-
اللجنة الدستورية بين المخاوف المحقة...والفعل المتاح
هذا الفعل أثار موجات اعتراضية من المعارضة والموالاة, فالمعارضة التي على يسار فريقها المفاوض (بغض النظر عن كيفية تشكيل هذه المعارضة), فالوفد الآن يمثل كل من هو معارض للنظام، ويخاف على أهداف ومبادئ الثورة التي دفعت أكثر من نصف الشعب السوري للمطالبة بحقوقه, بينما الموالاة التي دفعت (أبنائها وشبابها) للحفاظ على النظام القائم، وكرسي الحكم بعد المزيد من التدخلات (حزب الله, إيران, روسيا), والاحتلالات التركية والأمريكية, والإسرائيلي كلاعب من تحت الطاولة, وأحياناً من فوقها (الاجتماع الثلاثي التنسيقي في القدس المحتلة الأمريكي, الروسي, الإسرائيلي).
والثلث الثالث( المجتمع المدني) الذي أصرت الأمم المتحدة على وجوده على الطاولة كفريق يمثل السوريين غير الممثلين عند النظام والمعارضة, وفي تشكيل (فريق لجنة الصياغة المصغرة وجد أن ثمانية أقرب للموالاة وسبعة أقرب للمعارضة).
المعارضة والنظام
جاءت اجتماعات اللجنة الدستورية العامة والمصغرة, بعد تعنت النظام السوري أكثر من ثماني سنوات، وعدم اعترافه بالمعارضة كحالة سياسية حيث ما يزال النظام يطلق عليها تسمية (إرهابيين, داعشيين), ورغم كل هذا الوصف مجبر هذا النظام إلى الجلوس مقابل هؤلاء لصياغة دستور لسوريا المستقبل بعد أن تفرد أكثر من خمسين عاماً من صياغته دستوراً للحفاظ على كرسي الحكم.
أن الوضعية الجديدة بعيده عن تأثير دمشق وحكامها من خلال التأثير الاستعراضي لفعل القوة العسكرية العارية سواءً من (النظام, أو حزب الله, أو الإيراني, أوالروسي), فهذا النظام الإنكاري لكل ما هو معارض أصبحت المعارضة مثله في التمثيل السياسي الدستوري للمرحلة القادمة في سوريا الغد( وأصبح الإنكار كما في حالة الوفد المدعوم من الحكومة) لا يحل شيئاً, فالرئاسة المشتركة للجنة الدستورية من قبل المعارضة والنظام هي فعل للتناوب على رئاسة الجلسات, وحق الاعتراض من خلال( نقاط النظام) متساوي بالفعل بين وفد النظام, والمعارضة, والمجتمع المدني.
إذاً أصبحت الوفود الثلاث أمام بعض في قاعة واحدة للوصول إلى اختراق دستوري قد لا يسعد السوريين المؤطرين في الأطراف الثلاثة, لكنه يسعد كل السوريين لأنه وضع القضية السورية على سكة الحل السياسي من بوابة اللجنة الدستورية, وربما الانتقال من ساحات الحرب في الأرض السورية إلى ساحات الفعل الدستوري والسياسي في جنيف, لكن تبقى إدلب المصنّفة في خانته (الإرهاب) هي الجرح السوري النازف دماً, وكذلك استمرار عملية ( نبع السلام) التركية على وقع الاجتماعات الأولى للجنة الدستورية.
مستويات الفعل
يمكن تصنيف وتقسيم الفعل الذي جرى في الجولة الأولى إلى ثلاث مستويات:
المستوى الأول: فعل الإعلان الذي جرى بوجود كافة وسائل الإعلام حيث الإعلان والإشهار عن ولادة اللجنة في الجلسة الافتتاحية التي قادها غير بيدرسون, وألقى الدكتور أحمد الكزبري كلمته, وكذلك فعل هادي البحرة, وبذلك كانت عملية الولادة القصرية لحمل استمر ما يقارب تسع سنوات.
المستوى الثاني: هو جلسات اليوم الثاني والثالث حيث جرى فعل (تعريفي لأعضاء اللجنة"150"، وإلقاء كلمات لمن يرغب منهم عبر سؤال واضح ماذا تريد من الدستور السوري الجديد؟!), لهذا وجدنا توزيع ما يقارب(90) مداخلة من أعضاء الدستورية موزعة بين(نظام, معارضة, مجتمع مدني), وختمت هذه الجلسات مساء( الجمعة1 /11/2019).
