الوضع المظلم
الخميس ٢٦ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
الواقع السوري الموجع
عز الدين ملا

في خضم كل ما يجري على الساحة السورية من حدة الصراعات بين جميع الأطراف الداخلة والمتداخلة في الشأن السوري، نلاحظ أن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في جميع المناطق نحو تدهور مستمر، وحياة المواطن السوري مهددة بالموت السريري البطيء.

رغم وجود سلطات متعددة تتحكم بالساحة السورية، ومع ذلك يشترك الجميع بالسياسة والأسلوب نفسه، لم نجد أي بوادر تحسن معيشي وخدمي عند أي من تلك السلطات، كما تتشارك جميعها دون استثناء بما فيها النظام في تفشي الفساد وأساليب الضغط والتجويع، مما يدفع هذا المواطن السوري إلى دفع فاتورة بقائه في وطنه وتمسكه بوطنيّته، ويوجهه إلى التحسّر ألف مرة على عدم مغادرته لوطنه فيما مضى.

بعد عقود من الاضطهاد وكم الأفواه، تنفّس السوريون الصعداء في بداية الثورة السورية، وارتفعت صيحاتهم حتى وصلت أصواتهم عنان السماء، وهم ينادون بالحرية ويأملون ببداية مشرقة لمستقبل زاهر، في هذه الأثناء غادر البعض أرض الوطن، عاتبهم المتشبثون بالأرض على قرار رحيلهم، وكان الرجاء والتمني بالعودة والبقاء، ظنهم أن القادم أجمل، ومع تتالي السنوات، تغيرت الأوضاع والظروف، وتبدلت المواقف السياسية، وظهرت النيات والغايات.

هكذا، تحوّلت الأرض السورية، إلى مستنقع نتن، تجمعت فيه مختلف الصنوف والهياكل، وأصبحت مرتعاً للمرتزقة والعصابات والميليشيات الإرهابية، سمموا أرض سوريا بحقدهم وإرهابهم، مارسوا أبشع الأساليب والممارسات بحق السوريين البسطاء الغيورين على حرمات جيرانهم قبل أنفسهم، وفوق كل ذلك كانت ممارسات النظام السوري الضربة أو الضربات الذي قصمت ظهر السوريين، ومع ذلك تمسّك معظم الشعب السوري بقناعته أن كل ذلك لن يدوم طويلاً، وسيزول عن قريب، وهذه القناعة بدأت تخفت مع مرور السنين، حتى وصل إلى الحالة التي نحن فيها -حيث الوضع الاقتصادي والمعيشي الكارثي التي تعصف بحياة السوريين- إلى الندم في عدم مغادرته للوطن، اقتنع أن الشعارات الوطنية والتغني بالمثالية لا يطعم الخبز، ما هذا الوطن الذي لا يستطيع أن يؤمن لك رغيف خبز يسد جوعك وسقف يحميك من حر الصيف وبرد الشتاء!

المواطن السوري لم يعد يهمه إن كانت سوريا مهد الحضارات أو ملحمة التاريخ الإنساني، ذلك لن يطعم أبناءه الجَوعى. ولم يعد يهتم لكل ما يحصل من صراعات ومقايضات وحتى اجتماعات ومؤتمرات، فهو يعلم أن ليس له فيها شيء، سوى تطنين شعارات براقة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في أذنيه، تلك الشعارات المغلفة بالنفاق والنوايا الخبيثة.

تحمَّل السوريون جميع أنواع العذاب من قتلهم وتدمير مساكنهم وتشريدهم وتكميمهم وتقييدهم، وقاوم السوري كل ذلك بقوة إرادته لأنه كان على قناعة ويقين أن كل ذلك سيزول مهما طال الزمن، ومن المعلوم أن نقطة ضعف الإنسان هي الجوع والفقر، لذلك تحوِّل الظلمة والأشرار من تكتيكاتهم، بعد أن أدركوا قوة تحمُّل السوريين لكل سياسات الاضطهاد والتنكيل، إلى نوع آخر من السياسات وهي حرب لقمة العيش، هذه الحرب التي يخسر فيها أياً كان ومهما كانت قوته وإرادته، ومهما كانت شجاعته وصبره، سياسة الجوع تردي الجبار أرضا، لذلك ما يحصل الآن من تضييق معيشي وضرب الليرة السورية مقابل الدولار والذي تخطى تراجعه الحدود الخطرة، والذي ينذر بكارثة قد تكون الهلاك لملايين من السوريين، الفرق الشاسع بين الصادر والوارد في الدخل الفردي يفتح باب الانهيار والفناء إن لم تتدارك الدول هذه الكارثة بحلول آنية وسريعة، هذا كله وسلطات الأمر الواقع المتحكمة بمصير السوريين تفرض ممارسات أكثر سوءاً دون أن تبدي أي مبالاة لِما يحصل في الواقع اليومي، كما وأن هذه الحالة خلق بيئة خطيرة حيث وجود طبقة صغيرة من تجار الحرب والأغنياء الذين اغتنوا من أساليب النهب والسلب والفساد وطبقة واسعة من المعدومين الذين لا يستطيعون تأمين أدنى أساليب العيش الكريم، قد تفتح ذلك باب لا يمكن معرفة عقباه.

علماً، أن السوريين جميعاً التمسوا أن الصراعات الدولية زادت من حدتها، وتوسعت من رقعتها الجغرافية، وتناقلت بشكل درامتيكي من منطقة الشرق الأوسط وثورات الربيع العربي والتي توقفت في وطنهم سوريا وتعششت حدة الصراع الدولي في ساحتها، وحاولت روسيا تخفيف حدة الصراع عليها وليس على الشعب السوري بفتح جبهة على حدود الناتو، وكان الغزو الروسي في أوكرانيا بداية شكل جديد من الصراع.

وبعد عام من الحرب في أوكرانيا، انتقلت إلى السودان ومن ثم إلى النيجر، وكأن دول الصراع تتبادل الأدوار في فتح جبهات جديدة، ومع ذلك تبقى الساحة السورية الملعب الرئيسي للمبارزة والمقايضة.

من خلال كل ذلك، فقدان السوري للأمل، من أن الصراع سيهدأ قريباً، ومن جهة أخرى الخوف من الحرب الرئيسة والكبرى التي قد تجري على ساحة وطنهم سوريا، وهذا يعني الدمار والفناء.

أمام كل ذلك ليس للسوريين أي مخرج سوى البقاء وقبول الواقع كما هو وتحمُّل مصيره المجهول، أو المحاولة على المغادرة والهروب من هذا الجحيم، وتأمين لقمة تسد جوعهم وعِلماً يوصل أبناءهم إلى طريق مستقبل وطنهم سوريا.

ليفانت - عز الدين ملا  

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!