الوضع المظلم
السبت ٢١ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
حقوق الإنسان في زمن كورونا
رقية العلمي

أفرزت إجراءات الحظر والإغلاق الذي فرضته الحكومات للحدّ من تفشّي كورونا، كوفيد-19، واقعاً جديداً له إيجابيات، منها تعزيز التكافل بين الجيران والتقارب بين أفراد العائلة، فكان فرصة لإعادة ترتيب قضايا البيت والتعرّف بشكل أفضل على أمور تخصّ أفرادها، وفسح المجال لممارسة هوايات كانت مهملة بسبب مشاغل الفرد، كما زادت برامج العمل التطوعي، وقام الكثير من الشباب والشابات في العالم العربي بمبادرات تطوعيّة لتطبيق برامج التثقيف الصحي وأمور السلامة.


لكن بالمقابل كان هناك تداعيات أثّرت سلباً على حقوق الإنسان فيما يخصّ الفئات الأقل حظاً في المجتمع؛ فئات لم تكن بالضرورة ضمن الأولويات في البرامج الوضعية التي طرأت خلال الحظر والجائحة، نستعرض هنا التمييز والانتهاكات ذات الصلة.


الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة:


حسب المعطيات، فإنّ الفئة الأكثر تضرراً والتي تأثرت في الحظر وما زالت تعاني من تداعيات كورونا، هي فئة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، بسبب انقطاع مراكز التربية الخاصة عن العمل وتوقّف الخدمات التعليمية والتأهيلية والخدمات الاجتماعية المقدّمة لهم. حيث أُغلقت جميع المراكز المعنية بتدريبهم.


أجبرت الجائحة وتداعياتها إلى بقاء هذه الفئة في البيوت، حيث يصعب على الطواقم الفنية المتخصصة العمل معهم عن قُرب، فتم تحويل المسؤولية على عاتق أسرة المعاق التي تفتقر للمهارات المطلوبة للتدريب ومساعدة الطفل بطريقة علمية صحيحة.


وعليه أدّت النتيجة إلى تراجع وضعهم الصحي، وفي بعض الحالات، طالهم التهميش، لأنّ هذه الفئة في المجتمع لا تنال الأولوية في الرعاية الصحية بالضرورة بسبب التمييز والعوائق التي واجههتا المؤسسات الرسمية والخاصة المسؤولة عن هذا القطاع.


من دواعي القلق، أيضاً، وجودهم في بيوت مزدحمة بجميع أفراد الأسرة سينتج عنه بعض المشاكل الصحية، بسبب عدم الرعاية الكافية في المنزل وفرضية انتقال العدوى لهم، وهم بحاجة إلى رعاية لا يمكن تجاهلها، خصوصاً للذين يعانون من مشاكل صحية بالجهاز التنفسي.


بناء عليه، أصبح هناك حاجة ملّحة، وهي التأكد من إدماجهم في برامج الصحة وإيجاد البيئة المناسبة لحمايتهم من الإصابة بالعدوى وعمل برامج لضمان استمرارية تقديم الرعاية الصحية والدعم لهم.


وكانت المنظمات الإنسانية الأممية قد طالبت الحكومات ضرورة استخدام جميع القنوات المتاحة للتواصل مع ذوي الإعاقة ومدّهم ومدّ ذويهم بالمعلومات الصحية العامة وتلبية احتياجاتهم، بما فيها المناطق الطرفية والنائيّة، وكذلك ضمان حصول أفراد الأسرة وطواقم مقدّمي الخدمات والرعاية لذوي الإعاقة على معدّات الوقاية الشخصية المجانية، مثل الكمامات والقفازات ومواد التعقيم، وعدم استثناء هذه الفئة من الاختبارات الدورية الخاصة بكوفيد-19.


التعليم عن بُعد


المشكلة الرئيسة التي يواجهها العالم اليوم هي التأقلم على النمط الجديد من التعليم، ألا وهو "التعليم عن بُعد"، فالكثير من الأطفال ليس لديهم جهاز حاسوب أو خط إنترنت، وفي بعض البيوت يتوفر جهاز حاسوب واحد لعدة أطفال، فلمن يعطى حق الأولوية في استخدام الجهاز؟ مسألة شراء جهاز حاسوب لكل طفل أوقع الأهل في مأزق الضيقة المادية وغلاء المعيشة، ففي الوقت الحالي شراء حاسوب لكل طفل مرهق لميزانية الأسرة، سيما أنّ شراء الحواسيب لم يكن مُدرجاً ضمن ميزانية الأسرة قبل الجائحة".


لقد عبرت المؤسسات الأممية المتعلّقة بالتعليم، مثل اليونيسيف واليونسكو والأونروا، عن مخاوف من ازدياد الأميّة إن بقت الجائحة على المدى البعيد، كون الإنترنت وخدماته، مثل الواي فاي والكهرباء، لا تصل إلى كثير من المناطق النائية حول العالم، وهذا ينطبق على المناطق البعيدة عن المدن في العالم العربي.


