الوضع المظلم
الأربعاء ٢٧ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الثورات حين تكون عفوية وحين تكون مفتعلة
عبد الناصر الحسين

لا يجادل أحد بأنّ الثورة التونسيّة التي افتتحت ثورات ما سمي بالربيع العربي كانت ثورة عفوية تلقائية، لم يخطط لها مسبقاً، كما لم تبادر جهة معينة لتدعو إليها إعلامياً.

فالثورة التونسية اندلعت يوم الجمعة 17 ديسمبر 2010 تضامناً مع الشاب «محمد البوعزيزي» الذي أقدم حينها على إضرام النار في جسده بعد مصادرة «عربيته» التي كان يبيع عليها بعض المواد من قبل شرطة البلدية، وتوفي يوم الثلاثاء الموافق 4 يناير 2011 بعد أيام نتيجة الحروق، مما أدى لاندلاع شرارة المظاهرات، يوم 18 ديسمبر 2010، وخروج آلاف التونسيين الرافضين لحالة البطالة وانعدام العدالة الاجتماعية واستشراء الفساد داخل النظام الحاكم.

واتّسعت رقعة المظاهرات لتشمل مدناً عديدة في تونس، وسقط العديد من القتلى والجرحى من المتظاهرين نتيجة تصادمهم مع قوات الأمن، وأجبرت الرئيس زين العابدين بن علي على إقالة عدد من الوزراء، بينهم وزير الداخلية، وتقديم وعود لمعالجة المشاكل التي نادى بحلّها المتظاهرون، كما أعلن عزمه على عدم الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2014. وازدادت شدتها حتى وصلت إلى المباني الحكومية مما أجبر الرئيس بن علي على التنحي عن السلطة ومغادرة البلاد بشكل مفاجئ، يوم الجمعة 14 يناير 2011.

بعد الثورة التونسية، جاءت الثورة المصرية التي اندلعت يوم الثلاثاء 25 يناير/ كانون الثاني 2011، احتجاجاً على سوء المعاملة، خاصة بعد ظهور العديد من التسجيلات المصورة التي تظهر انتهاك رجال الشرطة لحقوق الإنسان، فتعامل عناصر الأمن المركزي بعنف واستخدموا الرصاص الحي، وكانت البداية في محافظة السويس التي قتل فيها أكثر من 20 شاباً مما جعل أهالي السويس يخرجون في مظاهرات حاشدة، ثم تبعتها باقي المحافظات، وتحولت المظاهرة من احتجاج على قمع الشرطة إلى احتجاج على سوء الأحوال المعيشية والبطالة والتوريث.

وتحدَّت جموع المتظاهرين حظر التجوال الذي فرضته الحكومة، ونزل الجيش المصري إلى الشارع بناء على أوامر من الرئيس مبارك لفرض الأمن، خاصة بعد تراجع الشرطة أمام المتظاهرين، وامتنعت قوات الجيش عن استهداف المتظاهرين، واستمرت التظاهرات حتى أُعلن عن تنحي الرئيس محمد حسني مبارك عن الحكم، ففي مساء الجمعة 11 فبراير 2011، أعلن نائب الرئيس «عمر سليمان» في بيان قصير، عن تخلي الرئيس عن منصبه، وأنه كلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد.

ثم اندلعت الثورة السورية، يوم الجمعة 18 آذار/ مارس عام 2011، ضد سياسات الفساد والاستبداد في تحدٍّ غير مسبوق لحكم نظام «بشار الأسد» متأثرة بالثورة التونسية وثورة 25 يناير المصرية.

انطلقت شرارة الثورة السورية عندما كتب أطفال من درعا البلد في «حي الأربعين» شعارات على حائط المدرسة مشحونين بأحداث الثورات السابقة «جاييك الدور يا دكتور». فاعتقلتهم قوى الأمن وعذبتهم بمنتهى الوحشية وخلعت أظافرهم، مما جعل الأهالي يطالبون بأبنائهم، فكان الرد صادماً من مسؤول الأمن السياسي العميد «عاطف نجيب»، فثار الأهالي بمدينة درعا، واقتحمت قوات الأمن «الجامع العمري» وحدثت مجزرة رهيبة للأهالي، ومن ثم اشتعلت الثورة.

لكن قوات الأمن والمخابرات السورية واجهتهم بالرصاص الحي، فتحولت الشعارات من المطالبة بالإصلاح إلى شعار «إسقاط النظام». وانتشرت المظاهرات لتعمَّ العشرات من مدن سوريا تحت اسم «جمعة العزة» بتاريخ 25 مارس 2011 لتشمل دمشق وريفها وحمص وحماة واللاذقية ودرعا وبانياس والقامشلي ومناطق أخرى، واستمرَّت بعدها بالتوسع.

ما أريد قوله: "إن عفوية الاحتجاجات السلمية الغاضبة في المنطقة العربية لم تمنع فريقاً مخرباً من استغلال الحدث التاريخي، لتجعل من الثورات حالة غائية بحد ذاتها، تستهدف استقرار دول بعينها، وللمفارقة فإنّ تلك الدول المستهدفة تقف في الجبهة المناوئة للمشروع الإيراني المدمِّر في المنطقة".

إنهم جماعة الإخوان المسلمين المتحالفين تاريخياً مع نظام «الولي الفقيه» في إيران، فهؤلاء كانوا انتقائيين في اختيار المناطق التي يجب أن تثور، وهي المناطق التي تستهدفها إيران بمشروعها الطائفي البغيض.

فما إن رأى هؤلاء قطار الربيع العربي قد وصل إلى سوريا، المحسوبة على النفوذ الإيراني، حتى جنّ جنونهم، فعملوا على تثوير دول الخليج العربي استجابة لرغبة وتوجيه «ملالي طهران».

وساندتهم «شبكة الجزيرة» الإعلامية، في التحريض على الثورات دون جدوى، فالثورات حالة شعبية، تأتي وحدها دون تخطيط ولا استدعاء، ويصعب كبحها إن حدثت، بينما الثورات المفتعلة، لا تقوى على الصمود لافتقارها للتأييد الشعبي الكافي.

هو البركان إذاً.. فلا يستطيع أحد تبكير موعد اندلاعه، ولا تحريض الحمم في باطنه لتندفع، كما لا يستطيع أحد وقفه وإطفاءه بعد الاندلاع، وهذا ما لا يفهمه الإخوان، الذين بذلوا الجهد الكبير لتثوير ما لا يثور، ولم يتعلموا من دروس التاريخ، الفرق بين الثورات العفوية البريئة، والأخرى المفتعلة المشبوهة.

 

ليفانت - عبد الناصر الحسين 

كاريكاتير

قطر تغلق مكاتب حماس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!