-
سوريا والمجال الأمني الأمريكي2-2
كان الاتحاد السوفييتي نموذجاً أيديولوجياً من زاوية تأسيسه على العداء للإمبريالية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث انتقل العداء لأمريكا إلى المرتبة الأِولى في التصنيف بعد الحرب العالمية الثانية وانتصارهما كحليفين، في هزيمة ألمانيا 1945. سوريا
رغم هذا العداء، بقيت بعض الملفات بين العدوين اللدودين، مكان تفاهم مباشر أو غير مباشر، ووفقاً لموازين القوى بين الطرفين في هذه المنطقة أو تلك.
سوريا بعد عام 1967، كانت إحدى هذه الملفات التي مثّلت اختباراً لهذا التفاهم غير المباشر وأحياناً المباشر، حسب القضية المطروحة. مثلاً اتفاقيات الفصل على جبهة الجولان 1974 كانت بوسيط أمريكي وأشرف هنري كيسنجر شخصياً عليها، وكلنا يذكر زيارة نيكسون لدمشق بعدها "عند توقيع اتفاق فصل القوات أراد الرئيس نيكسون أن يستغلّ المبادرة والدور الأمريكي، فقرر زيارة سوريا والمنطقة العربية برفقة وزير الخارجية هنري كيسنجر، بتاريخ 15/ 6/ 1974، وارتأى الرئيس الأسد أن يعطي للاستقبال معنى سياسياً وشعبياً، فأمر بأن تشارك شبيبة الثورة وبعض الفعاليات العمالية والحرفية مع جمهور من المواطنين في الاستقبال. هذه "الوساطة الأمريكية" أخذت بعين الاعتبار مصالح إسرائيل ونظام الأسد، دون أي أفق في إعادة الجولان المحتلّ، كما حدث على جبهة سيناء عبر اتفاق كامب ديفيد 1978، أو وادي عربة لاحقاً 26 أكتوبر 1994. سوريا
هذه الحالة التي أنتجت وضعاً استثنائياً خارج القانون الدولي برعاية أمريكية وموافقة سوفييتية محكومة بميزان قوى بين العملاقين. هذا الوضع لم تقرّه الأمم المتّحدة ولا مجلس الأمن، لأنّه لم يطرح هناك. وضعية "اللاحرب واللاسلم" مع بقاء الجولان إسرائيلياً منذ عام 1967، حيث كان يتولّى الأسد التصحيحي الانقلابي وزارة الدفاع في حكومة ما يعرف بالشباطيين، رغم وجود قرارات أممية بذلك 242 و338، والقاضية بانسحاب إسرائيل إلى حدود عام 1967. تجاوز الوسيط الأمريكي هذين القرارين مع الأسد، كما تجاوزهما الروس في تفاهم مباشر.
على إثر انتهاء هذه الاتفاقيات، عقد مؤتمر الرياض 1975 الذي تم منح الأسد بموجبه احتلال لبنان، بموافقة أمريكية إسرائيلية مسبقة، جاء مؤتمر الرياض ليغطيه غطاء عربياً أرادته أمريكا لاحتلال لبنان، الضامن لوضعية النظام ومصالحه في هذا الوضع الشاذ الذي صنعه كيسنجر مع الأسد خارج إطار القانون الدولي وبشراكة إسرائيليّة. هذا الوضع الشاذ ضمن صفقة شرعيّة الأسد أمريكياً وأوروبياً وسوفييتاً، رغم أنّ السوفييت كما يقول المثل "طلعوا من المولد بلا حمص".
الشيء بالشيء يذكر، أنّ السوفييت هم من أجبروا الحزب الشيوعي السوري بزعامة خالد بكداش بالانضمام لجبهة الأسد التقدمية 1971، باعتباره نظاماً تقدمياً وفق الرفاق السوفييت، الذين أبدعوا في إطلاق مصطلحات أيديولوجية على هذا النظام، مرة نظام تقدمي، ومرة نظام تحول اشتراكي، ومرة تقدم اجتماعي وتطور لا رأسمالي. مع ذلك عملياً هم كانوا خارج اللعبة بالنسبة للأسد بالمعنى العملي، لأنّ له عين على واشنطن وأخرى على تل أبيب.
كانت المساعدات العينية من دول الخليج والسوفييت والسيادة لأمريكا وإسرائيل. من باب الطرفة أنّ حافظ الأسد امتنع عن التصويت لصالح السوفييت في الأمم المتحدة، كما سهل مع بعض الدول وصول ما عرف بالمجاهدين العرب إلى أفغانستان ضد السوفييت، هو من المفترض أنّه حليفهم، حليف للسوفييت، نعم، لكن مصلحة بقاء الأسد مع أمريكا وإسرائيل. حالة اللاحرب واللاسلم بين الأسد وإسرائيل الشاذة هذه، هي التي رسّخت سوريا بوصفها ضمن المجال الأمني الأمريكي. الآن الروس الذين لا يتعلمون أبداً، يعيدون نفس إسطوانة السوفييت، في دعم الأسد الابن وقتل الشعب السوري لصالحه. وأيضاً سيخرجون أمريكيا "من المولد بلا حمص". أو أقلّه يستنقعون في وضع دولة فاشلة بائسة بسلطة فاشية زبائنية. سوريا
ماذا استفاد السوفييت من دخول الأسد إلى لبنان مثلاً؟ 1982 أنهت إسرائيل وجود السوفييت في لبنان، أو أقلّه أخرجتهم من المعادلة هناك عندما اجتاحت لبنان في ذلك العام، بينما أبقت على الأسد ودعمت بشكل غير مباشر دخول إيران الملالي إلى الملف اللبناني عبر حزب الله والأسد معاً. كلّنا يعلم أنّ مقتل المارينز الأمريكي في التفجير هي تفجيرات بشاحنتين مفخختين، استهدفتا مبنيين للقوات الأميركية والفرنسية في بيروت، وأودى بحياة 299 جندياً أمريكياً وفرنسياً، في 23 من أكتوبر عام 1983. الأمريكيون والإسرائيليون يعرفون أنّ إيران والأسد عبر حزب الله والجهاد الإسلامي، هما وراء التفجير. ماذا فعلت أمريكا وفرنسا انسحبتا من لبنان وتركاه للأسد وإيران. سوريا
هذا يشير أيضاً إلى أنّ هنالك خلافات تحدث بين إسرائيل وأمريكا أو إسرائيل وحلفائها الغربيين، قبل انضمام موسكو لهذا الحلف، لكن المتّفق عليه هو عنوان عريض إبقاء النظم الفاشية سيدة، في ظلّ نظام إقليمي مسيطر عليه أمنياً فقط، مهما قتل من شعوب المنطقة. الأسدية هي ابنة مدللة لهذا النظام الإقليمي الذي أسّسه كيسنجر.
نستطيع القول بلا مبالغة، إنّ هذا الرسوخ الأسدي هو بداية ظهور "سوريا الأسد" للنور عملياً، ثم لاحقاً كشعار وكمنهج عمل أسدي، بالنسبة لأمريكا وإدارات أوروبا، لقد طوبوا سوريا أسدياً.
هذا خلفية المشهد لسوريا المدولنة أمريكياً، وستبقى دولنتها هذه في إطار المجال الأمني الأمريكي، لن يغير ذلك إلا حدثاً خارقاً للأسف، أو انتفاضة لشعبنا المنهك بالداخل، يقلب الطاولة على الجميع وهذا مستبعد ويبقى أمنية. سوريا
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!