-
شايب عايب في علم النفس.. بلغ من العمر عتيا
عَنْ أبي هُريرةَ - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعذرَ اللهُ إلى امرئ أخَّر أجلَه حتى بلغَ ستِّين سنةً» رواه البخاري.، وهنا قال العلماء فيما معناه: لم يتركْ له عذرًا إذ أمهله هذه المدةَ. يُقالُ: أعْذرَ الرَّجلُ: إذا بلغَ الغايةَ في العُذرِ، فأكثر الرجال والنساء إذا بلغوا الستين عاماً -وللضمير هنا للجمع- تثقل حصاته، وينضج عُمره ويكبُر عقله وفكره، وتُحسن سلوكياته وعاداته وتصرفاته أغلبها صدقاً، ويعود لربه تائباً لما اقترفهُ شبابه، نادماً هائماً في برية ربه طمعاً للمغفرة ورجاء الرحمة، إن كان لم يتب بعد، لاسيما بعد أن رأي في حياته رُسل ربه لدنو الأجل والموت الوشيك من دنيا فانية – أغلبنا لم يحسب لها حساب في عدة رسائل كسقوط أسنانه وظهور تجاعيده على جبهته وبياض شعره -وأغلبنا يسقط- وضعف عظامه، وقلة حركته، وغير ذلك من تفاصيل داله على دنو السفر للأخرة بلا رجعة حيثُ لا ينفع الندم.. وقد صدق شعرنا الشعبي في تصويره لصبوة الشباب في قصيدة شاعر الغزل (محسن الهزاني) -غفر الله لنا وله-. دع لذيذ الكرى وانتبه ثم صل ** واستقم في الدجا وابتهل ثم قلْ.
وعكس ما سبق نجد بعض الرجال -وهم ولله الحمد قلة- إذا بلغ من العُمر عتيا سقط في بئر (الهبل)!.. وعاد إلى مهرولاً منكباً على وجهه للمراهقة صبياً يحتقره الناس في كثير من مواقفه!.. فيرونهُ مُتصابياً مُتغابياً عن كبر سنه، محاولاً أخذ ما ليس من حقه في زمن فانية، هو زمن غيره.. وكأنه يركب حماراً من الحماقة، في مواجهة زمان أشد منهُ، منافساً سفهاء الأرض أمثاله، بسلوكيات غريبة الأطوار لم يعهدها ولم يفعلها من قبل، وهذا ما يُسَمَّى: (المراهقة المتأخرة) خاصة الرجال ليهم تأتي بأمرين: (الأول) وهو أنه في سن المراهقة الطبيعي لما يكفى نفسه للمعايشة منها سواء عن طريق الأهل أو الأسرة والبيئة المحيطة بشكل عام.. (الثانية) أنه مر عن منتصف العقد الثالث وفقد فيه الشعور بالرغبة اتجاه الجنس الآخر أى أن الجنس الآخر، لا يرغب فيه، حينها تأتي المراهقة المتأخرة أيضا لملئ هذا الفراغ، ولكنه يأتي بشكل عشوائي لا يليق أبدا بسنه، وهُنا يحضرني حالة مرت علىّ قائلةً: "قابلت رجلاً من تلك النوعيات المقرفة، في مُقابلة عمل معتقدة أنه رجلاً ناضجاً، والغريب أنه رجل علم لم يحترم ما أعطاه الله من خير العلم، وكأنه لم ينشأ في بيئة محافظة ضارباً بكافة تقاليدها عرض الحائط، فهو عار على مجتمعه، إذ رأي المقابلة وكأنها تسليه لأهوائه المتصابية، وبدت عليه النظرات البهيمية في الكلام وخلافه، ليسقط قناع الشيب في هيئة انحلال وانحراف أخلاقي، لولا مغادرتي للمكان بنظرة الشفقة والاحتقار، ليتجمد مكانه بين الناس في المكان العام، متمنياً أن يقبض إبليس روحه وتبتلعه الأرض من الخجل، وبالطبع لا يتعلم من تكرار مثل تلك المواقف فهو مريض". وهُنا يحضرني مأثور شعبي عنوانهُ: (شايب عايب)! لحميدان الشويعر: شايب عايب ما يزكِّي الحلال ** لو يجي صايم العشر ما فطّره!
وبالتالي ينطبق على تلك الفئة من الشياب العجزة للعقل المثل الشعبي: (احفظوهم عند البلوغ والصلوع!)، ليؤكد لنفسه والآخرين أنه مازال صغيراً ومرغوباً فيه... ويقول أبو العلاء المعري:
- وكم شيوخ غدوا بيضاً مفارقهم يسبحون وباتوا في الخنا سبحا
- فلو تعقل الأرض ودت أنها صفرت منهم فلم ير فيها ناظرٌ شبحا
- فإن قدرت فلا تفعل سوی حَسَنٍ بين الأنام، وجانب كل ما قَبُحا
إنه لا يتعظ، بل يواصل سفاهته دون حرج متكرر من المواقف التي يضع شيبته فيها، بتصرفات مخجلة وملابس صبيانية يرتديها وهي غير لائقة، بفُتِن الدنيا وبالنساء، وفي أعماق نفسه الحرمان الزائد في التربية والمراهقة المتأخرة وكأنهُ في حالة من الهوس، فالعرب والإسلام يحرمان الفساد.. ويجرمان الأشيمط الفاسد، كما جاء في حديث المصطفي -صلى الله عليه وسلم- أن (الأشيمط الزاني) لا يدخل الجنة، وهنا يمكننا وصف الرجل في هذه المرحلة بعبارة «جهلة الأربعين أو الخمسين»، فعند الانتقال متعرّض لصدمة حقيقية ترتبط بالهوية الفردية التي تعود لمرحلة المراهقة ومجتمعه، كما أن العقلاء يكرهون التصابي في الرجال والنساء.. وهُم مضحكة للناس والوجوه والنفوس من حولهم.. ولكن الرجل المتصابي أشد سوءاً لأن المرأة مربوطة بحيائها وعادات مجتمعها الأكثر قيوداً حولها.. وأخيراً: فقد قال أبو سعيد الرستمي:
قبيحٌ بذي الشيب أن يطربا فما للمشيب وما للصَّبا؟!
أمن بعد خمسين ضاعت سُدى وأودى بها اللهو أيدي سَبَا
تشيم بروق الدمی دائماً وقد شامت العارض الأشيبا
وأقبح بذي عارض أشيب إذا قابل العارض الأشنبا
وأهلك والليل بادر به فقد كادت الشمس أن تغربا.
ليفانت: د. أميرة حبارير
قد تحب أيضا
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!