-
“محصولك لولادك مش للحرق”.. وفرع الحرائق
التهمت النيران لليوم ما يزيد عن خمسمائة من الدونمات من محاصيل القمح والشعير، خلال أقل من أسبوع وبشكل متواتر ويومي، في محافظة السويداء وحدها.
عشرات الحرائق حدثت في مناطق متفرّقة من أراضي المحافظة المزروعة بالحبوب، والتي يقوم الأهالي بالتصدّي لها بإمكانياتهم المتواضعة، وبمساعدة فوج الإطفاء محدود الإمكانيات والمتأخّر على الغالب بالوصول بوقت مناسب قبل تمدّد الحريق لأراضٍ واسعة، والتي يعوّل عليها فلاحي المحافظة لضمان خبز أطفالهم ومعيشتهم في ظلّ واقع مسدود الأفق معاشياً، مترافق مع تزايد جنوني في الأسعار وانهيار في سعر الصرف لليرة مقابل الدولار.
ما من أحد يستطيع أن يصدّق، أنّ هذا الكم من الحرائق التي تحدث يومياً، تحدث مصادفة وبسبب موجة الحر، فدرجات الحرارة في هذه الفترة من السنة هي دائماً عند هذه المعدلات الطبيعية، أضف إلى ذلك، أنّ أراضي القرى الأردنية المحاذية لأراضي المحافظة مزروعة أيضا بالحبوب، إذاً، لماذا لا نرى الحرائق تشتعل فيها وهي على بعد مئات الأمتار فقط لدرجة التداخل في بعض القرى الحدودية؟.
حريق المواسم الزراعيّة لا يقتصر على محافظة السويداء وحدها، فقد شملت أيضاً محافظات الجزيرة في الرقة والحسكة ودير الزور، الخزان الأساسي للحبوب في سوريا، حيث بدأت الحرائق، كما في العام الماضي، وبنفس التوقيت تقضي على محاصيل الحبوب وتحوّلها إلى رماد ودخان. فمن غير المعقول أن يكون كل هذا الإجرام يحدث بمحض الصدفة، والمنطق الذي لا يحتاج لجهد التدليل عليه أنّه لا بد أنّ هناك جهة ما، مهمتها الحفاظ على التجويع الممنهج للإنسان السوري، لأنّ المكتفي ذاتياً ومادياً هو حكما خارج عن السيطرة.
وبالتالي تبدو عملية الإفقار الممنهجة هذه حلقة في سلسلة عمل منظّم تقوم بها ذات الميليشيات، على أنواعها المنتشرة على الأرض السورية، لاستقطاب الشباب السوري في صفوفها، فالمكتفي مادياً من الشباب والرجال غير قابلين أو مضطرين للارتزاق الميلشوي والحفاظ على وجودهم ومعيشة أسرهم عبر الانخراط في صفوفها، أضف نزوعهم الذاتي للابتعاد عن حلقات الصراع القذرة والدامية هذه لتجنّب رؤية دموع وقهر وحرمان أطفالهم من أبسط مقوّمات الحياة.
هل أصبح السوري محكوم بالموت إما جوعاً أو قتلاً؟، أم ليس أمامه خيار سوى العيش مأجوراً ولكن قاتلاً وشريكاً في الجريمة؟ سؤال مصيري باتت ملامحه أوضح من ذي قبل في رسم معالم المرحلة الحالية اقتصادياً ومادياً وفرق الحرائق ممهد الطريق له.
بالعودة إلى من قد تكون الجهة أو الجهات المسؤولة عن هذا الإجرام، فببساطة المنطق والاستدلال، والذي بات يتردّد على كل لسان، أنّها نفس العصابات الممنوحة بطاقات أمنية والمرتهنة لأجندات التدخل الخارجية والعابثة بالجغرافية السورية، خاصة الإيرانية، والتي امتهنت القتل والخطف والسلب والاتجار بالمخدرات والبشر وحياتهم وأمنهم واستقرارهم، هي نفسها يمكنها تنفيذ أي عمل قذر قد يطلب منها لأنّها فقدت كل ما يمّت للإنسانيّة والكرامة الذاتية بصلة. وبالتالي نستطيع القول، إنّه أصبح لدينا فرع جديد يعمل شهر في السنة ويمهد الطريق لبقية طرق الإجرام واللعب بمصائر البشر هو فرع الحرائق يضاف لأفرع القتل تحت التعذيب والتهجير المتعمد المتعددة، التي يشغلها هذا النظام الذي بات يلفظ أنفاسه الأخيرة.
من الجدير القول هنا، أنّه تداعت فعاليات عدّة في المحافظة للعمل بشكل منسّق فيما بينها، سواء للعمل على حراسة الأراضي الزراعية وتشكيل لجان محليّة من أبناء القرى والبلدات لذلك الأمر، وذلك في ظلّ فقدان الثقة المطلقة بالأجهزة الأمنيّة ذاتها، وتنامي اليقين الشعبي في مسؤوليتها عن هذا الفعل، كما أطلق مدوّنون شباب حملة على وسائل التواصل الاجتماعي بعناوين وهاشتاغات عدة أهمها:#محصولك_لولادك_مش_للحرق و#لنحمي_قمحنا، غايتها جميعا بثّ روح التكاتف المجتمعي في مواجهة مصير سيء ومستقبل محفوف بالمخاطر أمام استمرار هذا العمل الممنهج والخطير.
ليفانت – سلامة خليل
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!