-
عملية منتصف الليل
يوماً بعد يوم يتكشّف الواقع المأساوي للشعب السوري وتتكشّف معه عمق الأزمة التي تحيط بالإنسان السوري بسبب النظام السوري المجرم والمعارضة السورية التي تعتبر مع هذا النظام وجهين لعملة واحدة في كل شيء.
لا تختلف هذه المعارضة بأساليبها وفسادها وتبعيتها عن النظام السوري، وجاءت عملية التحالف باستهداف أمير داعش، المدعو عبد الله قرداش أبو إبراهيم القرشي، لتؤكد غباء هذه المعارضة التي جعلت من مناطقها، كما النظام السوري، بؤرة لأحد أشكال إرهاب العالمي والتطرف، الذي بمنظور المجتمع الدولي ومؤسساته يهدد السلم والأمن الدوليين.
منذ بداية الثورة السورية، وفي أشهرها الأولى، وباستخدام النظام السوري لقواته العسكرية لوأد انتفاضة الشعب السوري والجرائم التي ارتكبها وإطلاقه لقطعان المجرمين من السجون لإنهاء هذه الثورة واستحضاره لكل مجرمي إيران وأذرعها لقمع هذه الثورة، رافق كل ذلك محاولة هذا النظام وسم هذه الثورة بالإرهاب لاستجداء الرأي العام الدولي ليبقى صامتاً عن جرائمه، وسانده بشكل كبير في هذا تلك المعارضة التي تسلطت على الشعب السوري وادّعت تمثيله، فأحد ممثلي مؤسسات المعارضة، ومنذ ٧ سنوات، يقول إن جبهة النصرة ليست قوة إرهابية، فهذه التنظيمات التي وجدت في بعض مناطق المعارضة ملاذاً لتفريخ الإرهاب، كل هذا أتى خدمة للنظام السوري لتبرير جرائمه.
لكل دولة أولويات في مصالحها وللمجتمع الدولي ومؤسساته أولويات في برامجه، ومن أهم أولوياته مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وصنوفه وأنواعه، وهذا ما حدا بالنظام السوري منذ بداية الحراك السلمي في سوريا ضد استبداده، لاتهام هذا الحراك بأنّه إرهابي، وأطلق لدعم هذا وحوشاً تم تدجينهم لسنوات في صيدنايا ليكمل روايته ولتحظى بشيء من الصدق، وأتت المعارضة السورية لتحتضن ولو بشكل غير مباشر عدداً من التنظيمات والشخصيات المتطرّفة التي عانت منها الثورة السورية، وعانى منها الشعب السوري، وشكّلت هاجساً لدى المجتمع الدولي وعدم قيامه بتقديم الدعم الكافي للشعب السوري لإنهاء دكتاتورية النظام الأسدي.
وليس مستغرباً أن يقوم النظام السوري باستغلال هذا المشهد لتقديم نفسه للرأي العام الدولي على أن من يواجههم هم إرهابيون ومحسوبون على تنظيمات إرهابية، وهذا بالتأكيد أحد العوامل التي قللت من فاعلية تعامل الرأي العام الدولي مع القضية السورية وعدم تشكيل الضغط الإنساني الذي عادة ما يكون أحد عوامل الدفع لحكومات الدول الفاعلة من أجل المساهمة في كبح هذا النظام وأذرعه، وبالتأكيد يتحمل الغباء والجهل المفرط الذي تتمتع به المعارضة السورية الوزر الأكبر في عدم تشكيل هذا الدفع أو التفاعل الإنساني في مجتمعات الدول الفاعلة بسبب تغاضي هذه المعارضة عن وجود جماعات إرهابية راديكالية في مناطق تقول المعارضة السورية الرسمية إنها تابعه لها.
ولم يكن ليمضي العام على مقتل البغدادي بعملية للتحالف الدولي، حتى يأتي موعد آخر لعملية قتل خليفته في منطقة جغرافية واحدة أصبحت بفعل غباء المعارضة السياسية وفسادها وتبعيتها وكراً لمثل هذه الأشكال من قادة العنف الإرهابي، وهذا ما جعل حلفاء النظام من روس وإيرانيين يبررون للمجتمع الدولي جرائم القصف والتدمير وجرائم الإبادة الجماعية في إدلب وريفها بحجة وجود هذه الجماعات المتطرّفة.
