-
انعدام الأمن الغذائي العالمي.. ساحة معركة جديدة بين روسيا والغرب
مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية نهاية شهرها الثالث، وازدياد الحصار الاقتصادي المفروض على روسيا وعدم قدرة أوكرانيا على تصدير منتجاتها من الحبوب، مع ما تمثله قرارات الحمائية الغذائية التي بدأت تتبعها العديد من دول العالم من خطورة على الأمن الغذائي العالمي، بدأت تظهر على السطح ملامح أزمة غذاء عالمية حادة.
رافق ذلك، ارتفاع مستويات التضخم لحدود قياسية. وأزمات الشحن البحري، الأمر الذي أدى إلى تفاقم سلسلة التوريد المستمرة، وازدحام العديد من الموانئ. لذلك سارعت الدول لإطلاق تحذيرات بضرورة التحرك السريع والفعال من أجل مواجهة مثل هذه المخاطر.
وخلال مناقشة حول الصراع والأمن الغذائي العالمي في مجلس الأمن، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لمجلس الأمن يوم الخميس الفائت، قائلاً "عندما تشن الحرب، يجوع الناس".
وأضاف الأمين العام للأمم المتحدة: "تضيف الحرب في أوكرانيا الآن بعداً جديداً مخيفاً إلى صورة الجوع العالمي هذه"، موضحاً أن حوالي 60 في المئة من الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية في العالم يعيشون في مناطق متأثرة بالصراع، مضيفاً أنه "لا يوجد بلد محصن".
تشير تقارير الأمم المتحدة، إلى أن الغزو الروسي دفع لانخفاض هائل في صادرات المواد الغذائية وأدى إلى زيادة أسعار المواد الغذائية الأساسية بنسبة تصل إلى 30 في المئة، مما يهدد الناس في أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط.
وأكّدت الأمم المتحدة بأنها تعاني أيضاً من تأثير ارتفاع أسعار المواد الغذائية، بما في ذلك في شرق إفريقيا حيث ارتفعت تكلفة المساعدة الغذائية بنسبة 65 % في المتوسط خلال العام الماضي.
اقرأ أيضاً: كورونا والحروب شكّلتا أزمة الغذاء.. والأمم المتحدة تحذر
وقال مدير برنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي، إن 276 مليون شخص يكافحون للعثور على الغذاء، و 49 مليوناً في 43 دولة "يطرقون باب المجاعة"، الأمر الذي لا يؤدي فقط إلى الموت ولكن "الهجرة التي لا مثيل لها" التي تزعزع استقرار المجتمعات.
وشدد بيزلي على أهمية زيادة الإنتاج، وفتح موانئ أوكرانيا وإفراغ الصوامع الخاصة بها لتحقيق الاستقرار في الأسواق ومعالجة أزمة الغذاء العالمية، وقال للمجلس "تصرفوا على وجه السرعة اليوم".
على هامش المؤتمر، اجتمع وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن الخميس الفائت في نيويورك، بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لمناقشة "حرب الرئيس بوتين الوحشية ضد أوكرانيا وآثارها المدمرة على الأمن الغذائي العالمي" بحسب ما ذكر بيان الخارجية الأمريكية.
وأشار البيان إلى أن الطرفان ناقشا زيارة الأمين العام إلى كييف وموسكو في نيسان/أبريل، وشددا على المخاوف المتعلقة بالأزمة الإنسانية التي سببتها الحرب، كما تبادلا وجهات النظر حول استجابة الأمم المتحدة للمعاناة الإنسانية الحادة في أوكرانيا وحولها.
"حرب الحبوب"
تشتد المعارك في شرق وجنوب أوكرانيا، مع سيطرة روسيا على كافة الموانئ المطلة على بحر آزوف وقصفها المتواصل على ميناء أوديسا، الميناء الوحيد الباقي تحت سيطرة القوات الأوكرانية.
خلال ذلك، أعلنت أوكرانيا إغلاق موانئها، وسط اشتداد القتال، ومنعت السفن الحربية الروسية والألغام العائمة فتحها. وحينها قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن مثل هذا التوقف في عمليات الموانئ، لم يُشهد على الأرجح في أوكرانيا منذ الحرب العالمية الثانية.
