الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • كيف أدارت «أمريكا الأوبامية» الصراع في سوريا؟.

كيف أدارت «أمريكا الأوبامية» الصراع في سوريا؟.
عبد الناصر الحسين

لكي نفهم المشهد العالمي العام المحيط بالحدث السوري، لا بد من محاولة إدراك برامج اللاعبين السياسيين الأكثر تأثيراً على القضية السورية وهم: «أمريكا وإيران وإسرائيل وروسيا ودول الخليج العربي» إضافة إلى أطراف الحدث: «الثورة والنظام».


لا شكّ أنّ أمريكا هي اللاعب الأبرز في الحدث السوري، وقد بلورت «إدارة أوباما» محددات سياستها المعلنة تجاه سورية، في بواكير الثورة السورية، بجملة من النقاط وهي:


إنّ نظام الأسد فاقداً للشرعية، وعليه أن يرحل، وهو جزء من الماضي، ولن يكون جزءاً من أي تسوية مستقبلية في سوريا، وأنّ أمريكا تعتبر نفسها أحد أركان مجموعة «أصدقاء الشعب السوري»، وأنّها تقرّ بحق الشعب السوري بالحرية وتقرير المصير، وتعترف بالمعارضة السورية كممثل للشعب السوري، وتدعم المعارضة المسلحة المعتدلة.


لكن بالمقابل، لا ترى أمريكا أنّها الوحيدة في العالم المطلوب منها «حل كل مشاكل العالم»، وعليه فإنّ أمريكا تبنّت موقف «ألّا حلّاً عسكرياً في سوريا، والحل الوحيد هو الحل السياسي». منحازة -إلى حدّ ما- إلى «الربيع السوري»، لكن شريطة أن يفرز هذا الربيع بدائل ديمقراطية تؤمن بالشراكة مع الغرب، ولا تدعم التطرّف والإرهاب. 




هذا هو المعلن في السياسة الأمريكية، وهو دقيق إلى حدّ كبير، وقد حاولت أمريكا أن تحلّ القضية السورية عبر آليات مختلفة أهمها: استصدار قرار من «مجلس الأمن الدولي» تحت الفصل السابع، يجرِّم النظام ويشطبه من المشهد، لكنه اصطدم في كل مرة بالفيتو الروسي والصيني. كما طرحت فكرة توجيه ضربات عسكرية لمفاصل النظام، عقب استخدامه للسلاح الكيماوي ضد المدنيين في «الغوطة الشرقية»، لكن النظام أنقذ نفسه بتسليم مخزونه من السلاح الفتاك. ومنها محاولة التوافق مع روسيا على جمع النظام والمعارضة في «مؤتمر جنيف2» لإنتاج حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، يترك لأطراف النزاع حسم قضية بقاء الأسد من عدمه، لكن الحلّ اصطدم بتعنت النظام وإفشاله للحل، كما عملت أمريكا على تأهيل المعارضة لتكون بديلاً معادلاً للنظام قادراً على التوحد وضبط فوضى السلاح، وتقديم رؤية سياسية عن شكل مستقبل سوريا، تتضمن تطمينات برفض وجود ما يهدد الأمن القومي للدول، وعدم تسخين جبهة الجولان، ومنع وقوع السلاح المحظور بأيدي متطرفين، وتطمينات بضمان السلم الأهلي والعدالة الانتقالية، لكن المعارضة -بكل أشكالها- لم تلتقط الإشارات الأمريكية، وعجزت أن تكون على قدر المسؤولية التاريخية.




وفي الوقت ذاته، عملت الولايات المتحدة في عهد «أوباما» على إضعاف الأسد من خلال سلسلة من العقوبات المتتالية، التي تستهدف رأس النظام والحلقة المحيطة به، ممن يدير الانتهاكات والجرائم ضد المدنيين، ومن خلال عزله دولياً، لكنها وجدت أن إيران تقف بقوّة خلف النظام تدعمه بكل أدوات الصمود والبقاء والانتصار.




