الوضع المظلم
السبت ٠٢ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
مسيرة أردوغان في سورية، القسم الأخير
غسان المفلح

لا يمكن فهم الخطوات الأرودغانية في سورية بعد عام 2013 إلا انطلاقاً من ثلاث معطيات: مسيرة 

المعطى الاول: تأكّد أردوغان من أنّ الموقف الامريكي أعطى الضوء الأخضر كاملاً لهولوكوست أسدي في سورية من قتل، تدمير، تهجير، واقتلاع. في تفاصيل هذا المعطى لم تدخل قطعة سلاح لسورية دون معرفة الأمريكان من أين مصدرها والى أين ستتوجّه. كحال الأمريكي والأوروبي بدأ أردوغان اللعب على الورقة الجهادية والاسلامية. إضافة بالطبع الى ورقة اللاجئين. لكن من الجدير ذكره حتى عام 2017 كان تعامل الجانب التركي شعباً وحكومة مع اللاجئين، تعاملاً جيداً. هذه الورقة هي ليست معطى تركي، بل هي معطى دولي بزعامة أمريكا. أقصد تهجير ما أمكن من سكان سورية. حيث من المعلوم أنّ الأمم المتّحدة وضعت خطط توطين للاجئين بدأ تنفيذها منذ عام 2014.


المعطى الثاني: رؤية الحكومة التركيّة بزعامته لما يسمى الأمن القومي لتركيا. وتتمحور حول مسألتين رئيسيتين: الأولى والأهم هي النفوذ التركي في سورية. الثانية هي خطر منظومة حزب العمال الكردستاني التركي البي كي كي. هذا كان يقتضي وبضوء أخضر عالمي أن يستولي أردوغان وحكومته على ملفّ المعارضة السورية. أو إدارته بطريقة تتوافق مع رؤيتهم للأمن القومي التركي.


المعطى الثالث: ظهر لاحقاً بشكل أكبر حيث كان هذا المعطى ينحصر في مصلحة حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان، في طريقة إدارة الملف السوري، وتحوّل تدريجيّاً الى مصلحة أردوغانية فيه، بعدما تمّ تثبيت نظام رئاسي. وصار أردوغان أول رئيس تركي منتخب ديمقراطياً من قبل الشعب التركي.


انطلاقا من هذه المعطيات معاً، جاءت اتفاقيّات سوتشي وآستانة مع الروس والإيرانيين. خاصة وإنّ الحكومة التركية لعبت دوراً في تسهيل تسليم حلب للروس عام 2015. بدأ أردوغان بعدها يعدّ العدّة لاحتلال مناطق التواجد الكردي في سورية، لأنها بالنسبة له تشكّل القاعدة التي يستند عليها البي كي كي. لكن ما عقّد الموضوع بالنسبة له، هو التحالف الدولي ضدّ داعش، بزعامة أمريكا، والذي استند على مقاتلي هذا الحزب في القضاء على داعش. بعد تجاذبات كثيرة احتلّ أردوغان عفرين. خاصة بعد أن قبض على ملفّ أغلب الفصائل المتواجدة في الشمال. وتمّ احتلال عفرين من قبل هذه الفصائل بقيادة الجيش التركي. بموافقة غربية روسية إيرانية. هنا لابدّ من التذكير بأنّ أردوغان لعب على عاملين: مسيرة 


-الأوّل: حماية المنطقة من الهجوم الروسي الأسدي الإيراني، تحت ما سُمّي باتّفاق مناطق التصعيد.


-الثاني: الخلاف بين المعارضة من جهة وقيادة البي كي كي التي ناصرت الأسد منذ اليوم الأول للثورة، بحيث تمّ شحن هذه المعارضة بطريقة تمّت معالجة الخطأ بخطأ أكبر. هو احتلال المناطق الكردية أو المختلطة. لاحقاً تمّ بنفس الطريقة من التجاذبات احتلال تل أبيض ورأس العين. مما زاد في شرخ النسيج السوري بين عرب وكرد. الأسد وبوتين وإيران لم يكن لديهم مانع من هذه الخطوات التركية. كذلك أمريكا استطاعت تحت هذا الخوف من التركي أن تقبض على ملفّ الجزيرة السورية بنفطها ومقاتليها. هنا لابدّ من التأكيد إنّ هنالك تفاصيل كثيرة تحتاج لوحدها لأبحاث عديدة. لكنّنا نحاول تناول الخطوط العريضة للمسيرة الأردوغانية في سورية. الجيش التركي كما قلت في وقت سابق هو في تلك المناطق عفرين ورأس العين وتلّ أبيض احتلال. بينما في بقية مناطق سورية هو موجود باتّفاق الدول الضامنة، وعدم ممانعة بقية دول العالم تقريباً، ودعمهم لاتفاق خفض التصعيد ومراقبة تنفيذه. هنا لابدّ من القول إنّ جبهة النصرة بقيت الطرف المسلح الوحيد نسبيّاً، لها حركتها المستقلّة الواضحة عن القيادة التركية،لأسباب كثيرة لكن أهمها هو المعطى الدولي والإقليمي الذي أنتج ودعم هذا الفصيل. خاصة العلاقة المعقدة بين هذه الجبهة والرؤية الأمريكية للمنطقة. لا تزال حتى هذه اللحظة تتمتع بهذا الهامش. علماً بأنّها الفصيل الأكثر ارتكاباً للجرائم بحق ناشطي الثورة والسكّان هناك، بعد داعش طبعاً. الآن أردوغان أمام مفصل مهمّ في التعامل مع هذا الفصيل. هنالك من يتحدّث عن محاولة أمريكية لتصدير هذا الفصيل كواجهة سياسية أيضا للمعارضة. مسيرة 