مما حدا بوزراء خارجية مجموعة الدول السبع لمطالبة روسيا بفك الحصار عن الموانئ البحرية الأوكرانية واستئناف عمليات تصدير الحبوب والمنتجات الزراعية الأوكرانية الضرورية عبر البحر، لمكافحة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، في الوقت الذي حذّر فيه برنامج الأغذية العالمي من عواقب "كارثية" إذا ظلت الموانئ الأوكرانية مغلقة.
وقالت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، في مؤتمر الأمن الغذائي في الأمم المتحدة: "بدأت روسيا حرب حبوب تسببت في أزمة غذاء عالمية"، مضيفةً في تصريحات لصحيفة "واشنطن بوست" بعد الاجتماع الذي استمر ثلاثة أيام لكبار الدبلوماسيين في قصر فايسنهاوس في ألمانيا، أن المجموعة تبحث "طرقاً بديلة" لنقل الحبوب من أوكرانيا، مع تصاعد خطر أزمة الجوع العالمية.
وأشارت إلى أن ما يصل إلى 50 مليون شخص سيواجهون الجوع في الأشهر المقبلة، إذا لم تستأنف عمليات تصدير الحبوب الأوكرانية، مشيرة إلى أن "حوالي 28 مليون طن من الحبوب عالقة في الموانئ الأوكرانية التي تحاصرها القوات الروسية".
قبل الحرب، كانت تصل في متوسط "يوم العمل" العادي وقت السلم، حوالي 3000 عربة قطار محملة بالحبوب إلى الموانئ الأوكرانية، حيث تُخزن في صوامع، وتشحن عبر البحر الأسود ومضيق البوسفور، ومن ثم إلى جميع أنحاء العالم. ومع حظر الصادرات، امتلأت الصوامع، مما يعني أنه لا يوجد مكان لتخزين الحبوب خلال موسم الحصاد المقبل، الممتد من يوليو إلى أغسطس.
وتزرع أوكرانيا ما يكفي من الغذاء لإطعام 400 مليون شخص سنوياً، وتأتي 30 في المئة من إمدادات القمح في العالم من روسيا وأوكرانيا، وفقا لبرنامج الأغذية العالمي.
"الحمائية الغذائية" وأزمة الغذاء العالمية
دفعت الحرب الروسية على أوكرانيا أسعار القمح وزيت الطهي وسلع أخرى إلى مستويات قياسية، في الوقت الذي قامت فيه العديد من الدول حول العالم بوضع قيود وحواجز تجارية أمام تدفق تصدير البضائع خلال الشهرين الماضيين، وذلك رغبة منها بحماية الإمدادات "الضعيفة"من الغذاء والسلع الأساسية.، مع ارتفاع التحذيرات العالمية من أن سياسات الحمائية التجارية تهدد بتفاقم أزمة الغذاء العالمية.
وسعت دول العالم إلى تأمين الغذاء والسلع الأخرى لشعوبها، وسط نقص المعروض وارتفاع الأسعار، من خلال كبح التصدير.
اقرأ أيضاً: غوتيريش يدعو روسيا للسماح بتصدير "حبوب الموانئ" الأوكرانية
على سبيل المثال: أوقفت إندونيسيا، التي تنتج وحدها أكثر من نصف إنتاج العالم من زيت النخيل، تصديره. وجمدت تركيا تصدير الزبدة ولحم البقر والضأن والماعز والذرة والزيوت النباتية.
كما أوقفت أوكرانيا صادراتها من زيت بذور الشمس والقمح والشوفان والماشية، لحماية اقتصادها الذي مزقته الحرب، أما روسيا فقد حظرت مبيعات الأسمدة والسكر والحبوب. كما أعلنت الهند حظر صادرات القمح بسبب ما قالت بأنه يأتي لارتفاع الأسعار محلياً وموجة حر قياسية أضرت بمحاصيلها.
يؤدي استمرار السياسات الحمائية الحالية إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا، ما يضع عبئاً على فقراء العالم، ويزيد مخاطر الاضطرابات الاجتماعية في البلدان التي تكافح ضد تراجع الأمن الغذائي.
