-
الغرب الليبي.. وحرب "الشرعية" التي لن تُبقي ولن تُذر
تعاني ليبيا، منذ أشهر، من النزاع على السلطة والشرعية بين حكومتي باشاغا والدبيبة، وهو ما عزز الانقسام المؤسساتي والمناطقي، وسط الخشية من تحول ذلك الصراع والتنافس السياسي، إلى مواجهة عسكرية مفتوحة، تستنزف ما بقي من البلاد.
مسؤولية شخصية
وقد اتهم رئيس الحكومة الليبية المكلف من البرلمان فتحي باشاغا، في العاشر من أغسطس الماضي، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولاياتها، عبد الحميد الدبيبة، بالسعي إلى البقاء في السلطة، بالقوة ومن دون شرعية، وبدفعه البلاد نحو الحرب والاقتتال.
حيث حمّل باشاغا "الحكومة منتهية الولاية، ورئيسها شخصياً، المسؤولية الوطنية والأخلاقية والشرعية على كل قطرة دم تسفك بسبب إصراره على الحكم بالقوة وبلا شرعية"، مدافعاً عن شرعيته وشرعية حكومته، من خلال نيله ثقة البرلمان، وتزكية المجلس الأعلى للدولة، مشدداً على أنه عاقد العزم على تجسيد هذه الشرعية وترسيخها.
اقرأ أيضاً: ليبيا على صفيح ساخن.. ودعوات دولية للتهدئة وتغليب لغة الحوار
لكنه جدّد بالمقابل التأكيد على أنه لن يستخدم القوة أو التهديد لممارسة حقوقه السياسية، لافتاً إلى أن حكومته ستعمل على بناء دولة تحفظ كرامة المواطن وتضمن له العيش الكريم، داعياً الليبيين إلى "وضع حد لهذه الفوضى وعدم ترك ليبيا ومستقبلها رهن لمزاج شخص ومجموعة من أسرته"، في إشارة إلى الدبيبة، الذي اتهمه بالفساد، واصفاً الوضع الحالي في البلاد بـ"الخطير".
بيد أن كلمته تزامنت مع استعراض كبير للقوة الداعمة لحكومته، في ضواحي مدينة مصراتة، حيث نشرت وقتها، صفحة حكومته صوراً تظهر أرتالاً عسكرية كبيرة قالت إنها "استعراض اللواء 217 قوة حماية الشرعية الداعم للحكومة الليبية"، ما ينسف إلى حد بعيد تعهدات باشاغا، بسلمية النزاع مع الدبيبة.
رسائل متبادلة بين الدبيبة وباشاغا
كما بعث باشاغا رسالة للدبيبة، في الرابع والعشرين من أغسطس، أكد فيها حرص حكومته الكامل على "استقرار الدولة الليبية وحماية مصالحها من كل ما ينال من استقرارها واستقلالها وأمن مواطنيها"، مشدداً على أن المناشدة إلى تسليم السلطة "طواعية"، تأتي "احتراماً لمبادئ الديمقراطية التي تحتم علينا الالتزام بالتداول السلمي على السلطة، والخضوع لقرارات السلطة التشريعية للدولة الليبية"، معداً حكومة الوحدة "منتهية الصلاحية".
اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة تحذّر من تجدد أعمال العنف في ليبيا
بجانب تشديد باشاغا على أن مبادئ الديمقراطية تحتم كذلك "وجوب التسليم طواعية دون مراء، أو استمراء لحالة الفوضى التي تؤثر سلباً على حياة الليبيين وتمس أمن الدولة واستقرارها"، معبراً عن تطلع حكومته إلى استجابة الدبيبة لدعوته.
فيما رد الدبيبة على رسالة باشاغا بدعوته إلى تركيز جهوده على خوض الانتخابات، والتوقف عن إرسال ما وصفها بالتهديدات "بإشعال الحرب"، قائلاً عبر حسابه على "تويتر"، وهو يوجه كلامه لباشاغا: "وفر عليك إرسال الرسائل المتكررة والتهديدات بإشعال الحرب واستهداف المدنيين"، مضيفاً: "لو كان لديك حرص على حياة الليبيين، فركز جهدك لدخول الانتخابات، ودع عنك أوهام الانقلابات العسكرية فقد ولى زمانها".
سلطة حتى الانتخابات
ولعل ما يؤكد أن بقاء النزاع سلمياً بين الطرفين، لا يمكن أن يبقى إلى أمد مفتوح، خاصة مع تمسك الدبيبة بالسلطة، حيث يضعها نصب عينيه، ولا يستبعد المواجهة المسلحة، هو إعلان عبد الحميد الدبيبة، في الخامس والعشرين من أغسطس، أن الحكومة مستمرة في عملها بشكل طبيعي "وباعتراف دولي" حتى إجراء الانتخابات.
