-
ليبيا.. البحث عن استقرار مفقود
صورة لم تكتمل ملامحها بعد في ليبيا على الرغم من الاتفاقيات والمباحثات والاجتماعات التي تميزت بقوة الزخم الحاصل خلال الفترة الماضية بين أطراف النزاع، إلا أنّ كل ذلك ما زال محفوفاً بالمخاطر ويحتاج إلى تضافر عربي وإقليمي ودولي واضح المعالم.
التدخلات الخارجية في الشأن الليبي دفعت الوضع في هذا البلد المضطرب منذ ما يقارب الـ10 سنوات نحو المزيد من التأزم وفتحت المجال أمام سيناريوهات متعددة قد لا تصبُّ في مجملها بمصلحة الليبيين، ولا في مصلحة استقرار بلادهم وعودة القانون والنظام إليها، بل تتسبب بالمزيد من الإزهاق لأرواحهم، والهدر والتبديد لمقدراتهم وثرواتهم.
بوادر الحل
بوادر حل الأزمة الليبية بدأت مع "إعلان القاهرة"، والذي دعا إلى وقف إطلاق النار ورسم خريطة طريق قائمة على حل سياسي شامل لكل القوى والمكونات الليبية. الترحيب بالمبادرة جاء عربياً ودولياً حيث تم البناء على مسار القاهرة خطوات واقعية وملموسة، بدورها عادت الأمم المتحدة إلى ليبيا عبر سويسرا، بالإضافة إلى تشكيل مجلس رئاسي ليبي والاتفاق على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في كانون الأول/ ديسمبر المقبل.
كل ذلك يأتي مع وجود مطبات عديدة تواجه المجلس والحكومة ضمن محاولات كثيرة وحثيثة لتعطيل السلطة التنفيذية الجديدة عن تنفيذ مهامها، بالتزامن مع انقسام سياسي متزايد بين المكونات الليبية حيث أن تنفيذ الاستحقاقات الدستورية يحتاج إلى إرادة قوية وواضحة من جميع الأطراف الوطنية.
معطيات واقعية
المشهد في الوقت الحالي بهذا البلد الأفريقي، يحتاج وفق المعطيات على أرض الواقع للعديد من الخطوات، ولعل أبرزها: الإسراع بتفعيل مشروع المصالحة الوطنية الشاملة، والجلوس على طاولة واحدة من أجل العبور بمقدرات الدولة ومؤسساتها الوطنية، واستفادة شعبها من مواردها التي هي مطمع للعالم، فاستمرار الانقسام ستكون له تداعياته الخطيرة، إلى جانب توحيد المؤسسات الليبية، وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية التي تمثل الضمانة الرئيسية للاستقرار والأمن الليبي المفقود منذ 17 شباط / فبراير عام 2011.
ويرى مراقبون، أنّ أهمية التحرك الدولي والأممي الضاغط والفاعل لإخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب الذين يهددون اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 20 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2020، باعتبارها رسالة واضحة وقوية تدعم التحركات التي تقودها السلطة الجديدة للحفاظ على سيادة واستقلال ليبيا، وخطوة من شأنها كشف الأوراق على طاولة النقاش، يضاف إلى كل ذلك ضرورة التركيز على أهمية إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في الموعد المحدد لها "24 كانون الأول/ ديسمبر المقبل"، والدفع بقوة نحو إصدار القوانين والتشريعات اللازمة لإتمام هذا الاستحقاق الديمقراطي.
ولعل العامل الأهم بالنسبة للمواطن الليبي يتمثل بالإعمار والعودة إلى تنمية البلاد، وفتح آفاق استثمارية كبرى تربط بينها وبين العالم، وليس المنطقة العربية فقط، وأن تكون هناك مبادرات كبرى متعددة الأهداف، مثل الزيارة التي قام بها رئيس مجلس الوزراء المصري برفقة وفد وزاري كبير ضم 11 وزيراً إلى العاصمة الليبية طرابلس، إذ تضمنت الزيارة التوقيع على 11 وثيقة لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في مجالات مختلفة. ليبيا
تجاوزالأزمة
ويؤكد العديد من المتابعين للشأن الليبي، أنّ استمرار تدخل القوى الأجنبية المتمثلة في تركيا وروسيا ثم فرنسا، فتح الباب على مصراعيه لصراع دولي واسع على الأرض الليبية سيسهم بشكل كبير في استمرار تدهور الوضع هناك، عاجلاً أم آجلاً، ويغرق البلاد بمزيد من الفوضى، كما يبعد المشهد الليبي أكثر عن أفق الحل السياسي القائم الآن بجهود حثيثة ومتواصلة، ذلك أن استمرار تدفق العتاد والمقاتلين، ومواصلة التحريض والتسخين من قبل كافة الأطراف، سيقود إلى فشل سياسي يدفع نحو توسيع نطاق الصراع وامتداده إلى مواقع ومناطق أخرى ليسدَ بالتالي الطريق أمام أي جهود سياسية قائمة.
وبعيداً عن التحليلات والمقاربات المتوقعة بناء على معطيات قائمة بشكل ملموس وواقعي يتساءل الكثيرون، وفي مقدمتهم الليبيون، حول قدرة أبناء هذا البلد على تجاوز أزمتهم بعيداً عن التدخلات الخارجية، وتذليل النقاط المستعصية فيما بينهم وأن يتحدّوا وينتصروا لوطنهم خلال الفترة المقبلة عبر مقاربات ذات حسّ وطني ونسيان آلام الماضي وتدهور الأوضاع، وذلك من خلال طي صفحة الصراعات العبثية، والانطلاق نحو آفاق جديدة في بلد قادر على أن يكون من أكثر دول العالم أماناً واستقراراً ورفاهاً، ومستوى معيشياً لمواطنيه يفوق الكثير من دول العالم، وسلاماً مع جيرانه، وتفاعلاً إيجابيّاً مع قارته فهو يُعدّ من أكثر المناطق أهمية للعلاقات والاستراتيجيات الدولية والإقليمية، من النواحي الجغرافية والاقتصادية والأمنية والسياسية، ولكي تنطوي صفحة من صفحات الصراع والاضطراب والتصدّع للأمن القومي العربي، والذي يواجه قوى إقليمية ودولية عديدة تتصارع من أجل السيطرة عليه، والتحكم بالتطورات الجارية فيهِ كيفما تشاء.
وهنا يبقى السؤال الأهم: هل هناك عودة مأمولة للدولة الليبية بحيث تضم كافة المكونات والأطياف وتمتلك السيادة؟ ليبيا
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!