وأوضح تقرير للبنك الدولي بأن الحرب قد قامت بتغيير الأنماط التجارية المتعارف عليها، بطرق من شأنها أن تبقي أسعار السلع الأولية مرتفعة حتى نهاية عام 2024.
وفي الوقت الذي تزيد تكاليف الطاقة المرتفعة، أسعار الأسمدة التي يتم إنتاجها بالغاز الطبيعي، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية.
بحسب تقديرات البنك الدولي فإن أسعار السلع غير المتعلقة بالطاقة، مثل المنتجات الزراعية والمعادن، سترتفع بنحو 20% هذا العام، قبل أن تنخفض في السنوات التالية، بينما من المتوقع أن ترتفع أسعار القمح أكثر من 40% لتصل إلى أعلى مستوياتها هذا العام.
أزمة سلاسل التوريد تشعل الأسعار
يعتبر أي اضطراب في سلاسل التوريد العالمية عاملاً رئيساً للدفع بالأسعار إلى الارتفاع في أنحاء العالم، ويكاد يكون من المستحيل التنبؤ بموعد انتهاء تلك الاضطرابات على خلفية الواقع المبهم لمآلات وأمد الحرب الروسية في أوكرانيا، فكلما طالت المدة، زادت المشاكل التي من المحتمل أن تسببها. إضافة لمشاكل التي تعانيها الصين مع الإغلاق الجزئي لبعض مقاطعاتها الحيوية بفعل آثار كورونا في البلاد.
كان مؤشر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة لأسعار الغذاء، الذي يقيس التغيّر في الأسعار الدولية لسلّة من السلع الغذائية الأساسية، قد وصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق في شهر فبراير 2022، وقَفَزَ إلى مستوى قياسي جديد في شهر مارس التالي. وكان ارتفاع مؤشر أسعار السلع الغذائية (بنسبة 12.6% بين فبراير ومارس الماضيين) هو ثاني أعلى مستوى له في التاريخ منذ بدء العمل به في 1990.
يعود تفاقم أزمة سلاسل الإمداد إلى أن تكاليف الشحن البحري آخذة في الارتفاع ويمكن أن يعزى ذلك لإغلاق العديد من الموانئ بسبب الحرب، وأدى ذلك إلى ازدحام في الموانئ حيث يتم تغيير مسار السفن. ويمكن أن يؤدي هذا الازدحام إلى تأخير تدفق البضائع مما يزيد من سوء حالة سلاسل التوريد العالمية.
من جانب آخر، كشفت شركة التأمين البحري "أليانز"، عبر تقريرها السنوي، أن السنوات الماضية كانت أكثر مرونة، إلا أن الأزمة الروسية الأوكرانية أدت إلى تفاقم أزمات الشحن البحري واضطراب واسع النطاق في البحر الأسود وأماكن أخرى، وهو ما اعتبرته الشركة سبباً رئيسياً في تفاقم سلسلة التوريد المستمرة، وازدحام العديد من الموانئ، إلى جانب، قضايا أزمة الطاقم الناجمة عن جائحة كورونا، فضلاً عن أن العدد المتزايد من المشاكل التي تشكلها السفن الكبيرة، مثل الحرائق، تزداد سنوياً.
اقرأ أيضاً: سلاسل التوريد الروسية هي التالية في خط العقوبات
كما أكد التقرير على أن صناعة الشحن تأثرت على جبهات متعددة بالحرب الروسية في أوكرانيا، مع خسارة الأرواح والسفن في البحر الأسود، وتعطيل التجارة، وعبء العقوبات المتزايد.
التضخم وارتفاع أسعار المواد تثقل كاهل الشعوب
تعاني معظم دول العالم في الوقت الحالي تسجيل ارتفاعات قياسية في تكلفة المعيشة والغذاء، مع توقعات العديد من المحللين الاقتصاديين باستمرار هذه الارتفاعات لفترات ليست قليلة، حيث من المتوقع أن يصل معدل التضخم العالمي السنوي إلى 6.7 في المئة هذا العام، وفقًا للأمم المتحدة.
