الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
المؤسسات الدينية.. ثورة لا بد منها
سهير أومري

قدمت ثورات الربيع العربي للمجتمعات فكرة جديدة عن المؤسسات الدينية، وظهر في بعض البلدان، وخاصة سوريا، عمق الهوّة أو الفجوة بين هذه المؤسسات وبين الشارع الثائر، مما جعل لزاماً عليها أن تعيد النظر في الكثير من الأسس والمبادئ التي تنظِمها أو تنتشر فيها.


وفيما يلي عشر نقاط هامة لم يعد لأي مؤسسة دينية مكان في مجتمعاتنا ما لم تعد النظر فيها وتقم بثورة عليها، وتعمل على إلغائها، وهذه الأمور هي:


** - تقديم العبادات الشعائرية العددية والكمية على عبادة العمل، ونفع البشرية، وعمارة الأرض، ومواجهة الباطل، ونصرة المظلوم، وتحقيق استمرار عمل المؤسسة الدينية أو الجماعة وانتشارها، مقابل التواطؤ مع الأنظمة المستبدة لتشرعن استبدادها مقابل ترخيص عملها وفتح فروع عديدة لها، على نحو يجعل من الدين يبعد الدين عن مقاصده ويحيله إلى معلومات تُقرأ وتحفظ، لا مواقف تُتخذ.


** تجاهل قضايا العصر ومتطلباته وتحدياته من هجرة ولجوء واندماج في مجتمعات جديدة والتمسك بالقوالب الصمّاء والترديد الحرفي للكثير من الأحكام التي تأخذ بظاهر النص دون أي اعتبار لروحه أو مقصده، والتشبث بالخطاب الديني البعيد كل البعد عن واقع الحال.


**الاستبداد بالرأي واحتكار المعرفة والحق والصواب للشيخ دون فسح المجال للمريد ليعمل عقله أو يبدي رأيه، على مبدأ (المريد بين يدي شيخه كالميت بين يدي مغسله)، ومبدأ (من يعترض ينطرد)، ودون أية قابلية للنقاش والحوار ومقارعة الحجة بالحجة والمنطق بالمنطق بين الشيوخ ومريديهم.


** وجوب الامتثال التام للباس معين تفرضه المؤسسة الدينية وتختصر الشريعة فيه، بحيث تعدّ كل ما سواه باطلاً أو بدعة أو ماشابه، كأن تُفرض على النساء طريقة معينة لوضع غطاء الرأس أو لونه أو لبس النقاب، أو يفرض على الرجال لبس الثوب الأبيض القصير أو الصندل وغيرها مما يوجه الأذهان إلا أنّ هذا هو الصواب فقط وما سواه باطل وحرام!! عدا عن قَصْر الفضيلة والعفاف على المحجبة وإطلاق صفات لا أخلاقية على غير المحجبات.


** احتكار العلم على كتب المؤسسة الدينية أو الجماعة ومواردها المعرفية، بحيث تضيّق أفق الشريعة على مذهب واحد وأحكام مخصصة، دون فسح المجال للتعرف إلى أحكام الدين في المذاهب الأخرى، والتركيز على الفقه المعاصر الذي يواكب عجلة الزمن ومتطلباته.


** تدخّل الجماعة في الحياة الشخصية لطلابها أو مريديها، واعتبار الإذن من الشيخ واستشارته في كل نواحي الحياة، مهما كانت صغيرة، أمراً واجباً، يُعتبر من يتخطاه مخالفاً يجب نبذه أو طرده، واستغلال النواحي العاطفية لدى الفتيات للتحكّم بهنّ والسيطرة عليهنّ.


** الانتفاع المادي من الطلاب، على نحو يحقق مكاسب شخصية للمعلمين والشيوخ أو للمؤسسة الدينية بدعوى جمع التبرعات بشكل دوري، وتأسيس المشاريع الدعوية بحيث يتم أخذ المال من المريدين بسيف الحياء دون طواعية نفس منهم.


** اعتماد أساليب التجسس والمخابرات بين المريدين لصالح الشيخ على نحو يرسّخ بينهم الضغينة والتنافر والفرقة، ويعزّز سلطة الشيخ واستبداده.


**اعتماد الجماعة أو المؤسسة الدينية على مبدأ التفاضل بين الطلاب والمريدين بحسب الإمكانيات المادية والبيئات الاجتماعية، بحيث يحظى المريد على مكانة عُليا في حال كان غنياً أو من عائلة كبيرة، بينما يكون في مرتبة دنيا إن كان فقيراً أو من عائلة بسيطة.


** تربية المريدين على أن كل من ليس معنا فهو ضدنا، مما يعزز التشرذم والعداوة بين الجماعات والمؤسسات الدينية، أو حتى يقود لأن يكفِّر بعضها بعضاً.


علماً أنّ تأثير المؤسسات الدينية، عموماً، على البنية الفكرية والسلوكية لمجتمعاتنا بات أقل من ذي قبل لسببين:


الأول: ما عبر عنه الكثير من الشيوخ والعلماء بعد ثورات الرييع العربي من انفصال عميق بين العلم الشرعي وخطب المنابر والمواقف العملية الرافضة للظلم والاستبداد.


الثاني: قمع الأنظمة التي أفرزتها ثورات الربيع العربي لشيوخ الحق واعتقالهم وتكميم أفواههم، فبات صوت مؤسساتهم ضعيفاً، والانضمام لهم مخاطرة.


فهل من ثورة تعيد تأسيس أركان هذه المؤسسات الدينية لعل ثوراتنا تؤتي أكلها؟.



سهير أومري


ليفانت - سهير أومري

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!