-
الطلاق في المهجر والمرأة في قفص الاتهام
يحمّلُ المجتمع دائماً المرأة أسباب فشل العلاقات الأسرية، فشل الزواج، المشاكل العائلية وكل ما يمكن تصنيفه في خانة الأخطاء والأغلاط، بينما يُنسب كل نجاحٍ للرجل حتى نجاح أولاده دراسياً، ويتعاطف المجتمع معه في كل مشاكله التي تكون غالباً -على حدّ وصفهم- بسبب المرأة، وخصوصاً في الطلاق.
في سوريا، إذا تطلقت الزوجة فهي عاقة ومثيرة للمشاكل، عنيدة وغير مهذبة مع أهل الزوج، لا تجيد أعمال المنزل، لا تهتم بالأولاد أو الزوج، لا تنجب، أو أنها تنجب الفتيات فقط، ويصل الأمر أحياناً إلى التشكيك بأخلاقها و"شرفها"، أما الرجل فلا يعيبه شيء، هو يقوم بواجباته على أكمل وجه، ففي مجتمعنا لا وجود للحياة الندية التشاركية القائمة على الرأي والرأي الآخر، بل هناك آمر ومأمور، حاكم ومحكوم، متسلط ومستعبد.
في أوروبا، إذا تطلقت الزوجة السورية فهي قد انتهزت فرصة وجودها في بلد الحريات وطالبت بالتفريق لأن القانون ينصفها، ولأنها لن تحتاج لمعيل وستستقل مادياً، فالسلطات المحلية تمنحها كل احتياجاتها، أما الرجل لا حول له ولا قوة أمام تلك القوانين، وهو مظلوم ومصدوم من فكرة الانفصال المفاجئة التي اقترحتها المرأة، فهو لم يكن يعنّفها أو يهين كرامتها أو يستغلها، وكان مثالاً للرجولة معها، لكنها تنتقم منه هكذا دون مبررات.
يرجئ بعض المحللين ارتفاع نسبة طلاق السوريين في المهجر إلى استغلال المرأة السورية القوانين المرنة في البلدان الغربية والتي تتيح لها التمرد على واقعها الملتزم بالعادات والتقاليد، إضافة إلى بعدها عن الرقابة المجتمعية التي لطالما تضع تصرفات المرأة تحت المجهر، كما أنهم يرجحون أن الاستقلالية الاقتصادية والدعم الذي تقدمة السلطات في أوروبا للمطلقات، يشجع المرأة أكثر على اتخاذ قرار الطلاق، ولكن لماذا يغيّب هؤلاء المحللون النصف الآخر من العائلة، أي أقرانهم من "الرجال"، عن مسؤوليتهم في هذا التفكك الأسري؟
إن الحياة الاجتماعية في المجتمع السوري معقدة بعض الشيء، ففيها تنوع ثقافي وطائفي وقومي وإثني، وعلى الرغم من هذا الاختلاف إلا أن هذه المكونات تتشابه في أنماط المعيشة والعادات والتقاليد وتتمسك بها، فالزواج غالباً يتم بالطريقة التقليدية المعروفة في مجتمعنا، ولا يعقد القران بناء على اختيار طرفي العقد غالباً، أو أنه يكون برضى طرف دون الآخر، ويكثر في المجتمع السوري (زواج الحيار، زواج القاصرات، تعدد الزوجات، زواج بفارق كبير في العمر إلخ...) ما يجعل الأسرة الجديدة تنشأ على أساسٍ هشّ مهزوز، لتعيش الزوجة على النمط الذي عاشت عليه والدتها قبلها، ويقوم الرجل بدور الدكتاتور مقتدياً بالتربية التي ربّي عليها طوال حياته، فالرجل في المجتمع السوري المقموع والعائش في ظل الأحكام العرفية والقوانين الصارمة، ذليل مكسور خارج منزله، لا رأي له خارج أسوار عرينه، فالسطات الحاكمة المتمثلة بالنظام البعثي وأذنابه عملوا جاهدين على مدى خمسين عاماً من الحكم على بسط سيطرتهم على كل فئات المجتمع، ونشر الجهل والفقر والاستعباد، ومرّغ كرامة المواطن في التراب، واستعبده ومنعه من المطالبة بأبسط حقوقه حتى بات يتجاهلها مرغماً، كل ذلك القمع خلف كبتاً نفسياً وعقلياً في الرجال، فكانت العائلة (الزوجة خصوصاً) متنفس الرجل الوحيد الذي يمكنه بسط هيمنته وجبروته وقهره عليها.