وأعلنت الأمم المتحدة، يوم الأربعاء الماضي، أنها خفضت من توقعاتها للنمو الاقتصادي العالمي هذا العام من 4 في المئة إلى 3.1 في المئة، قائلة إن الحرب في أوكرانيا أدت إلى زيادة أسعار المواد الغذائية والسلع العالمية وتفاقم الضغوط التضخمية، مما أدى إلى تراجع التعافي الهش من جائحة كوفيد-19.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، فإن سبب هذا الارتفاع الكبير في الأسعار ومعدلات التضخم يعود إلى 5 مشكلات رئيسية، أولها هو جائحة كورونا. حيث يؤكد الاقتصاديون أن بداية الاضطرابات التضخمية العالمية اليوم نشأت مع تفشي فيروس كورونا. ومن الواضح أن انتشاره كان بمثابة صدمة اقتصادية، مع إغلاق الحدود وإغلاق الشركات والمصانع.
أما السبب الثاني فهو الحرب الروسية على أوكرانيا، الذي أدى إلى حالة جديدة من عدم اليقين في الاقتصاد العالمي، فقد أثرت الحرب بشكل خاص على الطاقة والغذاء، وكلاهما قطاعان رئيسيان في الاقتصاد.
ومع فرض عقوبات أميركية وأوروبية على روسيا، أحد مصادر الطاقة الرئيسية في العالم، ارتفعت أسعار الوقود على المستهلكين في أغلب دول العالم، كما ارتفعت أسعار الغذاء العالمية مع توقف عمليات تصدير القمح من منطقة البحر الأسود، حيث توفر روسيا وأوكرانيا أكثر من 30% من احتياجات العالم من القمح، كما ارتفعت أسعار الذرة والزيوت.
أما السبب الثالث، حسب الصحيفة، فيعود لعمليات الإغلاق في الصين نتيجة تطبيق سياسة "صفر كوفيد" والتي تساهم في تفاقم مشكلة التضخم العالمي. وتؤدي عمليات الإغلاق إلى تفاقم ضغوط سلسلة التوريد العالمية ومخاوف التضخم، حيث لوحظ انخفاض في حركة الشحن في ميناء شنغهاي حيث لم يتمكن العمال من تحميل وتفريغ السفن في وتيرتها المعتادة.
والسبب الرئيسي الرابع هو تغير المناخ، حيث يُنظر إلى الأحداث المناخية التي لا يمكن التنبؤ بها، مثل حالات الجفاف التي تلحق الضرر بالمحاصيل والعواصف التي تقلب طرق التجارة، على أنها عامل رئيسي في ارتفاع تكلفة المعيشة.
اقرأ أيضاً: انتقادت شديدة لجونسون بسبب التضخم الأعلى في 40 عاماً
وأخيراً فإن المحللين الاقتصاديين يرون بأن التضخم نفسه يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التضخم، إذا توقعت الشركات به ورفعوا الأسعار بشكل مسبق وهو ما يخلق المزيد من التضخم.
كما حذّر صندوق النقد الدولي الشهر الماضي من أن البلدان في الأسواق الناشئة التي اقترضت بالفعل بكثافة لتمويل تدابير الإغاثة من الوباء كانت معرضة لخطر "حلقة الهلاك" التي قد تؤدي، في أسوأ حالاتها، إلى تخلف الحكومات عن السداد.
ووفقاً لبرنامج الأغذية العالمي، فإن الإجراءات الفورية اللازمة للحد من أزمة الغذاء عن طريق تكثيف إعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، وتمكين الإنتاج المحلي للاستهلاك المحلي، وخلق فرص العمل والدخل، وربطها بزيادة إنتاج الأغذية المحلية وتعزيز سلاسل التوريد الأكثر مرونة، بما في ذلك المشتريات المحلية لبرامج الحماية الاجتماعية.
يواجه حالياً أكثر من 276 مليون شخص الجوع الحاد وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي، وقد تدفع الأزمة الأوكرانية 46 مليون شخص إضافي نحو انعدام الأمن الغذائي الحاد. ونسبة كبيرة من الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم يسكنون مناطق متدهورة تواجه تصحراً متسارعاً، مما يولد منافسة وتوترات على الموارد الشحيحة.
ليفانت نيوز_ الأمم المتحدة، واشنطن بوست، "أليانز"، البنك الدولي، فاينينشال تايمز، الخارجية الأمريكية
إعداد وتحرير: عبير صارم
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!