ووجّهت لتشكيل مجموعة «أصدقاء سورية» لمراقبة الأوضاع الإنسانيّة تحديداً ومنعها من التدهور إلى حدّ لا يطيقه الضمير العام.

إنّ أمريكا الأوبامية التي حاولت أن تظهر بمظهر الطرف الصادق في خطتها المعلنة، لم تكن متعجلة ولا جادة في تطبيق تلك الخطّة، بل كانت تعتبر كل عائق لتنفيذ خططها المعلنة ذريعة لخطط بديلة غير معلنة، وكانت تحصي على كل الأطراف المعيقين للحلول الأمريكية أخطاءهم وتجاوزاتهم، لتبني عليها «خارطة طريق» جديدة ومختلفة عن المعلن، بمعنى أنّ أمريكا -لولا العوائق- لكانت مضت في خططها لإسقاط النظام، لكن أمريكا -مع وجود العوائق- ماضية في إسقاط النظام وإسقاط العوائق معه، وعلى شكل حزمة واحدة كما يروق لأوباما أن يفعل. 


 


فقد سجلت على النظام الأسدي اقترافه لجرائم ضد الإنسانية، واستخدامه للسلاح الكيماوي، وإفشاله للمساعي الدولية، بحلّ سياسي، وسجلت على المعارضة ضعفها وتفككها وعجزها عن التوحد، وعن إيجاد حلول تمنع التطرّف أو تحدّ منه، وسجلت على روسيا إصرارها على استخدام الفيتو الذي يعيق أي خطة للحل، مخالفة الإجماع الدولي، ودعمها للنظام السوري، كما سجلت على إيران دعمها اللامحدود لنظام الأسد، ودفعها لحزب الله والميليشيات الطائفية بالتدخل في سوريا، وسجلت على بعض دول الجوار اتهامات بدعم الجماعات الإرهابية. 


 


ولقد بنت أمريكا سياسة في الظلّ، مستفيدة من كل تلك النقاط، وأبرز ملامحها: استنزاف القوى المناوئة للغرب مثل: «روسيا– إيران– الصين»، وإدارة الصراع بحيث لا يكون ثمة قوي ولا منتصر، فعلى الجميع أن يكونوا ضعفاء ومغلوبين، وحذف كل أشكال المخاطر المقلقة للأمن القومي لأمريكا، كالسلاح النووي والكيماوي والإرهاب، وتشكيل إجماع دولي يصطف مع الأمريكان لمحاربة الإرهاب، والأهم من كل ذلك ضمان أمن إسرائيل.


وتمضي أمريكا في خططها على طريقة إدارة الأزمة، واقتناص الفرص، وحصاد النتائج، وجني الأرباح، وهي تسعى إلى تفكيك التحالف الإيران


ي الروسي، وقطع رأس الإرهاب، وتغيير النظام، ومحاكمته، وجعل الدول المحيطة بإسرائيل ضعيفة وادعة منزوعة المخالب.


لكن أمريكا «الأوبامية»، تحديداً، بدت عاجزة عن إنجاز إستراتيجيتها السابقة في إدارة ملفات كلها من النوع المتفجر، والذي لا يحتمل التأجيل أو الإهمال،


وهذه الملفات ستكون سبباً في الضغط على أوباما لمراجعة إستراتيجيته، بل وتغييرها كليّاً ومن أبرز هذه الملفات:تعاظم خطر الإرهاب، ودور الإسلام السياسي، وتعملق المحور «الإيراني- الروسي- الصيني». وتزايد جرائم النظام إلى درجة لا يحتمل السكوت عليها واحتواؤها، والقلق من خسارة أمريكا لحلفائها التقليديين، وتزايد الضغط الإسرائيلي على أمريكا في الملف النووي ومنظمة حزب الله، وانهيار الاستقرار النسبي في القضية «الفلسطينية- الإسرائيلية»، والخشية من تشكل محور «الممانعة»، الذي يبدو مشاغباً في نسخته الثانية، بخلاف الأولى. 


 عبد الناصر الحسين 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!