المستوى الثالث: هي اجتماعات لجنة الصياغة أو ما يطلق عليها" المصغرة", التي بدأت نهار( الاثنين 4/11/ وانتهت مساء الجمعة8/11/2019). ودارت النقاشات في هذه الاجتماعات حول آليات العمل في اللجنة والقواعد الإجرائية لعمل اللجنة. وبهذا يمكن القول أن الفعل التأسيس للجنة وآليات عملها قد أصبحت شبه منجزة.
وبعد أن عادت الوفود إلى مقارها, والأعضاء إلى بيوتهم يبقى السؤال مفتوحاً هل ستعود هذه الوفود إلى مدينة جنيف في(25/11/2019) لجولة جديدة من فعل صياغة الدستور؟ أم سنجد المزيد من المعوقات والممانعات من خارج قواعد الفعل الجديد في أطار عمل اللجنة الدستورية؟ ويستمر الضغط الأممي, والدولي لجعل استمرارية عمل اللجنة فعلاً قائماً بعيداً عن الرغبات التعطيلية.
إن استمرارية العملية الدستورية والسياسية هو فعل مفتاحي للمعارضة والفعل الأممي لجر النظام إلى الفعل السياسي والدستوري، لذلك يجب التحضير الجيد لاستمرارية هذا الفعل، وتكتيك الخطاب المهادن في يوم الافتتاح, والإقلاع عنه في بقية الجلسات التعريفية, إذ أن رغبت العضو فدوى محمود( عضو في كتلة المجتمع المدني) الحديث عن المعتقلين السياسيين والمخطوفين والمغيبين قسرياً, أخذ بعض أعضاء الوفد المدعوم من الحكومة السورية نقاط نظام لمنع الست فدوى من إتمام كلمتها من خلال الشغب عليها, تدخلت السيدة أليس مفرج والسيدة ديمه موسى وبقية وفد المعارضة بالصراخ لمنح السيدة محمود حقها في إتمام كلمتها التي تطالب بإطلاق سراح المعتقلين, والكشف عن مصير المفقودين, وهنا يبدو دور السيدة ميس كريدي من وفد النظام معيقاً حتى دخل الوفد ذاته, إذ تلعب دوراً قيادياً عبر"الهيلمة بدون تفويض واضح" لعب دور المنسق, ويبدو أن عدم الحوار المباشر بين وفد النظام والمعارضة يتيح تكتيكات صغيرة للوصول إلى قواسم مشتركة بطريقة غير مباشرة.
خطوة جديدة
يثير الكثيرون المواقف الاعتراضية على فعل وفد المعارضة, لكن قرار هيئة المفاوضات التي سلّم رئيسها نصر الحريري المندوب الأممي مذكرة جديدة تدعو فيها إلى العمل على مسار جديد هو ملف الانتقال السياسي, إذ أن القرار 2254 يدعو للعمل على المسارات بشكل متوازي، فالفعل الجديد لهيئة التفاوض يحاول إرسال رسائل تطمينية إلى أن الانتقال من الفعل الدستوري إلى الفعل السياسي المطلوب لإيجاد تسوية سياسية برعاية أممية هو هدف الهيئة التفاوضية.
رغم كل ذلك يصعب جداً الركون إلى الأهداف والنوايا، فالشعب السوري والمعارضة السورية أمام نظام طالما سوّف وماطل وكذب حتى في درجات الحرارة، كما ذكر الراحل ممدوح عدوان, كيف يتعامل في المحطات القادمة من فعل اللجنة الدستورية؟!. هل سيستمر في المماطلة والتعطيل والتعنت؟!, أم أن حليفه الروس سيكون حاضراً في منع وإحباط محاولات النظام الاستمرار في الإنكار ما حدث ويحدث في سوريا؟!
إن المطلوب من وفد المعارضة السوري يتم العمل عليه, هل تستطيع المعارضة خارج الوفد تقديم دعماً واضحاً لها، فاللجنة الدستورية هي الأولى من نوعها في تاريخ المعارك السياسية مع النظام السوري, لأن ذلك يوضح للرأي العام العالمي والأممي أن المعارضة السياسية بكافة فئاتها وصنوفها تعمل لبناء السلام ونبذ خطاب الكراهية والطائفية الذي يبثه النظام عند وفده المفاوض, والموالاة, فالقضية السورية تحتاج إلى دعم وتكتيكات مباشرة وغير مباشرة، لمحاولة إنجاح عمل اللجنة الدستورية للانتقال إلى مستويات أخرى من الفعل السياسي التفاوضي المباشر.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!