الوضع المظلم
الأربعاء ٠٦ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
خلاف بين أمريكا وإسرائيل حول النووي الإيراني
عبد السلام حاج بكري

لم يبلغ تباين المواقف بين أمريكا وإسرائيل منذ نشأة الأخيرة ما بلغه اليوم بشأن التعامل مع إيران بشكل عام وملفّها النووي على وجه الخصوص، ففي حين تتفقان على ضرورة منحها نفوذاً واسعاً في المحيط العربي حتى القريب منه لإسرائيل، إلا أنهما تختلفان بشأن حجم ونوعية السلاح الذي سيسمح لها بإدارته في مناطق نفوذها، وكذلك في كيفية التعامل مع ملفها النووي.

في نهاية سبعينيات القرن الماضي، تبنّى الغرب وبمباركة إسرائيلية تغيير نظام الشاه الحاكم في إيران بصبغته السنيّة، ليأتي بنظام الملالي الشيعي، لتحقيق أهداف عديدة في طليعتها إيجاد خلافات عميقة بين الدول العربية وإيران وتصعيدها عند الضرورة إلى صيغة الحروب كما حصل في الحرب العراقية الإيرانية، ويحصل مع السلاح الإيراني الموجه للصدور العربية حاملاً صبغة طائفية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وقد يتوسع انتشاره لبلدان أخرى لا سيما في الخليج العربي، الذي تختبئ نيرانه تحت رماد خفيف. 

الغرب وضع بذلك لبنة أساسية في استيراتيجيته طويلة الأمد لتغيير مسار الصراع في الشرق الأوسط من جبهة إسرائيل إلى الشرق باتجاه إيران، ورغم أن لا حروب قامت ضد إسرائيل منذ عام 1973، إلا أن التغيير شمل القناعات والنظريات أيضاً، وجعل غالبية شعوب دول الشرق الأوسط تنظر إلى إيران باعتبارها العدو الأول، ودفع بعض هذه الدول تسعى للتحالف مع إسرائيل لمواجهة الخطر الإيراني، بعدما أقنعت البروباغندا الإسرائيلية الجميع بأنها تشاركهم العداء لإيران.     

وقد نجحت إيران بمساعدة الغرب في مسعاه من خلال ممارساتها العدائية والاستعلائية تجاه الدول العربية الشرق أوسطية والخليجية، فهددت الأمن والاستقرار في كل المنطقة باستثناء إسرائيل، ما عدا المشاهد التي يتطلبها تطبيق الاستراتيجية وجعلها أكثر إقناعاً، يقوم بتأديتها ممثلون على قدر كبير من السذاجة، كعصابة حزب الله من لبنان والفصائل المأجورة والعميلة في غزة.

بعد أن رعى الغرب، وعلى رأسه أمريكا، بمباركة إسرائيلية، تسليم العراق للحرس الثوري الإيراني، تمدّد المذكور ونشر سلاحه الإرهابي بأيدي ميليشيات -أسماها الحشد الشعبي- منفلتة تمتهن الإجرام والترهيب والقتل، ليتسلل لاحقاً إلى الجوار في سوريا ويمارس احترافية عالية في الإجرام والقتل بأعنف مما فعل في العراق، ووصلت نوعية السلاح ذاته إلى لبنان فصادر الحكم والقرار وهيمن، كما تمدّد إلى اليمن لينقلب على الشعب ويبدأ حرباً عليه لا غاية لها سوى الترهيب، ونشر الرعب الإيراني على مرأى العالم، بهذا وغيره من ممارسات كثيرة نجح الإيرانيون بتحويل وجهة العداء العربي عن إسرائيل إليها، وهذا تماماً ما ابتغاه من زرع الملالي في قيادة إيران.

بعد كل هذا التمدّد الذي رافقه مشروع نووي خطير بأهداف عسكرية بنته إيران بصمت وصبر، بات الغرب مطالباً بضبط هذا النفوذ حماية لمصالحه، وباتت إسرائيل تخشى أن تطول الأظافر الإيرانية فتحاول استعمالها للخرمشة بغية تحقيق إهداف خاصة لا تتضمنها الاستراتيجية الغربية، تضر بإسرائيل وأمنها.

