-
اللغة الكردية كغطاء للتنكيل وجمع المصفقين
عبقرية "الإدارة الذاتية" لا مثيل لها مثلما فرادة تجربتها في "سويسرا الشرق"، تتجلّى في الخطط الاستراتيجية التي تسعى للنهوض بالمجتمع وبنائه على أسس متينة، أهمها تمكين الفرد -الذي يُعرف بأنّه أحد أعضاء الكومين- من تعلّم لغته الأم والتتلمذ على هدى "فلسفة القائد" -والخالد أحياناً- ومحاربة كل أشكال الرجعية القومية التي تعادي طموحات التحوّل نحو "المجتمع الأيكولوجي"، ولا سيما عبر المناهج غير الملائمة لروح "الأمة الديمقراطية".
خلف هذه العبقرية يقف حفنة من القيادات "الديمقراطية" المستوردة من مشتقات PKK في الأجزاء الكوردستانية، ممن يمتلكون قدرات عالية على إقحام العسكرة في حياة المجتمع وتجنيد القاصرين ومهارات سريعة تفوق سرعة الضوء على تغيير فحوى القوانين والالتفاف عليها وفق مصلحة التحالفات السياسية أو تحقيقاً لعبثية الأهداف التي يدعونها في خطاباتهم، خاصة تلك المتعلقة بتمكين اللغة الكردية، لا سيما في العملية التعلمية.
تجسيد تلك الرؤى جاء من خلال سياسات تطمح لـ"بناء" جيل يتلقّى "التربية والثقافة والعلم" من منهل يتماشى مع السياقات السابقة، وهي ما تنتجه أو ترتئيه الجهات المخططة لـ"الإدارة الذاتية" والراسمة لسياساتها حتى تكون في اتّساق مع خططهم نحو تصبيغ المجتمع بهويتهم الخاصة، وهي عميلة معقدة تتشارك وتخدم فيها كل "المؤسسات" المرتبطة بالأم PKK.
فـ"الإدارة الذاتية" التي تتكرم على أبنائنا الطلاب كل يوم بنوع جديد من لجم طموحاتهم وتطلعهم إلى مستقبل تعليمي أفضل، لا لشيء بل من باب مساواتهم مع بقية فئات المجتمع، وحتى لا يشعر الطالب بأنّه متميز أو أنّ مشاكله تستوجب رعاية خاصة واهتماماً معيناً، فتتعامل بديمقراطية ومساواة منقطعة النظير مع الجميع، ولا تترك أحداً من رعاياها دون أن ينال حصته من القمع.
أساليب "الإدارة" في حثّ الطالب على التراجع عن متابعة التحصيل التعلمي خارج "مؤسستها" -إذا ما فرضنا جدلاً أنّها مؤسسة- تتجدّد بدءاً من فرض "مدرسين" من طراز رفيع يكاد الكثير منهم لم تطأ قدماه مدرجاً جامعياً أو تسمع أذناه محاضرة، يكفيه أنّه تتلمذ في مراكز "إعداد المعلمين" التي سطرت فيها "الإدارة" معجزة فريدة -من قبيل تعلم اليابانية في خمسة أيام بدون معلم- أو اختراع هيئة الصحة "لكيت" الاكتشاف المبكر لفيروس كورونا في مدة 30 ثانية فقط، وهنا عبر إعداد مكثّف، مثل دورة صاعقة، في ثلاثين يوماً يصبح المترشح "مؤهلاً" لهذه المهمة.
وإمعاناً في الحرص على منع تسرّب الطلاب إلى الضفة الأخرى للمناهج، لم تقصر "الإدارة" في إصدار "فتاوى" تحريم وتجريم متابعة التعليم وفق تلك المناهج، وعملت بكل أذرعها، ولاسيما اليد الضاربة ‹جوانن شور كر› بالسهر على تطبيق تلك "الفتاوى"، فكان ولا بد من استخدام بعض المولوتوفات لضرب معاهد تعليمية في قامشلي بعد فشل أساليب التحفيز عبر الفرمانات الشفهية والكتابية عملاً بمقولة السيف أصدق أنباءً من الكتب.
مثلما السياسي أو الإعلامي يمكن أن يختفي في "روج آفا" (سابقاً)، "شمال وشرق سوريا" (لاحقاً)، بين ليلة وضحاها، إما مرمياً خلف الحدود أو أن تخطفه جهة مسلحة "مجهولة" في وضح النهار بمساعدة "الفان الأبيض"، أو حتى يكتشف نفسه "عميلاً ومتعاوناً" مع الاستخبارات الإقليمية، يمكن أن يواجه المدرس مصيره إذا ما أصرّ على الأخذ بيد الطلاب والعبور بهم خطوة نحو مستقبلهم، لذا ولقطع دابر أي محاولة التفاف على تلك الفرمانات، لجأت إلى الزجّ بالمدرسين "غير الملتزمين" في السجون، وكأنّ بها تردد عبارة "بدكم حرية يا... بدكم ديمقراطية يا..." إنّه الذهاب أبعد من تقمص تلك الشخصية والدور إلى التماهي في تفاصيلها حتى اللبوس والتحلل فيها.
شغف "الإدارة" بالتقليد، يشبه مظلات الشيوعيين السوريين المرفوعة عندما كانت تمطر في موسكو، مثلما لون الاستبداد الباهت قهوة يغلب الماء فيها على البن، منح الاستثناءات تحقيقاً لأهداف أبعد هي إحدى المفاسد المشتركة في ديمقراطيتي "الإدارة" والنظام، ديمقراطية يمكن أن تعرّف بأنّها موافقة القيادة على أنّ لكل قاعدة استثناء إذا ما كان ذلك يحقق فساداً آخر، ولعل ذلك هو التفسير لاستثناء مدرسين، أحدهما قيادي في جبهة الممانعة "الخط الثالث" وشريك في إصدار "الفتاوى" وسن الفرمانات تلك تحت سقف ‹مسد›، حليف متغاض مصفق، والآخر بعثي متمرّس في القوموية وقرقعة المتة مع صديقه و"بلوده" أبي مهند، رئيس مفرزة الأمن العسكري في المدينة.
فيما يقبع المدرسون في المعتقلات التي ورثتها "الإدارة" من سلفها وشريكها -أحياناً- البعث، عمت الأفراح أوساط عائلة وأصدقاء ورفاق السيد "وزير التربية" في حكومة "كانتون الجزيرة"، الرفيق اليساري "هفال" محمد صالح عبدو (أبي نوروز)، بمناقشة ابنه رسالة التخرج من جامعة تشرين باختصاص طبيب أطفال.
الملهاة التي تدعو للاستغراب، أنّ سيادة "الشاهد ما شافش حاجة" لا يعرف من أصدر قرار اعتقال المدرسين، مثلما لا علم له بمن أمر بمنع ارتياد الطلاب لمدارس النظام، ولا يملك رفاهية مناقشته أو الاعتراض علي أي من الفرمانيين.
كثيرة هي الأغطية التي يتدثّر بها القائمون على "الإدارة الذاتية" ليمارسوا تحتها عاداتهم التي ما عاد فيها سرية، لعلّ أبرزها اللغة الكردية التي أصبحت عصا غليظة للتنكيل والترويض من جهة وجمع المصفقين والمهربجيين من جهة أخرى، إلى جانب اللطميات القومية في ذكرى تسليم عفرين أو "المؤامرة الدولية" على "قائد أخوة شعوب الشرق الأوسط".
ليفانت - زارا سيدا
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!