كما أنّ مخيمات اللاجئين المستجدّة، في بلاد الشام وشمال سوريا والعراق، لا تتمتع بأي من هذه الوسائل لتوفيرها للطفل، ليس لجهة تعليمة فقط، بل كيفية حمايته من انتشار الفيروس ومنع تمدّده في مخيمات مكتظّة وخيام رثّة معظمها بدون كهرباء وماء صالح للشرب، ليس بالإمكان توفير التقنيات المطلوبة لتطبيق برامج التعلم عن بُعد والاستفادة من البرامج التعليمية التي تبثّ على التلفزيون التربوي.


العمالة غير الرسميّة


من أكثر الفئات المتضررة من جائحة كورونا، العمالة غير المسجلة رسميّاً من قبل الجهات المعنية، من ضمنها العمالة الوافدة والعمالة المحلية، العاملون بشكل غير رسمي في البيع التجوالي وفي الأكشاك وعلى العربات وفي أعمال البناء وخدمات النقل والميكانيك.


وانطبق هذا على العاملين في قطاع السياحة والخدمات الموازية، مثل أدلاء السياح وموظفي الخدمات في الفنادق والمطاعم الذين يعملون بنظام المياومة أو بدوام جزئي، ويعتمد دخلهم على السياح والوفود الزائرة، حيث توقفت هذه الشريحة عن العمل بسبب الإغلاقات والآثار الاقتصادية التي أجبرت أصحاب بعض الفنادق والمقاهي والمطاعم على تسريح الطواقم العاملة في هذا المجال.


تأثرت النساء العاملات بنظام الساعة، مثل العمل في حضانات الأطفال والمدارس، وأيضاً في مجال التنظيف، وفي التمريض المنزلي، وملازمة المرضى وكبار السن، والعاملات في الحرف اليدوية والحياكة وفي المشاغل والمصانع، كما وأثر الركود الاقتصادي إلى انعدام دخل بائعات البسطة والعاملات في الاقتصاد المنزلي اللاتي يعتشن من إعداد الطعام وتصنيع الأغذية المنزلية.


فئة كبار السن


قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إنّ جائحة كوفيد-19 تسبب في "خوف ومعاناة لا توصف"  لكبار السن الذين يموتون بمعدل أعلى، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين تزيد أعمارهم عن 80 عاماً. فيما عدا المخاطر الصحية الناتجة عن الوباء، فإنّه يعرّض كبار السن لخطر زيادة فقرهم، خاصة في البلدان النامية.


وكان غوتيريش في بداية الجائحة، قد أصدر بياناً حول تأثير كوفيد-19 على كبار السن، مشدّداً أنّ لهم "نفس الحقوق في الحياة والصحة مثل أي شخص آخر". ودعا إلى تحسين الدعم الاجتماعي واستخدام التكنولوجيا الرقمية للوصول إلى كبار السن الذين قد يواجهون معاناة بسبب العزلة والقيود المفروضة على تحركاتهم.


النساء العربيات وكورونا


تحت شعار "من موقع المسؤولية: أنتِ خط دفاع ضد كورونا"، أطلقت منظّمة المرأة العربية حملة إعلامية حول النساء في إطار الاستجابة لجائحة كورونا المستجد، كما تضمّنت الحملة إرشادات وتوعية حول الوقاية من الفيروس، وتعريفاً ببطولات النساء العربيات في خطوط الدفاع الأمامية ضد الوباء، ومعلومات حول تأثير هذه الجائحة على النساء والفتيات اقتصادياً واجتماعياُ وصحياً. وطالبت الحملة باتخاذ إجراءات من أجل حماية المرأة والأطفال من العنف الأسري.


كذلك أبرزت الحملة المبادرات الوطنية وأفضل الممارسات المراعية للمرأة في إطار خطط الاستجابة للوباء، وأعربت المنظمة في ذات البيان عن تضاعف القلق من أنّ فيروس كورونا يحمل مخاطر كبيرة جداً للنساء والأطفال اللاجئات والنازحات في ظلّ عدم توافر البيئة النظيفة المطلوبة، وهي مسألة ضخمة ولا تستطيع جهة واحدة أو مساعدات فردية التصدّي لها والتراخي فيها، ستكون آثاره كارثيّة على المجتمع الدولي ككل.


أخيراً.. رغم تثميننا للبرامج الوطنية والدولية والمؤسساتيّة التي تصدّت بكل إمكاناتها لمواجهة الوباء وتداعياته، لكن لا يمكن إغفال ما ورد أعلاه حول هذه الفئات المتضررة من الواقع الجديد التي ستدوم معاناتهم إلى وقت ليس بقصير، وإن انتهت كورونا ستبقى ذيول تمهد لاقتصاد ضعيف وميلاد فقراء جدد، مما يؤيد ضرورة إدماج هذه الفئات عند رسم الاستراتيجيات لأنّه في حالاتهم لا يمكن لحلول فردية مواجهة كل هذه الآثار السلبية الحاصلة.



ليفانت - رقية العلمي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!