-
المذكرة المسيحية اللبنانية السورية.. إعادة تعويم للنظام الفاشي بتواطؤ فرنسي روسي
لم يكن ماركس مخطئاً عندما قال إنّ التاريخ هو مسيرة الصراع المجتمعي الطبقي بكل مستوياته وأشكاله وأنواعه، وباختلاف الثقافات أو الأيديولوجيات الحاملة له، فبعد عشر سنوات من بداية الثورة والحراك الاجتماعي، وما رافقه من ظروف وإشكاليات وصراعات إقليمية ودولية ومحلية في سوريا، يعود البعض بالحلول للخروج من هذه المعضلة إلى المربع الأول، وكأنّك "يا بو زيد ما غزيت".
ليطلّ علينا الكانتون المسيحي في سوريا ولبنان، وبغطاء فرنسي بريطاني، بمذكرة وجهتها 95 شخصية مسيحية دينية ومدنية وأكاديمية وسياسية إلى الحكومات الغربية، تحثّ فيها على إعادة النظر بالعقوبات المفروضة على النظام السوري، اعتماداً على قرار قيصر، بحجة أنّ هذه العقوبات تؤثر على مجمل الشعب السوري، وقد ساهمت بمزيد من المعاناة الاقتصادية والمعيشية الموجودة أصلاً في سوريا، ويعيش الشعب السوري تحت ضغطها منذ سنوات.
حقيقة الأمر، إنّ مجموعة من المسيحيين السوريين واللبنانيين استطاعت أن تستميل الرئيس الفرنسي ماكرون للإصغاء إلى حكاية مفادها، أنّ الاقتصادين، السوري واللبناني، متداخلين ومتشابكين بحكم الجوار والعلاقات الاقتصادية العتيقة بين البلدين، وأنّه من أجل إخراج لبنان من أومته الاقتصادية والسياسية الطاحنة، لا بد أن يكون ذلك مترافقاً مع إخراج سوريا، أيضاً، بالتلازم لما تختصّ به الحالة اللبنانية السورية من سمات ومفاعيل وظروف اقتصادية واجتماعية مشركة.
يقوم الدكتور فواز الأخرس، رئيس الجمعية السورية البريطانية، بجمع كل التواقيع الضرورية لهذه المذكرة في بريطانيا وبعض البلدان الأوربية، لكي يبدو المشهد واضحاً تماماً في أنّ المذكرة كلّها، في حدّ ذاتها، ما هي إلا مبادرة يقف خلفها النظام ومعه روسيا لاستمالة الرئيس ماكرون من بوابة المسيحية اللبنانية السورية، مع وعود سخيّة لفرنسا بأن يكون لشركاتها النصيب الوافر في المشاريع الناجمة عن الاتفاقات التي ستحصل في حال تجاوبت الحكومات الغربية مع المذكرة المسيحية اللبنانية السورية.
تبدو أصابع روسيا واضحة تماماً في خلفية المشهد، وبالطبع أصابع النظام، من خلال الاتجاه العام لمضمون هذه المذكرة، التي أوضح مراقبون أنّها لا تتضمن سوى مطلب واحد، هو رفع العقوبات المفروضة على النظام السوري بأثر مفاعيل قانون قيصر الذي أصدره الكونجرس الأميركي.
ويبدو فواز الأخرس، والد أسماء الأسد، زوجة الديكتاتور في سوريا، العراب البريطاني لهذه المذكرة، التي ستتيح له أن يكون محمد مخلوف الجديد في سوريا، وابنته هي رامي مخلوف الجديد، بعد مرحلة إعادة تعويم النظام في مشاريع اقتصادية جديدة، كشكل من أشكال إعادة الإعمار فيما لو استطاع الرئيس ماكرون ومعه بعض مراكز القوة والنفوذ في الغرب أن يقنعوا الإدارة الأمريكية بإعادة النظر في فرض عقوبات على سوريا، وربما إعادة النظر كلياً بجدوى الاعتماد على تقرير قيصر واعتماده مرجعاً ووثيقة لإدانة النظام في سوريا.
