الوضع المظلم
الخميس ١٩ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
المُتنبى.. بريء من موت أوروبا
إبراهيم جلال فضلون (1)

بأطروحات للموت الأوروبي المنهك التي يقودها الشعور بالذنب لما قامت به طوال نشأتها، ليتعرض قيمها الحديثة للخطر، كونها فقدت الثقة في معتقداتها وتقاليدها وتعرضها لغزو شعوب جديدة قهرتها بالاستعمار والاحتلال إضافة مع معدلات المواليد المنخفضة في أوروبا، حتى كتب الصحفي السياسي غابي هينسليف في صحيفة الجارديان، واصفاً الموت الغريب بأنه «كراهية للأجانب»، بخلاف تفسير كتابي الموت الغريب لأوروبا، للصحافي والمعلق السياسي البريطاني دوغلاس موراي، المستوحى من كتاب جورج دانجرفيلد الكلاسيكي للتاريخ السياسي "الموت الغريب لإنجلترا الليبرالية"، الذي نُشر عام 1935 .لماذا لن تستمر الحضارة الأوروبية كما نعرفها؟. 


يقول موراي: "العالم قادم إلى أوروبا في اللحظة التي فقدت فيها أوروبا رؤية عما تكون عليه"، "وفي الوقت الذي تكون فيه حركة ملايين الناس من الثقافات الأخرى إلى ثقافة قوية وحازمة قد تكون ناجعة، فإن حركة ملايين البشر إلى ثقافة مذنبة، متهالكة، ومحتضرة لا يمكن أن تحدث".


لقد غيرت حرب الروس وأوكرانيا الواقع بين عامي 2014-2022، قام كل طرف بإعادة هندسة إستراتيجيته الأمنية، حولتها من حرب خاطفة إلى حرب مستدامة، وما من إستراتيجية خروج في الأفق، لتواجه أوروبا كما تخوّف ماكرون، مخاطر حقيقية جمّة لا يمكن احتواؤها من زعزعة الاستقرار والرسوم الجمركية ضد البضائع الصينية، وتابعيتها للولايات المتحدة الأمريكية، فاقدة لقرارها السيادي -و "كل لبيب بالإشارة يفهمُ" -، ودعم أوكرانيا بالسلاح، والعنف الذي جرى ضد المسلمين في بريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرهم، لتبدو أوروبا تائهة، على مفترق طرق، فوما هذه الأزمة والصراخ الذي أمرض حناجر القادة الأوروبيين إلا بسبب العقوبات الاقتصادية التي ارتدت على أوربا سلبا، فيما وجدت روسيا لنفسها أسواقا بديلة لمنتجاتها، بل ووجدت فيها الحل السحري لأزماتها العابرة والمفتاح لأبواب دول كانت أسواقها حكرًا على المستعمر الأوروبي، ، فضلًا عن الزحف الصيني الشِره إلى استغلال كل الفراغات التي تعجز أوروبا عن ملئها، لينتظرها "اليوم التالي"، في خطابات ماكرون، وخوض صراع تقني معقد على المسرح الدولي. يتذكر الألمان سنوات ترامب الأربع الصعبة، حيث انهال بكل قسوة على أوروبا والناتو، بل وكانت الحرب على غزة سماوات مفتوحة، رأي منعا لعالم البشري "نفاق الغرب"، ممن أعادهم ترامب إلى "الراكبون بالمجان"، تلك التي لا تمتلك "الذاكرة المؤسسية" فتركب خلف أميركا بالمجّان.


لم تعد أوروبا مركز العالم، بل ورقة تتلاعب بها القوى العملاقة. فوجدت نفسها رهينة للآلة الصينية، فخرجت القارة العجوز من مراكز رأس المال، ويبدو شبح "بطرس الأكبر" مسألة حاسمة بالنسبة للإستراتيجية الأميركية، فهو الضمان لبقاء القارة رهينة للمظلّة الأميركية، لتتراجع الديمقراطية في 52 دولة، ونموًا بسيطًا في 21 دولة، ليُصبح الرهان الغربي على عالم ديمقراطي، أوروبا- أميركا، حلمًا مُتلاشيًا.
لقد انهزمت الروح الأوروبية، كما قال ماكرون والرئيس الألماني، قال ماكرون: "أن أوروبا اليوم فانية. فهي قد تموت. وقد تموت، وهذا يتوقف على خياراتنا. ولابد أن نتخذ هذه الخيارات الآن". وفي رأيي أنها بالفعل في مرحلة خروج الروح لتعود لسابقتها، كوننا العرب خلقنا أسياداً وحررنا العالم من استعماريتهم – وقد آن الأوان للوحدة لأجل عالمنا الفلسطيني والإسلامي.


وأختتم المقال بما أعلنه موراي بكل بساطة أن: "أوروبا تنتحر أو على الأقل قررت قياداتها أن تنتحر"، مضيفاً: "عندما أقول إن أوروبا تعيش في عملية تقتل فيها نفسها لا أقصد أن عبء لائحة المفوضية الأوروبية أصبح مسيطراً أو أن الاتفاقية الأوروبية الخاصة بحقوق الإنسان لم تكتمل بما يكفي لإرضاء طلبات مجتمع معين. أقصد أن الحضارة التي نعرفها كأوروبا تسير في عملية الإقدام على الانتحار، وأنه لا بريطانيا ولا أي دولة في أوروبا الغربية يمكن لها أن تتجنب ذلك المصير، لأننا جميعاً نبدو أننا نعاني من ذات الأعراض والعلل. ونتيجة لذلك، مع نهاية دورات الحياة لمعظم الناس الأحياء حالياً، فإن أوروبا لن تكون أوروبا، وشعوب أوروبا سوف تفقد المكان الوحيد الذي توجّب علينا أن نطلق عليه اسم الوطن".    

ليفانت نيوز: إبراهيم جلال فضلون

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!