وقد يتساءل البعض أو يخطر لهم عن قيام التحالف باستهداف قادة الإرهاب الداعشي مع وجود أذرع أخرى للإرهاب الدولي المتطرّف في سوريا، المتمثّل بالحرس الثوري الإيراني وأذرعه الداعمة للنظام السوري، كحزب الله وغيره من مليشيات طائفية. بالتأكيد إن أولية التعامل مع هذه التنظيمات، على خلاف منبتها ونشأتها، فإنها تسقى من ماء واحد، وهو مفهوم تسيس الدين لخدمة الأغراض والمشاريع الهدّامة، كالمشروع الإيراني الفارسي، فالدعم الذي تتلقاه داعش والنصرة وحزب الله والحوثي والحشد الشيعي وحماس وغيرهم، هو ذو طبيعة ومنبع واحد ولخدمة هدف واحد، هو مشروع إيران الهدّام في المنطقة.
داعش هي وليدة المشروع الإيراني، كالنصرة وحزب الله اللبناني وغيرها، والخلاف الظاهري بين هذه الأذرع هو خلاف زعماء العصابات فقط، أما الهدف فهو تدمير أي بنية مجتمعية وتدمير المنطقة العربية ذات الطابع الإسلامي المعتدل وتحويلها لمستنقع تسبح فيه الآفات والأوبئة الناجمة عن المشروع الإيراني الذي يستهدف حاضر المنطقة ومستقبلها، وأولوية المجتمع الدولي للتعامل مع هذه الأخطار، كداعش وأخواتها والحرس الثوري وأذرعه وإيران وأدواتها القذرة من حكومات، كالأسد والحوثي وغيرهم، مقرونة بعمق التفاهمات الدولية والإقليمية في المنطقة، وطبيعة المصالح الدولية لترتيب التخلص من هذه الأخطار، فداعش لا تقلّ خطراً وإرهاباً عن حزب الله اللبناني وحوثي اليمن، ولا يقل الأسد إجراماً عن النظام الإيراني، وترتيب التخلص منها متروك لقرارات ومصالح الدول الفاعلة.
ومما سبق، يبدو واضحاً بشكل لا لبس فيه، أن المعارضة السورية التي تدّعي تمثيل الشعب السوري وثورته لم تكن إلا وجهاً مشابهاً للوجه القبيح للنظام السوري، ولم تكن أساليبها ومنهجها في العمل المعارض إلا خدمة للنظام لتكريس بقائه وإعطاء المبررات للمجتمع الدولي بتعاطيه غير الفاعل مع إجرام هذا النظام، فتواجد التنظيمات الإرهابية وشخصيات إرهابية في مناطق توصف بأنها تحت سيطرة المعارضة، مضافاً لذلك انخراط تلك المعارضة في مسائل ومفاوضات ومسارات خارج القرار ٢٢٥٤، ما عزز وسائل النظام وحلفائه لتمييع تنفيذ هذا القرار مستندين في هذا بالدرجة الأولى على تصرفات المعارضة السورية غير المسؤولة وتقديمها عبر إعلامهم للمجتمع الدولي بوجه يثير سخط ونقمة المجتمع الدولي، وإعادة تقديم الأسد للمجتمع الدولي بعد كل هذه الجرائم على أنه الخيار الأقل سوءاً، مقارنة بالمعارضة السورية.
بالتأكيد فإن المجتمع الدولي يدرك تماماً وليس بحاجة للروس أو غيرهم لشرح هذا، فالأسد ونظامه لن يستمرا على المدى القصير، ومعارضته البائسة التي شاركته نصيباً في الفساد والإجرام ستزول بزواله، ووجود الأسد هو ضروري لوجود الإرهاب، وقطع دابر الإرهاب هو بداية الطريق لإنهاء هذا النظام.
ليفانت - عبد العزيز مطر
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!