-
الملالي والعرب.. تطبيعٌ عكس المنشود
من المسلّم به ألا يكون الحوار والتطبيع لصالح المضطرب المضطر الذي يلهث وراءه، بل يكون في صالح المستقر الذي يسعى إليه، وما نراه لا يشبه واقع الحال، سواء فيما يتعلق بالملالي أو ما يتعلق بالدول العربية.
وبما أن المنطقة تمر بموجة من المتغيرات الجيوسياسية التي لا تنفصل عن الأزمات والتوترات التي شهدها العام الماضي، وعلى وجه التحديد غزو روسيا لـ أوكرانيا وتأثيره على الاقتصاد العالمي، وتأثر أسعار النفط بالصراع بين أمريكا والصين، وزيادة التوترات والعلاقات الدولية بين العديد من الدول، ومن بينها دول الشرق الأوسط، خاصة دول الخليج، والتنافس الاقتصادي الذي تجلّى بشكل كبير مع بروز ظاهرة تصاعد الصراعات الدولية وتنامي ظاهرة الاستقطاب في المنطقة.
واليوم باتت إيران تحت سلطة الملالي في موقف معقد، إذ وضعت نفسها بين مطرقة الثورة الداخلية التي تزيد وضع النظام في البلاد تدهوراً؛ وسندان أكذوبة السلام مع العرب، بيد أن السعودية هي اليد الممسكة بالمعادلة فإن موقف النظام الإيراني الحقيقي ليس انتصارياً، كما تصفه طهران، بل هو موقف محتضر على حافة الزوال تسوء حالته من سيئ إلى أسوأ، كما هو واضح على أرض الواقع.
وانطلاقاً من هذا الموقف المتهاوي لنظام الملالي ذهبوا إلى طاولة المفاوضات مع العرب، سواء كان السعودية أو مصر أو الأردن أو البحرين، سعياً من وراء ذلك إلى الحد من كم الخصوم من حوله عن طريق المفاوضات التي لن تخرج بأي نتيجة حقيقية بل ليست سوى وسيلة للمناورة وكسب الوقت كعادة الملالي في مفاوضاتهم والأحداث شهود، وقد لجأ النظام الإيراني إلى هذه المناورة (مناورة المفاوضات) مضطراً وتفادياً لسقوطه ونهايته التي باتت حتمية علّ مفاوضاته مع العرب تكون وسيلة لتخفيف اللهيب من حوله فيتفرغ لقمع الثورة الداخلية والتي هي بمثابة رياح عاتية تعصف بجسد النظام، وبناء عليه لم يكن التطبيع الذي رعته الصين حاجة سعودية وعربية، بل كان حاجة ماسة للملالي؛ وإيران الملالي اليوم بحاجة إلى التهدئة مع العرب وليس العكس، وما اتفاق التطبيع سوى أوكسجين يحتاج إليه الملالي من أجل البقاء ولا يحتاجه العرب.
ومن هنا لا ضير إن تقدم الملالي بعرض مبادرات تكتيكية مرحلية أمام السعودية لإنقاذ أنفسهم من قبضة الشعب المنتفض فأعلنوا قبولهم بوقف الاعتداءات على السعودية واليمن والخليج، ووعدوا بتقليص نفوذهم في مستعمراتهم العراقية والسورية واللبنانية واليمنية لقاء "سلام" مع الخليج.؛ وعدوا ولا ضمان لوعدهم.
جديرٌ بالذكر أن قرار التقارب الإيراني السعودي يحمل تخوفات من عدم وفاء إيران بعهودها كعادتها، وتخليها تدريجياً عن التزامها بشروط الاتفاق وبمطالب الجانب السعودي في تفكيك الميليشيات المسلحة ورفع الغطاء المالي والسياسي والاستراتيجي عنها، وهنا قد يوافق نظام الملالي على قطع الدعم والتمويل عن تلك الميليشيات المسلحة لكنه بذريعة أو بأخرى لن يقوم بتفكيكها؛ فبتنازل النظام عن الحشد الشعبي في العراق، وعن أوراقه في سوريا والحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان تكون نهاية النظام، وعليه ليس أمامه سوى المضي قدماً في نهج المراوغة التكتيكية الآنية مع السعودية وغيرها في إطار هدنة تمنحه إعادة التوازن، خاصة في ظل ما يتعرض له من ضربات متلاحقة شلّت أركان نظامه السياسي التوسعي على المستويين الخارجي والداخلي، فلا يمكن فصل التحركات الخارجية لسياسة النظام الإيراني عن أوضاعه الداخلية المعقدة في ظل قمعه المستمر للاحتجاجات الشعبية الواسعة التي طالت مختلف مدن الدولة؛ فضلاً عن تدهور الأوضاع الاقتصادية في ظل الغلاء وارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض قيمة العملة المحلية، وكذلك وقوعه تحت وطأة العقوبات الأميركية والأوروبية، وملاحقة رموزه وقادة ما يسمى بـ الحرس الثوري، هذا بالإضافة إلى العزلة الدولية المفروضة على النظام الإيراني نتيجةً لتداعيات الملف النووي، واستخدام العنف المُفرط ضد الاحتجاجات الداخلية، واتهامه بمساعدة روسيا بالطائرات المسيرة في حرب أوكرانيا، وهو ما دفعه إلى محاولة صناعة نفوذ إقليمي من خلال مساعيه للتقارب مع الرياض والقاهرة وعمان للخروج من النفق المظلم.
