الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
داعش.. تقدير الخطر
فهد الرداوي

عاد من إجازته أو فاق من سباته، من هكذا عنوان يستطيع الجميع أن يرى تلك العودة الملموسة لأخطر تنظيم عرفته البشرية، فقد نفّذ هذا التنظيم عملياتٍ عدة خلال الشهر الأول من هذا العام، أبسط ما يُقال عنها إنّها (مُحكمة)، إذ إنّه استطاع أن ينطلق بشراسة كبيرة (دون رادع)، من محور صغير في البادية السورية ذات الجغرافية العسكرية البسيطة جداً، حيث لا جبال ولا هضاب ولا أودية ولا بحيرات تعيق تقدّم الآليات العسكرية الثقيلة (إذا ما توافرت النية الحقيقة للقضاء التام عليه).


انطلق لينفّذ عملياته ويعود لمركزه دون خسائر تذكر في العدة والعتاد، كيف لا، وهو التنظيم الذي حيّر علماء الحرب والسياسة منذ نشوئه وحتى الإعلان "المرحلي" عن نهايته، والتي كان قد أعلنها الرئيس الأمريكي الأسبق، دونالد ترامب، وتبعه رئيس الوزراء العراقي الأسبق، حيدر العبادي، في العام 2017، حين أعلنوا القضاء التام على هذا التنظيم الإرهابي وإرساله إلى مزابل التاريخ، على حدّ قولهم، وبهذه العودة المفاجئة، يعود هذا التنظيم لخلط الأوراق السياسية والعسكرية مجدداً وربما لفرض مساحات نفوذٍ مختلفة تماماً عن واقع اليوم، من خلال اختلاق المعارك وتنويع الخصوم وربما استبدالهم.


داعش والأعداء الجدد:


استأنف "داعش" نشاطه، بشكل ملحوظ ومتصاعد وكبير، موسعاً لقاعدة عملياته التي تنطلق من البادية السورية إلى منطقة غرب الفرات والرقة وريف حمص، وأخيراً السويداء، حيث بات يستهدف قوات النظام الأسدي، من خلال نصب الكمائن والمباغتة بهجمات خاطفة وتفجيرات تكاد تكون بشكل يومي، مُخلّفةً قتلى وجرحى في صفوف "الأعداء الجدد" (إن جاز التعبير)، وكان أبرزها استهداف حافلة تقلُّ عناصر للفرقة الرابعة التي تتبع بشكل مباشر لماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري، في ريف دير الزور، وهو الهدف الأول من نوعه، في إشارة مهمة جداً لنوع هذا الهدف الذي بات في مرمى نيرانه وبنك أهدافه، الأمر الذي يعكس تغييراً واضحاً في استراتيجيته وطريقة عمله الجديدة إذا ما اكتملت الصورة الواقعة أو التي ربما ستكتمل في أيامها القادمة. وتوسّعت عملياته المستقبلية لتطال القوات الإيرانية والميليشيات التي تدور في فلكها والتي توالي نظام الأسد في حربه ضد الشعب السوري الثائر على ظلمه وجبروته منذ أكثر من تسعة أعوام، ليتحدّد حينها الدور المنوط له، أو الجهة الداعمة، أو النهج الذي سينتهجه في قادم أيامه، فهذا التنظيم الإرهابي كان يبحث دائماً عن نصيبه من التشويق القتالي، في مشهدٍ اختلطت به حسابات الدول وتقاطعت عنده المصالح وتشابكت الملفات وزادت غزارة الدم فيه.


الاستراتيجية الجديدة ومناطق الرعب المحتملة:  


داعش القديم الذي كان يستهدف فصائل الثورة السورية والشعب الأعزل، مُنزلاً بهم ويلات إجرامه وقتامة واقعه، معتمداً على فتاويه السطيحة وعقيدته المشكوك في أمرها، ليس هو داعش الجديد العائد من عميق سباته، فالتغيير واضح في نوعية أهدافه الجديدة الخارجة عن المألوف، والتي تكاد أن تكون ناجمة عن تفاهمات خلف كواليس المشهد (ربما تكون روسية وربما لا)، تعتمد على المصلحة المتبادلة وتستند عليها التحركات الذكية على رقعة الشطرنج العالمية سعياً للحصول على المنفعة القصوى، فالحقيقة الموضوعية لهذا التنظيم الإرهابي شيءٌ لا وجود له، ولا خيار أمامه إلا أن يتحوّل إلى "شركة مساهمة" تتلقّى العروض وتُقدّم الخدمات، فثابتهُ الاستراتيجي "متحرّك" (أي هذا التنظيم)، و"متحرّكه" برسم العرض والطلب، وربما يكون قد خضع للتغيير التحويلي الذي من شأنه أن يزيل بعض الأطراف من معادلة القوة والنفوذ في المنطقة، والذهاب إلى مناطق رعبٍ جديدة ذاتُ مواصفاتٍ خاصة لإقحامها في مستنقع الدم والاستنزاف الذي يُغرق المنطقة منذ نحو عقدٍ من الزمن. جميع المؤشرات تقول إنَّ (لبنان) أو حدوده، قد يكون ضمن دائرة الاحتمالات، لما يتوافر فيه من ظروفٍ اقتصادية متردّية وجغرافية جبلية صعبة جداً، يرى من خلالها هذا التنظيم الإرهابي تناسبية جيدة لمرتعه الجديد.


فهد الرداوي


ليفانت -  فهد الرداوي


 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!