الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
شيء عن الحب ومثالب أهله
ماجد ع محمد

بخلاف مَن سيتحدث بكل مشاعره الجياشة عن عيد العشاق هذا اليوم، سأتناول الموضوع من جانب آخر ليس من باب اختلاق الاختلاف لا سمح الله، إنما لئلا تصب كل الكتابات في خانة واحدة، لذا فبخلاف الذين يتقلصون كالبزاق المذرور بالملح كلما مكثوا لابدين في حضرة أنثى جميلة، وبخلاف من يذوبون كالثلج أمام حرارة الشهوة، تدرجت السنين بي وأنا أتحسس من التصرفات الجنونية للكثير من العشاق، فأستصغرهم على ما يصدر عنهم من غرائب السلوكيات، وقد زاد من ذلك التحسس سماعي وقراءتي عن الصراعات الدموية بين القبائل أو العوائل الكبيرة بسبب نزوةٍ ما لعاشقٍ أخرق.




 وما زاد من تململي ورسّخ تكهربي من ذلك الحب الجنوني ما أورده المفكر السوري الراحل صادق جلال العظم في كتابه المخصص عن الشعراء العذريين وأكاذيبهم ومجونهم ولا مبالاتهم وغياب الإحساس بأي شيء خارج مضمار الذات لديهم، كما أنه قديماً ومن باب التظريفِ والتخفيفِ من وطأة الفعلِ سموا تصرفات الأخرق المحب، بجنون الحب، ولكن مع نظرة تسامح لتصرفاته وربما الحسد من الذي وقع فيه، بينما عملياً نرى بأن الحب الذي لا يجلب غير الأذى والضرر والصراعات الدامية والبلاء هو طيشٌ أقرب إلى ممارسات الأوباش من الجنون المحبب، وبإمكانكم العودة الى سيرة باريس كأشهر عاشق مدمّر في التاريخ، عموماً فمع كل حرصي لئلا أصاب بأي شيء من هوس ما أصابهم، إلا أني لم أدرِ يوماً إلا وأنا واقعٌ على غفلة من سلطان العقل والمنطق في بركةٍ ملأى بقار العاطفة!




ومن الناحية الشخصية فلا أعرف إن كان الصراع الدموي في البلاد أم علة شخصية ما فيما يخص العواطف تجلعني من فرط برودة وحيادية مشاعري وأحاسيسي تجاه النصف المفترض، أبدو شبيهاً بإحدى الشخصيات القصصية في مجموعة العظاءة للكاتبة اليابانية بنانا يوشيموتو، خاصة في قصتها التي توضح الملامح الشخصية لمريضة تعاني من حالة التوحد؛ ومع أني كرجل لا أبدو لي ولا للمحيطين بي جلف الطبعِ، أو غليظَ القلبِ، أو صلدَ الفؤاد، كما قد يُخال لمعظم من لا يعرفني إلا من خلال المقروءات .





ولكني حقيقة نادراً ما أسكبُ كلمة أحبكِ في أسماع أنثى غريبة عني، لا من باب البُخل في البوح بالعواطف والمشاعر، ولا لأني أناهض العشق والغرام كما قد يتصور مَن لم يعرف العشق إلا في التلويح والمجاهرة، وليس لأن كلمة الحب غريبة عن قاموس حياتي، وليس لأني أحمّل الكلمة أكثر مما تحتمل، إنما من حرصي على ألا أُتهم يوماً بأني بحتُ بحبي لإحداهن ومن ثم تراجعت، أو خالفتُ بوعدي معها، أو أُعرف كشخصٍ يعبث بمشاعر النساء والفتيات، ولئلا تعتقد الأنثى بأن كلمة الحب التي أنطقها هي مجرد كلمة تجارية عابرة، كما هي العادة لدى الذكور الذين تختلط لديهم مشاعر الحبِ بالحاجات الغريزية الصرفة.




على كل حال لا أدعي بأني على حق عندما قلتُ في مناسبة ما أو مكانٍ ما، بأن الرجل الذي يعيش في أحلك الظروف السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وتحيط به عشرات الإشكاليات في المجتمع الذي يعيش فيه، وفوق ذلك كله لا قصة ولا موضوع على لسانه ليل نهار غير العشق ولوازمه، هو حقيقةً إن كان متزوجاً يُعبر عن نقصِ هواء الغرام في حياته، ويعبّر عن عدم سعادته مع شريكة حياته، ولكنه يُخفي جفاءه تحت اسم شاعرية الكلمة.




ولأن استخدامات كلمة الحب والعشق بين الكثير من الذكور والإناث، عملياً لا تختلف عن الأتيكيت أو اللاصقة التي ترافق مختلف البضائع التجارية أو الصناعية أو السياحية، ويبقى الذي يميّز الحب الصرف عن اللاصقة التجارية الموضوعة على الملابس أو  أي نوع من الأمتعة الشخصية هي فقط المعايشة الحياتية، وذلك كما تظهر البضائع عند الاستعمال فتبان الثمينة من البخسة والرديئة منها بعد التجريب والممارسة، لذا ثمة رأيٌ لا بد من المجاهرة به ألا وهو أن الرجل الذي ينطلق نحو المرأة (النساء عموماً) من منصة شهوانية واحدة هو ليس برجل سوي يقوده سلطان العقل، إنما هو أشبه ببهيم جنسي معدَّل .





أما كيف تم تعديله فهذا يقع على عاتق فهم وحذاقة ومنظار القراء الذين تعثروا في دروب الحياة بهكذا نماذج إنسحيوانية، لأنه حتى البهائم لديها فترات طويلة لاستراحة الفحولة الجسدية، أما تلك النماذج السلبية التي نتحدث عنها فكل فراغات الكون يودون تعبئتها بهوس الغريزة الجنسية، ونرى بأن واحدهم ليس سوى وارث لطباع من فارقونا بمئات السنين، ولم ينفصل أحد هؤلاء عن أسلافه الأوائل الذين كانوا جزء من العالم البهيمي فيما يتعلق بمسائل الاتصال الفيزيقي قبل تمدن القطيع البشري، كائن نستطيع القول بأن له أسبقية الإضافة في العصر الحديث، بما أنه استطاع وبجدارة أن يضيف إلى عالم الحيوان شبقه الإنساني؛ وفي الأخير ومن باب التذكير نقول بأن من مساوئ عيد الحب عندنا، تباهي المرأة بهدايا الحبيب أو الخطيب أو الزوج، حيث تكون الهدية عندها فقط حجة قوية للمباهاة ومجاكرة قريناتها.





ماجد ع محمد - كاتب سوري

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!