الوضع المظلم
السبت ٠٢ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
النومُ في العسل
عبير نصر

بعد اقتراعه وزوجته في مدينة دوما، إحدى أبرز معاقل المعارضة سابقاً قرب دمشق، وغداة تأكيد وزراء خارجية الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا في بيان مشترك، أنّ الانتخابات الرئاسية السورية "لن تكون حرّةً ولا نزيهة"، ردّ الأسد على المواقف الغربية المشككة بنزاهة الانتخابات، بالقول "قيمة آرائكم هي صفر"، وأضاف: "نحن كدولة لا نقبل أبداً بمثل هذه التصرّفات، لكن الأهم، مما تقوله الدولة أو تصمت عنه، هو ما يقوله الشعب". العسل


الشعب نفسه الذي تحوّل إلى كيانٍ وهمي لا قيمة له في كنفِ الديكتاتورية الأسدية، والذي فقَدَ إرادته السياسية بالكامل بعدما عانى الأمرّين جراء ممارساتِ الأجهزة المخابراتية والعسكرية. وتشير أرقامٌ رصدتها لجانُ حقوقِ إنسان، إقليمية ودولية، إلى أنّ النظامَ السوري يُعتبر من بين أكثر الأنظمةِ في المنطقةِ العربية ظلماً وعدواناً على شعبه، والمجازر التي ارتكبها إبان الحرب السورية تعكس بوضوحٍ سلوكه الحقيقي، وتؤكد شعاره الإرهابيّ الشهير (الأسد أو نحرق البلد).


بطبيعةِ الحال تأسستِ البنيةُ الثقافية للنظام عبر الممارسةِ الواقعية والعملية، من خلال استئثاره بالثروةِ والسلطةِ والإعلام والمرجعية. والقصد من احتكار المرجعية يُختزل في الهراء القائل: (إنّ حزبَ البعث هو الذي يقود الدولةَ والمجتمع)، كما كان الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي سابقاً قائداً للدولة والمجتمع، والذي تفكك بسبب هذه الأيديولوجية البائسة. والنظامُ السوري ما انفكّ يعيق نشوء الديمقراطية، لأنه يقتات على فسادِ مؤسساته وإفقارِ شعبه، فدمّر معظم قواعد التنمية الوطنية في الحقولِ الاقتصادية والسياسية والعلمية والثقافية، ووظّف أدواتِ القمع والاستبداد كوسائل ناجعة لحكم البلد. ومن ثم، وفي غياب القانون والمساءلة، بدأت خطواتٌ جادة وبصورةٍ مكثفة لنهبِ المال العام. وفي ظلّ هذه المعطيات، فمن نافلة القول، إنّ هناك صعوبةً بالغةً في إمكانيةِ الانتقال إلى بلادٍ صالحة للحياةِ أو حتّى للتنفس في سوريا، ونظام الأسد ما يزال جاثماً على صدورِ السوريين، ومتمترساً خلف ترسانته العسكرية وأجهزته الأمنية، ضارباً عرض الحائط بكلّ المناشداتِ الإقليميةِ والدولية لتحسينِ سلوكه الأخلاقي والإنساني. العسل


وبينما تقوم كلُّ جبهات الصراع السوري بجرّ البلاد إلى مصيرها المجهول، ما يزال النظامُ مسترخياً فوق (كرسيه المعبود) يحلم بالعسل، والماء يجري من تحت قدميه. وفي آخر التطورات: انتهتْ قمةٌ جمعت الرئيسين، الأميركي والروسي، من دون الإعلانِ عن اتفاقٍ واضح بشأن الممراتِ الإنسانية في سوريا، رغم أنها كانت أحد الملفات الهامة المطروحة، الأمر الذي سيترك ملايين السوريين في الشمال السوري في مواجهة المجاعة. ومن المقرر أن تنتهي صلاحيةُ قرارٍ دولي يسمح بمرورِ المساعداتِ الإنسانية عبر الحدود التركية في 10 يوليو/ تموز القادم، إذ تعتزم واشنطن إضافةَ معبرين مع تركيا والعراق لدى بحثِ تمديدِ القرار الدولي، وسيكون ذلك اختباراً للتوافق بين الزعيمين. والوضعُ كارثيٌّ لا شكّ بعدما تحولت مساحاتٌ شاسعةٌ من الأراضي الزراعية في الريفِ، الممتد من الحدود مع العراق شرقاً وحتى مناطق نهر الفرات ومنطقة الطبقة، إلى أراضٍ بور. وتعيش منطقةُ شمال شرق سوريا، الواقعة تحت حكمٍ ذاتي تحميه قوات سوريا الديمقراطية، حالةً من الحصار الاقتصادي الخانق، مُنع على إثرها الاستيرادُ والتصدير من المناطق المحيطة: تركيا والعراق والحكومة السورية، حيث تحاول هذه الجهات الحصولَ على تنازلاتٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ من تلك المنطقة مقابل السماح لهذه المناطق بالتبادل التجاري معها. العسل


