-
الحرب في أوكرانيا وأسبقيّة الدرس السوري.. ما الجديد بالنسبة لسوريا؟
تبدو جدارية الحرب في أوكرانيا، والتي تجتمع عليها عدة مشاهد ومؤثرات سياسية وميدانية، تخدش في الذاكرة أحداثاً مماثلة رغم وجودها في نقطة بعيدة من الخريطة.
وبينما تتزامن الأحداث المحتدمة في أوكرانيا على خلفية الغزو العسكري الروسي مع ذكرى اندلاع الثورة السورية، فإن قضايا عديدة تتماثل في الأذهان جراء الصراع المحتدم في المنطقتين اللتين تباعد بينهما الجغرافيا، وتضيق بنظرة المصالح الجيواستراتيجية وإعادة الهيمنة في مناطق النفوذ، بواسطة اللاعب الروسي والسياسة البوتينية.
وبغض النظر عن المعالم المباشرة والآثار الواضحة؛ فالحرب هي الحرب من حيث النتيجة والضرر. المدن التي تضحى مدمرة إثر قذائف شديدة الانفجار تقضي على مدارس ومنازل ومستشفيات المدنيين. صور النزوح الجماعي وطواقم الطوارئ الطبية التي تبحث بيأس عن ناجين بين ركام يجمع البشر بالحجر. فرض الوجود الروسي خطة جهنمية ودموية في الصراعين. ولذلك، بالنسبة لأولئك الذين فوجئوا بتداعيات الأزمة في كييف، فهم محقون في اتهامهم بعدم الالتفات إلى ما كان يحدث في سوريا.
الدرس السوري الذي ما يزال يبعث بدورس قاسية ومؤلمة، بينما فصوله لا تنتهي وهي تتنقل من حالة سيئة إلى أسوأ، ومن الدمار إلى الانقسام والشتات بلا حدود، وكأنها سيرة ضياع أبدية، أو لعنة أسطورية لمست جدران المدنية ولم تتحرر من سحرها الأسود، عاود التأكيد على عدة أمور فرضها الوجود الروسي التدميري لكن بعد ظهوره في كييف وتهديد أوروبا أمنياً وسياسياً. هذا رغم أسبقية الدرس السوري. ففي الصراعين هناك حرب الحصار، والممرات الإنسانية، واستخدام الأسلحة غير القانونية أو الأسلحة المشروعة التي يتم إطلاقها مع تجاهل الضرر اللاحق بالسكان المدنيين. كل ذلك كان بمثابة خيط دموي يربط عقداً كاملاً في سوريا. نزفت قوانين وأعراف العمارة القانونية والتشرعية الأممية لما بعد الحرب العالمية الثانية في سوريا. ظهرت "الخطوط الحمراء" حول الأسلحة الكيماوية أو القتل الجماعي للمدنيين، ثم اختفت آخذة معها طرقاً لمحاربة الصراع الحديث الذي انتقل إلى أماكن أخرى.
لقد مهدت سوريا المشهد في أوكرانيا. التقاعس العالمي وعدم الاهتمام وعدم القدرة على فهم الصراع وتعقيده هو الفصل الذي تتبعه سياسة موسكو المصممة للدفع في المناطق التي تكون فيها مقاومة أقل. ومع ذلك، فإن ما يحدث في أوروبا ليس بمعزل عن سوريا اليوم وغداً، ويمكن أن يكون للصدى من أوكرانيا تأثير خطير على البلاد.
هنا ونتيجة تلك المعادلات المركبة نستطيع طرح عدة أسئلة منطقية، منها، هل سيسارع "الأسد" لتقديم دعم عملي لحلفائه الروس؟ والجواب، نعم لقد فعل النظام السوري ذلك بالفعل من خلال التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكنه قد يكون على وشك تغيير نمط دعمه بشكل كبير. حيث ظهرت تقارير عن قيام جيش النظامي السوري وميليشياته بتجنيد قوات من صفوفه للقتال إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا، ووعد بدفع 3000 دولار شهرياً -وهو مبلغ يصل إلى 50 ضعف الراتب الشهري للجندي السوري. وهنا يمكن للجنود السوريين (الذين لديهم خبرة في القتال تحت أنقاض حلب أو ضواحي دمشق) أن يقدموا ميزة تكتيكية قيّمة للقوات الروسية التي كان تورطها في الصراع السوري بشكل أساسي في الحرب الجوية.
وبالتالي إذا عززت دمشق القوات الروسية في أوكرانيا، فهذا يطرح سؤالاً مثيراً للاهتمام حول ما إذا كانت الخطوط الحالية للخريطة في سوريا يمكن أن تتغير؟ هل يمكن لتقليص الوجود العسكري السوري داخل مناطق سيطرة النظام أن يشجع الجهات المسلحة في الشمال الغربي المتحالفة مع تركيا على المضي في الهجوم أو تجاهل الاتفاقات التي حافظت على السلام الأخير، أم أن تركيا ستمنع ذلك؟ هل ستقرر الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية أن الوقت قد حان -مع تركيز روسيا على أوكرانيا- لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم تقويض ما أسسته موسكو في سوريا؟ لطالما كانت سوريا رقعة شطرنج للقوى خارج حدودها خلال وقت الحرب وليس هناك سبب لرؤية استمرار الوضع الراهن الذي تهيمن عليه روسيا في العالم الجديد الذي ظهر في أعقاب الغزو الأوكراني.
كما هناك أيضاً تأثيرات ثانوية للأحداث في أوكرانيا بالنسبة لسوريا. سيواجه اقتصاد الدولة وقدرتها على إطعام سكانها تحديات أكبر بسبب الانخفاض الهائل المحتمل في الحبوب القادمة من سلة الخبز في العالم. سيؤثر هذا أيضاً على جيران سوريا حيث إن الوضع في لبنان بالفعل ضعيف للغاية قبل هذا التحول الأخير في الأحداث. قد يؤدي ارتفاع أسعار النفط على جانبي المحيط الأطلسي إلى اضطرار النظام السوري إلى التعامل مع أسعار الجملة القافزة لزيوت التدفئة وسلع أخرى بالإضافة إلى القمح.
من أعلاه كله نستنتج، أن الأمر الإيجابي الوحيد الذي يمكن تخيله في هذه المرحلة هو ما إذا كان الغزو الأوكراني يدل على مثل هذا التحول النموذجي في الجغرافيا السياسية لدينا بحيث لن تتسامح الدول والنظام الدولي بعد الآن مع وجود مثل هذه الصراعات الطويلة المدمرة مثل سوريا. إن هناك إجماعاً على أن قبول مثل هذا العنف وما ينتج عنه من معاناة هو بمثابة بوابة لأعمال أسوأ يجب اتباعها. إذا كانت سوريا هي الفصل الذي يأتي بعد أوكرانيا، فيجب أن يكون الفصل الذي يليه.
ليفانت - شيار خليل
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!