الضوء الأخضر الغربي لإيران خلال كل تلك السنوات جعلها تفكر بالمزيد من الهيمنة والقوة، فطوّرت سلاحها الصاروخي الباليستي، وأقامت مشروعاً مهماً لصناعة الطيران المسيّر، وهذا خط أحمر لا تسمح إسرائيل بتجاوزه خشية التلويح به عليها من قبل الملالي لدفعها للقبول بنفوذ أوسع في المنطقة، وهي التي طالما وأدت أي مشروع عسكري يزيد من قوة أي جار قريب أو بعيد عنها، فدمرت المشروع النووي العراقي مطلع ثمانينيات القرن الماضي دون تردد، وأتبعته بتدمير منشأة نووية صغيرة في سوريا، وتضغط باستمرار على الدول الغربية وروسيا والصين لعدم تزويد دول الشرق الأوسط بالسلاح المتطور.

أما وقد طوّرت إيران قدراتها العسكرية وحصلت على أنواع حديثة عالية التقنية، وتقترب من تصنيع القنبلة النووية، تعمل إسرائيل على إبعاد هذا السلاح عن حدودها عبر استهدافات تتكرر على ما يصل منه إلى سوريا قبل تنصيبه، وتعمل بشكل حثيث لقطع الطريق عليها لامتلاك قنبلة نووية، وتضغط على الغرب لتأييدها بضرب مفاعلاتها النووية، فهي ترى أن أي اتفاق نووي لن يمنعها عن تصنيع القنبلة، وأن ما سيعود عليها من أموال جراء رفع العقوبات سيمكّنها من زيادة فاعلية سلاحها وتمويل ميليشياتها بما يمكن أن يشكل تهدديداً محتملاً عليها.

تعترض أمريكا على الطروحات الإسرائيلة بردّ عسكري على مشروع إيران النووي وتعتقد بإمكانية ضبطه عبر اتفاق، وهو ما كادت تفعله أكثر من مرة قبل أن ترغمها إسرائيل على الامتناع عبر ضغوط هائلة بمساعدة من دول أوروبا الغربية وهذا ماحدث خلال الأيام الماضية، رغم أن هذه الدول سبق لها وأن أعلنت قناعتها باتفاق وصفته بالجيد يكاد ينجز.

تريد إسرائيل ضبطاً شاملاً لقوة إيران وتدفع لاستخدام الخيار العسكري لتحقيق ذلك، وبما أن أمريكا ومعها الغرب لا تؤيد هذا الخيار، فقد تجد نفسها مضطرة لفعل ذلك منفردة، حيث لم تنجح اغتيالاتها لعلماء إيرانيين واختراقاتها السيبرانية بوقف المشروع النووي الإيراني، وهنا يكمن جوهر خلافها مع أمريكا، التي ترى أن أي عمل عسكري كبير يحمل خطراً كبيراً لقواتها في قواعدها العسكرية الكثيرة في المنطقة ويهدد مصادر الطاقة، وقد تجد نفسها مضطرة للدخول في حرب لا تريدها ضد حليف دفعت الكثير لجعله ينمو ويكبر، وبعدما نما وكبر تدفعه لاستخدام ما أعطته ضدها.   

لا الاتفاق النووي بما هو متداول من بنوده يُرضي إسرائيل، ولا الخيار العسكري يناسب مصالح أمريكا، هنا تقف إدارة بايدن على مفترق طرق لا يجب الانتظار عليه كثيراً، فالقنبلة النووية الإيرانية تكاد تصبح جاهزة، فإما تفرض سريعاً على إيران اتفاقاً تقبله إسرائيل، أو أن تتحمل تبعات عمل عسكري إسرائيلي يمنع الوصول إلى هذه القنبلة.

 

ليفانت - عبد السلام حاج بكري

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!