وفي وقتٍ سابقٍ، كانت قد أعلنت روسيا أنّ جولةً جديدة من مفاوضات أستانا الخاصة بالتسويةِ السورية، ستجري في العاصمةِ الكازاخستانية (مدينة نور سلطان)، أوائل شهر يوليو القادم. وصرّح نائبُ رئيس إدارة العمليات الرئيسية في هيئةِ الأركان العامة للجيش الروسي، اللواء ياروسلاف موسكاليك، أثناء مشاركته في الدورة التاسعة من مؤتمر موسكو للأمن الدولي: "نعمل بشكلٍ نشط على تسويةِ الأزمة السورية ضمن إطارِ صيغة أستانا التي ستنعقد جلسةٌ جديدة منها قريباً، في مدينة نور سلطان". وذكر الكرملين في بيانٍ له، أنّ بوتين وأردوغان تطرّقا، خلال مكالمةٍ بينهما، إلى القضايا الخاصة بتسويةِ الأزمة السورية. وشدّد الرئيسان، حسب البيان، على "الأهمية الكبيرة للعملِ المشترك للعسكريين الروس والأتراك الهادف إلى منعِ تصعيد التوتر في إدلب شمال غرب البلاد، ومكافحةِ التشكيلاتِ الإرهابية المتبقية في هذه المنطقة".


في سياقٍ موازٍ، تسعى تركيا إلى إحداثِ تغييرٍ في ملامح الحياةِ العامة في المناطق السورية الخاضعة لسيطرتها. وأحدثُ هذه الخطوات إطلاقُ سجلٍ مدني في مدينة إدلب، يعمل كجهةٍ رسميةٍ تدير مجموعةً من الدوائر الرديفة في مختلف مناطق الشمال السوري. وتأتي هذه الخطوة تتويجاً لمجموعةٍ من القراراتِ والتشريعاتِ التعليمية والاقتصادية والإدارية والعسكرية التي اتخذتها تركيا في تلك المناطق، والهدفُ قطعُ أواصر العلاقات بينها وبين بقية المناطق السورية، وربطها سياسياً واقتصادياً ورمزياً بتركيا، فيما أصبح يعرف بـ"سياسة التتريك".


في هذا الوقت، تشاركُ واشنطن في عملياتِ الاستخراج غير الشرعي للنفط في سوريا، على خلفيةِ النزاع المستمر بين قواتِ سوريا الديمقراطية والقبائل العربية التي تعارض نهبَ الثرواتِ الطبيعية السورية، والتجنيدِ الإجباري للعرب في صفوف الوحدات الكردية. كما أبرمت موسكو العديدَ من الاتفاقياتِ طويلة الأمد من أجل استثمارِ مرافئ بحرية في طرطوس وغيرها، مقابل دعمها لدمشق على مدى سنوات الحرب السورية. بدورها تواصل الميليشياتُ الإيرانية في منطقة غرب الفرات، نقلَ الأسلحةِ وتهريبِ السلع. حيث قامت بعضُ الفصائل المسلحة العراقية باستقدامِ شحنةِ أسلحةٍ جديدةٍ إلى المنطقة قادمةً من العراق، عبر المعابر التي تديرها الميليشيات. وضمتِ الشحنةُ صواريخ أرض-أرض متوسطة المدى، نُقلت إلى مستودعاتٍ ضمن منطقة آثار الشبلي وقلعة الرحبة الأثرية في أطراف مدينة الميادين شرق دير الزور، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان. وعلى صعيد متصل قامت ميليشيا "أبو الفضل العباس" بنقل أسلحةٍ وذخائر عبر شاحنةٍ مموهةٍ بالخضار والفاكهة من أطراف البوكمال شرق دير الزور إلى بادية الرقة. في موازاةِ ذلك، تواصل الميليشياتُ الموالية لإيران عملياتِ تجنيد الشبان والرجال في غرب الفرات. ولم يقتصر الأمرُ على الذكور وفق المرصد، فقد كلفت ميليشيا "أبو الفضل" نحو (25) امرأة من نساء وعوائل عناصر الميليشيا، بالتواصلِ مع الفتياتِ والنساء في الميادين، ضمن سياسيةِ استقطابِ الأهالي في المنطقة، وتقديمِ مساعداتٍ غذائيةٍ لهم.


ووسط كل هذه التطورات الكارثية، يستمر النظامُ السوري في سياسةِ (النوم في العسل) في ظلّ تفاقمِ الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وارتفاعِ نسب البطالة، وانخفاضِ الدخل، في مختلف المناطق السورية دون استثناء. وبينما ينهبُ الغريبُ خيرات البلاد أصبح انتظارُ الخبز والغاز والوقود في طوابير طويلة مشهداً يومياً مألوفاً، يعكس حالةَ الشعب السوري المسحوق، الذي (وحده) يمثل رقم (صفر على اليسار) في معادلةِ النظام الاستبدادي، الذي اتفق الجميعُ على أنّه واحدٌ من بين أسوأ الديكتاتوريات التي خرجت من رحمِ العالم المعاصر، والتي وصلت سدّة الحكم بين ليلةٍ وضحاها عبر انقلاب عسكري، استهتر بخصوصيةِ تاريخٍ استثنائي متخمٍ بالصراعات والتجاذبات والتحديات. مع هذا لم تمرّ سوى عقود قليلة حتى أحكم نظامُ الأسدين قبضته على مقاليد الحكم في سوريا، بفضل استفراده بالمؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية، بعدما سخر الشعب - الملويّ عنقه- كطوق نجاةٍ لحماية سلطته القمعيةِ المقدسة. العسل


ليفانت -  عبير نصر ليفانت

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!