكدةً استسلام أعداد كبيرة من عناصر القوات الحكومية المنتشرة في الولاية، وفرار الباقين نحو جبل يتيم طاق، كما أعلنت "طالبان" سيطرتها على السجن المركزي في ولاية قندهار وإخلاء سبيل مئات السجناء فيه.


15 أغسطس.. وسقوط آخر الحصون


وفي الخامس عشر من أغسطس، كتبت نهاية الدولة في أفغانستان، على يد ما تسمى "الإمارة الإسلامية"، وذهبت السنوات الـ20 التي قضتها واشنطن في أفغانستان معها، عندما دخل تنظيم طالبان إلى العاصمة كابول، وذلك عقب سيطرتها على غالبية الولايات الأفغانية التي تساقطت الواحدة تلو الأخرى، فيما هرب الرئيس أشرف غني البلاد.


اقرأ أيضاً: ليبيا ودبيبة.. إخفاقات قد تقود إلى تونس ثانية

ورغم ذلك، لم تقرّ واشنطن بالخسارة، بل أعلن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بأن الولايات المتحدة حققت الهدف الرئيس من تواجدها العسكري في أفغانستان، وزعم أن الهدف الرئيس من تدخل الولايات المتحدة في أفغانستان قبل 20 عاماً، كان ملاحقة مدبري هجمات 11 سبتمبر، مدّعياً أنّ واشنطن نجحت في تحقيق ذلك الهدف، ملقياً باللوم على الحكومة الأفغانية في التطورات الميدانية.


مشيراً إلى أن أربع إدارات أمريكية استثمرت بمليارات الدولارات في تطوير القوات المسلحة الأفغانية، غير أن تلك القوات فشلت في التصدي لتقدم "طالبان"، وتابع: "حقيقة الأمر هي أننا لم نرَ قدرة هذه القوات على الدفاع عن بلدها"، قائلاً إن "الفكرة القاضية بأنه كان من الممكن الحفاظ على الوضع القائم من خلال الحفاظ على تواجد قواتها خاطئة تماماً"، مختصراً كل شيء في جملة واحدة تقول: "لم يعد من مصلحة الأمريكيين ببساطة البقاء في أفغانستان".


ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!