لم يكن لهذه المذكرة أن ترى النور لولا أن هناك موافقة مسبقة جزئية، إن لم تكن كاملة، من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي لا يخفى على أحد تأثره الكبير بالمرجعيات المسيحية اللبنانية، فيما يعتبره كأيّ رئيس فرنسي الدور التاريخي لفرنسا في لبنان برعاية مسيحيي الشرق، ناهيك عن أنّ هذا المسعى في حلّ الأزمة اللبنانية يحفظ ماء وجه فرنسا بعد فشل المبادرة الفرنسية للحل في لبنان، وبالتالي حفظ ماء وجه الرئيس ماكرون في لبنان والعالم، وبوجود فواز الأخرس في لندن، كأحد العرابين الرئيسين للمذكرة، فإنّ مشاركة النظام في هذه المذكرة تبدو واضحة، كما يبدو أن لا مانع لدى السيد ماكرون في إعادة تعويم النظام الفاشي في سوريا، ربما بتنسيق كامل مع روسيا، وتجاهل كل معاناة الشعب السوري طوال هذه السنوات العشرة من الحرب المريرة التي يشنّها النظام عليه، كما هو يتجاهل فرصة الحلّ وفق المرجعية الدولية والقرار 2254 المتفق عليه دولياً.
من المؤكد أنّ مثل هذه المذكرة، مهما بلغ من تأثيرها على ماكرون وأروقة وكواليس صنع القرار في الاتحاد الأوروبي، لن تكون قادرة على خلق الاصطفاف السياسي الأوروبي الكافي الذي يمكن أن يدفع الإدارة الأمريكية باتجاه إعادة النظر في مسألة العقوبات على النظام في سوريا، باعتبار أنّ قانون قيصر صدر عن الكونجرس الأمريكي وليس عن الإدارة الأمريكية، ويحتاج الرئيس الأمريكي بايدن إلى الكثير من الحجج والجهد لإقناع الكونجرس بإعادة النظر بقيصر وعقوباته، ولكن ربما هذا المسعى الفرنسي المدعوم من روسيا بإعادة تعويم النظام يساهم في تحويل النظر، بقدر صغير أو كبير، عن التركيز على قرارات المرجعية الدولية للحل في سوريا، أو يساهم في تعطيل جهود قد تبذلها الإدارة الأمريكية الجديدة لإعادة الضغط على النظام نحو إيجاد حلّ نهائي للمعضلة السورية.
وفي كل الأحوال، يبدو واضحاً مما أثارته حكاية هذه المذكرة من ردود أفعال متنافرة ومتناقضة حول مضمونها الذي يعيد تعويم النظام في المجتمع الدولي من جديد، كحاكم شرعي لسوريا وشريك في عملية إعادة الإعمار، يبدو من كل ذلك صواب المثل الشعبي، الكلب لا يعضّ ذنبه، إذ لطالما ساهمت حكومات الغرب في بناء علاقات وطيدة مع الأنظمة الدكتاتورية في العالم الثالث، ومنها النظام الفاشي في سوريا، ولطالما غيّرت سياساتها جذرياً من هذه الأنظمة إذا ما توافق ذلك مع مصالحها، وإنّه ليس من المستبعد أبداً أن تدخل المعضلة السورية في نفق أسود مظلم جديد جرّاء المحاولة (مثل هذه المذكرة)، أو في مساعي مشابهة من هذا الطرف أو ذاك لتمييع الصراع في سوريا وجرّ الأمور باتجاه ضياع حقوق الشعب السوري بعد كل هذه المعاناة، وإعادة تكريس النظام عبر تسويات لا تحقق أبداً ما يطمح إليه شعب سوريا بعد خمسين عاماً من حكم البعث وآل الاسد من سوريا حرة وديموقراطية.
ليفانت - رفيق قوشحة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!