مستكملاً: "الحكومة القادمة ستكون ناتجة عن سلطة منتخبة ولا تراجع في ذلك"، مدعياً أن الشعب "لا يريد اليوم إلا الانتخابات للتخلص من كل الطبقات السياسية التي هيمنت على ليبيا منذ 10 سنين"، زاعماً أن حكومته "لن تسمح لمن يحاولون البعث بأمن العاصمة وأمن المدنيين" بتنفيذ مخططاتهم، مردفاً: "سنكون لهم بالمرصاد".
اقرأ أيضاً: غوتيريش يعيّن السنغالي عبد الله باثيلي مبعوثاً أممياً إلى ليبيا
وتابع بأن "حكومة الوحدة الوطنية واستمرارها هو الضمان الوحيد للضغط على الأطراف حتى يذهبوا للانتخابات"، مطالباً بالضغط على من يعرقل الانتخابات "ليصدر القاعدة الدستورية بدلاً من تجميع السلاح ودفع الأموال"، وفق قوله، علماً أنه حكومته هي مَن فشل في تنظيم الانتخابات، حيث جاء تعيينها لغاية أساسية هي تنظيم الانتخابات، التي كانت مُقررة في الرابع والعشرين من ديسمبر 2021، وما زاد الطين بلة، هو نهاية الصلاحية والمدة الزمنية الممنوحة لحكومة الدبيبة، في الواحد والعشرين من يونيو الماضي، والتي حددتها خارطة الطريق التي أقرّها ملتقى الحوار السياسي الليبي.
نذر الحرب الواسعة
وبالفعل، فقد بدأت الفصائل الموالية لرئيس الحكومة المكلف من البرلمان فتحي باشاغا، في السابع والعشرين من أغسطس، بالتقدم باتجاه وسط طرابلس، بعد سيطرتها على البوابة الواقعة غرب العاصمة، بينما أعلنت الميليشيات المحسوبة على رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة النفير العام.
وقالت حينها، مصادر ليبية إن ميليشيا "فرسان جنزور"، نجحت في صد تقدم الفصائل الموالية لباشاغا نحو وسط العاصمة، بينما شوهد رتل عسكري ضخم يضم عشرات العربات المسلحة تابع لباشاغا، وهو يتوجه من مدينة مصراتة نحو العاصمة طرابلس، كما تحركت الميليشيات التابعة لـ"اللواء أسامة الجويلي" الداعم لباشاغا جنوب العاصمة طرابلس، بينما وجهت "قوة العمليات المشتركة" الموالية للدبيبة نداءً عبر "راديو مصراتة" إلى كافة منتسبيها للالتحاق بمقراتهم بكامل تجهيزاتهم العسكرية والاستعداد وإعلان حالة التعبئة.
اقرأ أيضاً: واشنطن تبدي دعمها لجهود المبعوث الأممي الجديد في ليبيا
وجاءت التحشدات بالتوازي مع اشتباكات اندلعت في بعض شوارع العاصمة الليبية طرابلس، حيث قتل أكثر من 23 شخصاً، بجانب 140 مصاباً، في اقتتال بين مجموعتين مسلحتين تابعتين للحكومتين المتنافستين، بينما أدانت حكومة الدبيبة اشتباكات طرابلس وقالت في بيان نشرته على حسابها في "فيسبوك" إن الاشتباكات "نجمت عن قيام مجموعة عسكرية بالرماية العشوائية على رتل مارّ بمنطقة شارع الزاوية في الوقت الذي تحتشد فيه مجموعات مسلحة في بوابة الـ27 غرب طرابلس وبوابة الجبس جنوب طرابلس"، وزعمت أن الاشتباكات تأتي تنفيذاً لما وصفتها "بتهديدات" من رئيس الحكومة المدعومة من البرلمان فتحي باشاغا "باستخدام القوة للعدوان على المدنية.
فيما نفت من جانبها، حكومة باشاغا المكلفة من مجلس النواب اتهامات حكومة الدبيبة، ووصف المكتب الإعلامي لحكومة باشاغا، حكومة الدبيبة بأنها "مغتصبة للشرعية وترفض كل المبادرات"، وطالبها بـ"الجنوح للسلم وتسليم السلطة"، وذلك قبل أن يعود الهدوء إلى العاصمة الليبية، في الثالث من سبتمبر الجاري، بعد أن عززت القوات المتحالفة مع حكومة عبد الحميد الدبيبة، سيطرتها على العاصمة.
لكنه في الغالب، الهدوء الذي يسبق العاصفة، فالإشارات الصادرة من ليبيا، لم تعد تحمل طابعاً سلمياً، ما يشير إلى أن الغرب الليبي يتوجه رويداً رويداً، إلى حرب شاملة لا تبقي ولا تذر، حتى يقضي أحد الخصمين على الآخر.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!