مناطق نفوذ واتّفاقه الأخير مع بوتين ونادي التوحش


لأول مرة تتدخل تركيا بمواجهة مباشرة مع الميليشيات الأسديّة والبوتينيّة والإيرانيّة في سورية. بعد أن قام الأسد وروسيا بتهجير قرابة مليون إنسان خلال شهر شباط المنصرم. مما حدا بتركيا أن تتدخل لوقف هذا الاقتلاع لسكان ريف إدلب وريف حلب. السبب الأساسي إنّ تركيا لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من الملايين للجوء إليها. هذا من جهة ومن جهة أخرى تريد تركيا تثبيت وجودها العسكري في ريف حلب ومحافظة إدلب، ليس فقط كونها مراقب وضامن في أستانة وسوتشي، بل في كونها دولة مثل أيّ دولة أخرى، تثبت نفوذها احتلاليّا في سورية.


وهذا ما حدث فعليّاً وهذا ما أراده أردوغان من اتّفاق موسكو مع بوتين. وبمعزل عن بروباغندا كل الاطراف، الجيش التركي الآن بات موجوداً ليس فقط وفقاً لسوتشي وأستانة، بل وفقاً لرؤية تركيّة منفردة من جهة، وبالاتّفاق مع أطراف دولية ومنها بوتين من جهة أخرى. وبدا عمليّاً التمايز في الوجود التركي، يضعف بين محتلّ وبين وسيط ضامن ويتقلّص لصالح قوّة احتلال مثلها مثل بقية الاحتلالات. دعوة أردوغان الأخيرة لبوتين من أجل تقاسم إدارة نفط دير الزور. في النهاية إنها خطوة أخرى لتركيا بزعامة أردوغان عبر سورية، لتثبيت وجودها في نادي التوحّش كما كتبت سابقاً عن هذا الموضوع في هذا المنبر. مسيرة 


اتّفاق موسكو مكسب لأردوغان وفقاً لميزان القوى الدولي وخسارة لنا كسوريين.


أما جوابي للناشطين الذين لا همّ لهم سوى الدور التركي وأردوغان بالذات، أنتم تريدون أن يتمّ تسليم المنطقة كلّها للأسد وروسيا وحزب الله أو تهجير أهلها بشكل كامل. السياسة السافرة لكل الاحتلالات في سورية، لا تعني عدم وجود تمايز أحيانا في مصالح هذه الاحتلالات، ويجب التعامل معها  كلّ حالة على حدا لأنّ ثمنها دم السوريين. هنالك احتلال من مصلحته اقتلاع السوريين وهنالك احتلال من مصلحته بقاء أهل إدلب في قراهم ومدنهم بغضّ النظر عن ميزان القوى وما ينتجه، ولو إنّه هجّر قسماً من أهالي عفرين. لا أريد الاطالة في هذه الملاحظة.


هذا من جهة ومن جهة أخرى سأقول، تركيا دولة لا تعتمد اقتصاداً نفطيّاً على طريقة روسيا. تركيا الآن دولة ذات وزن اقتصادي متين داخلياً وعسكرياً إضافة إلى أنها عضو في الناتو. الطرف الوحيد القادر على إنهاء الدور التركي هو أمريكا. والطرف الوحيد القادر على التأثير عليها اقتصاديّاً فيما لو أراد. وهذا غير مطروح. بالطبع ممكن لحملة عسكرية بوتينية أن تسقط أردوغان سياسيّا نتيجتها، لكنّها لن تسقط تركيا. تركيا لا مصلحة للنخب الرأسمالية العالمية في انهيار اقتصادها أو انهيارها كدولة تجاوزت هذه العتبة ما لم يحدث هنالك تغيّر دراماتيكي في السياسة الامريكية تجاهها، لا أظنّ هنالك مصلحة أمريكية في ذلك. مسيرة 


تركيا دخلت نادي التوحّش، والحسابات لكل الأطراف من محبي أردوغان وكارهيه، يجب أن تتمّ بناء على هذا المعطى.


ليفانت - غسان المفلح

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!