ومن الملفت للنظر هو أن مبادرة المنصات والمواقع التابعة للنظام الإيراني منذ أن تم الإعلان عن تفاصيل التقارب والاتفاق الدبلوماسي بين البلدين إلى استخدام صيغ ومفردات كلامية توحي بخضوع الجانب السعودي للمطالب الإيرانية، وإبراز مدى احتياج المملكة لترضية واستجداء دولة الولي الفقيه سعياً إلى التخلص من التهديدات التي تلاحق أمنها القومي، وهي سلوكيات إعلامية غير منضبطة ولا تنمّ عن مصداقية فيما يتعلق بواقع الحال وبالإتفاق الذي قام لتوّه مع المملكة، أما في حقيقة الأمر لا يعد هذا السلوك الإعلامي من قبل بؤر نظام الملالي الإعلامية سلوكاً جديداً فقد دأبوا على ذلك، ولا نستبعد أن يخرج ممثلو خامنئي في خطب صلاة الجمعة لاحقاً للتحدث بمثل ما تحدثت به هذه المواقع.
لقد أثار تفاعل العالم مع إعلان عودة العلاقات السعودية - الإيرانية برعاية صينية حفيظة العديد من الدول والشخصيات البارزة في الشرق والغرب، وأحدث موجة من التفاعلات المتضاربة بين معسكر وكلاء إيران وقطر والإخوان الذي يرى في الاتفاق ضربة ساحقة لمشروع التطبيع الإسرائيلي؛ والمعسكر الرافض لسياسات إيران العدائية ويرى أن إيران دولة غير جديرة بالثقة ولها سابقات في خرق الاتفاقيات وتاريخ طويل في استهداف دول المنطقة وزعزعة الاستقرار ونشر الإرهاب والطائفية فيها، والمثير للدهشة هنا هو هرولة السعودية نحو عملية التطبيع مع هذا النظام القروسطي والانخراط في توقيع اتفاق خاطف مع ملالي إيران الذين يحاربون نهج أهل السنة والجماعة الذي تقوده السعودية؛ في حين أنها فرصة سانحة للعرب لمحاصرة نظام الملالي وفرض شروطهم عليه في أدنى التقديرات، وفي أفضلها مقاطعته التامة والدفع به نحو مصيره العادل بدلاً من إنقاذه.
إن تحركات نظام الملالي اليوم تنطلق من منطلقِ ضعفٍ وخوفٍ وتربص، وما يرغم نظام الملالي إلى الاتجاه نحو الحوار مع العرب مستعيناً بوساطات من هنا وهناك هو إحساسه بالضعف والخوف الذي ينتابه من السقوط والزوال، ولا تخلو تحركات الوساطة العراقية من تكليف كما لا تخلو الرعاية الصينية من مصالح.
وليس من المستغرب أن يسعى نظام الملالي الفاشي العنصري ذي النهج الاحتيالي، والذي يؤمن قادته ورموزه بمبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) إلى العمل بهذا المبدأ كلما شعروا بأن الخطر أصبح يداهمهم بشكل مباشر؛ في محاولة فاشلة منهم لدرء المخاطر وكسب الوجود على الأرض ولو مؤقتاً.
يبدو بالنسبة لإيران أن عملية إعادة تأهيل سياستها الخارجية وتطبيع علاقاتها مع العرب بمعيار الثقة وكمشروعٍ بديلٍ أو منافس للمشروع الإبراهيمي أمر من رابع المستحيلات تحقيقه؛ نظراً لأن سياسة نظام الملالي العدائية لا تتمثل في موقف سياسي قابل للتغيير وإنما هي مشكلة مؤسساتية دستورية تمثّل لبّ استراتيجية نظام الملالي، ولذلك تعدّ تدخلات نظام الملالي في شؤون الدول العربية وتأسيس الميليشيات وتمويلها ونشر الخطاب الطائفي أهدافاً استراتيجية ينصّ عليها الدستور والأيديولوجية المتطرفة التي يتحرك بموجبها هذا النظام الفاشي، ولم تتغير الأهداف والدوافع الجوهرية لهذه السياسات على مدى 4 عقود، ونجد اليوم أن عملية التطبيع هذه مع ملالي إيران تدور حول ملفات رئيسة لن يتخلى عنها نظام الملالي أبداً؛ نظراً لأنها جوهر نظامه ونواة أيديلوجيته الدينية والسياسية التي تشكل تحدياً وجودياً للدول العربية، ودول الخليج على وجه التحديد وهي:
- تصدير الإرهاب وأذرعه وميليشياته بالمنطقة.
- البرنامج النووي والصاروخي.
- تدخلاته في شؤون الدول بالمنطقة بشكل أو بآخر.
وهنا نجد أنفسنا أمام مفاوضات لا طائل منها سوى ضياع الوقت، وبالمحصلة النهائية سيجد العرب أنفسهم أمام طاغوت نووي يفرض سياساته ونهجه على المنطقة كسياسة أمرٍ واقع.
ويبقى خيار العرب الأوحد هو قيام إيران ديمقراطية غير نووية مستقرة مزدهرة تقوم على العدل والمساواة تحترم حقوق الجوار، وهو مشروع المقاومة الإيرانية الذي ستحققه الثورة الإيرانية الجارية رغم ما يحيطها من مؤامرات هشة.
ليفانت - د. سامي خاطر
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!