الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
في الصف الأخير.. هناك تلميذ مختلف
مشعل أبا الودع الحربي

في هذا الزمان الذي أصبح فيه الطفل المجتهد يتلقّى أفضل التشجيعات، وفي المقابل يترك الطفل الضعيف في الهامش، في هذا أصبح يؤخذ بأيادي الناجحين، في حين يتلقّى المتأخرون في دراستهم أشدّ أنواع السبّ والقذف. في هذا الزمان، حيث نوجد الآن، بجّلوا المتفوّق وحقروا المتعثّر وتركوه يتعذّب في ظلماته، ظنّاً منه أنّه لا يستحق.


تتوزّع الصفوف على حسب تقييم بعيد عن الموضوعية التامة، طاولات تتشابه، عليها دفاتر وكتب مفتوحة على آخرها، لكن التلاميذ الجالسين عليها لا صلة بينهم ولا شيء يوحدهم، في الصفوف الأولى يجلس طفل اختار مكانه بعناية منذ أول فصل له، ويمضي السنة بأكملها في نفس المكان بشغف ورغبة جامحة في التعلم، أمر يروق لكل أساتذته ويجعله محل انتباه جميع التلاميذ.


في الضفة الأخرى من القسم، يجلس طفل حكم عليه بالبقاء منزوياً في الخلف، لأنّه متأخر في التعلم وكثير الحركة ولا يستطيع التركيز، يأتي إلى القسم مطأطئاً رأسه ويجد نفسه أمام خيار وحيد، وهو التوجه إلى الخلف والتقوقع على نفسه أمام ورقات دفتر تلمحه بسخرية.


تختلف درجات الاستيعاب عند الأطفال وتتعدّد المعيقات التي تحول بينهم وبين تفوقهم، ومهما كان مستوى الطفل في التعلم، فذلك لا يمتّ بصلة لمستوى ذكائه.. مجموعة من الدراسات توصلت إلى أنّ أغلب المتعثرين هم في الحقيقة أطفال منفردون وبذكاء من نوع خاص، ومنهم من يحتاج فقط إلى طرق متقدمة لشد انتباههم والرفع من مستوى تركيزهم، لأنّهم يتمتعون بخيال واسع لذا يلزمهم أسلوب خاص في إلقاء الدروس.


نخلص هنا إلى أنّ الطفل المتعثّر في دراسته هو ضحية لمنظومة تعليمية تجهل ببعض الأسباب، وللأسف قد تؤدي هذه الأخيرة إلى نفور الطفل من المدرسة، أو قد تصبح هذه الأخيرة فضاء يعذبه ويحدّ من إبداعه ويلصق برأسه فكرة أنّه لا يستطيع وأنّه ينقصه الكثير ليصل إلى مستوى تطلع المجتمع التعليمي والأسرة الصغيرة كذلك.


ويكون محظوظاً ذلك الطفل المتعثر، إذا شاء وقرّر أن ينهض من سباته بعد مرور سنوات من الركود النفسي والاجتماعي، ما يجعل شعلته تلمع من جديد ويرمم ثقته بنفسه ويداوي الجراح التي سببتها له المدرسة بكل عناصرها، من مدرسين وأطفال متنمرين.. كان مختلفاً فكلفه ذلك حرباً مع نفسه لسنوات.


أقول هنا، كفانا تشجيعاً فقط لمن لا يحتاج لتشجيعاتنا من الأساس، ولننهض بأصحاب الصفوف الأخيرة، فهؤلاء هم أكثر حاجة لذلك.. والسلام.


ليفانت – مشعل أبا الودع الحربي

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!