من قال إن الزوجة لا تطلب الطلاق، وهي في بلدها وبين أهلها؟ إن المرأة التي تعيش حياة زوجية تعيسة غالباً ما تلجأ إلى أسرتها ليجدوا لها الحلول، لكن الأسرة لا تنصفها خوفاً على سمعة العائلة، وتجبرها على إكمال الحياة مع الزوج لأن الطلاق في مجتمعنا عيب، ولأن الزوجة يجب أن تحافظ على حياتها الأسرية، ولأنها يجب أن تراعي وجود الأولاد، ولأنها ستصبح عالة عليهم، ولأن المجتمع لن يرحمها، ولأسباب كثيرة يصعب تعدادها. وبغض النظر عن النسبة الضئيلة من النساء اللاتي هن بالفعل ينتهزن فرصة الوصول لأوروبا لطلب الطلاق مستغلات أزواجهن للوصول إلى هناك إلا أننا نقف أمام عدة تساؤلات:
لماذا يجب على المرأة تقديم التنازلات دائماً، وعليها تحمّل ذهنية الرجل الذكورية، والصمت على كل ممارساته العنيفة ضدها؟ لماذا ينظر المجتمع للمرأة المطلقة على أنها مجرمة، أجرمت بحق زوجها وأولادها؟
لماذا يجب على الأطفال العيش مع والدين يُمسيان ويُصبحان على المشاكل والمشاجرات؟ أليس الأطفال دائماً من يدفعون الثمن؟ ففي حال البقاء ستؤثر المشاكل بين الوالدين على الحالة النفسية للأطفال ولن تكون حياتهم صحية طبيعية، وفي الطلاق سيعيش الأطفال في أفضل الأحوال منقسمين بين الوالدين وسيبحثون عن البديل في المجتمع الجديد الذي سرعان ما سيحتضنهم.
لماذا يمكن للرجل تطليق زوجته متى أراد وكأنه يخلع قميصاً ملّ منه، ولا يحاسب على معاملته السيئة لها، ويعتبر المجتمع ذلك حقاً من حقوقه ولا يجب التدخل فيها؟ والسؤال الأهم لماذا حلل الله الطلاق على الرغم من أنه أبغض الحلال عند الله؟
لقد أبغض الله الطلاق لكنه حلله لأنه الحل الوحيد لإنهاء الحياة الزوجية التي لا أمل منها، "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" لأنه السبيل الوحيد للحد من تفاقم المشاكل، لأن لكلا الطرفين الحق في العيش بسلام، ولهما الحق في اختيار الشريك الأنسب.
فالمشكلة إذا لا تكمن في انبهار الزوجة بالقوانين الغربية المنصفة للمرأة واستغلالها، بل تكمن في التراكمات التي ولدت لديها ذلك الدافع الجريء الذي أجبرها على اختيار الطلاق كحل لا بديل له، فالرجل مسؤول بالدرجة الأولى على ما أوصل الزوجة لهذا القرار، خاصةً وأنه في معظم حالات الطلاق التي شهدناها كان قد ترك زوجته لسنواتٍ خارج دائرة الأسرة الموحدة، لتلعب دور الأب والأم، إلى أن يحصل على اللجوء وينظم إجراءات لمّ الشمل، وغالباً ما يعيش حياته في تلك الفترة بطولها وعرضها، فهل من الممكن أن يعيش الرجل لسنوات بعيداً عن زوجته وفي وحدته كراهب؟ أم تراه كان يغض البصر ولا تأخذه الغريزة باتجاه الأوروبيات الشقراوات! ولم تغره النوادي الليلية أبداً! ولم يقم علاقات فيزيائية أو على مواقع التواصل الاجتماعي مع النساء، تراه كان مخلصاً للزوجة؟ تلك المرأة التي حافظت على أولاده وبيته وماله أثناء غيابه، وتحملت كل الشقاء لحين تمّ لمُّ الشمل.
بالنتيجة لا يتناول بعض المحللين هذا الموضوع لأنهم قلقون على الأسرة السورية والتماسك المجتمعي فحسب، بل لأنهم يفكرون كذكور وهم مقتنعون تماماً بأن المرأة هي سبب الطلاق وعليها فقط تقع مسؤولية تلاحم الأسرة والمجتمع! يعزفون على وتر العاطفة الجمعية للمجتمع، فيبدؤون بجملة المرأة عنوان الأسرة ورابطها، وينتهون بالمرأة سبب دمارها وتفككها.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!