-
مفاهيم ومصطلحات السياسة (الدولة)
لا يمكن الحديث عن سياسة من دون دولة، فالسياسة شيء له علاقة بالحكم والسلطة، والمجتمعات الإنسانية هي اجتماع البشر ضمن نظم وعلاقات، أهمها الأسرة الصغيرة ثم الأكبر وصولاً للقبيلة والدولة القومية، ولكن لا يمكن تصوّر دولة تقوم على قبيلة وقوم وعرق واحد، فالقبائل تنقسم وترحل وتتحالف، وتشكل القرى والمدن وتجمعات أخرى تشاركية تنظم على أسس أخرى غير الدم والنسب، بل تقوم على شبكة علاقات أخرى ثقافية واقتصادية وسياسية.
الحالة المثالية للدولة، التي وصفها هيغل، هي الدولة القومية العضوية، التي يربطها العرق واللغة والهوية والتاريخ والمصالح ومن ثم السياسة على أرضها التاريخية. أي مفهومه عن الدولة النقية المكونة طبيعياً وكأنّ الإنسان كائن يشبه النبات لا يتحرّك ويتنقل والمجموعات البشرية لا تنزاح وتختلط وتتفكك وتجتمع على نظم جديدة.
في بداية التاريخ كان الإنسان يتنقل طلباً للعيش الذي يعتمد على جمع الغذاء من الطبيعة والصيد، ثم على الرعي بعد أن دجن الحيوان، حتى نشوء الزراعة التي أجبرته على الاستقرار في المكان أي أنّه حدث تحوّل نوعي في الاجتماع الإنساني منذ نشوء الحضارة، أي الاستقرار في المكان، لم يكن هذا المكان مخصصاً لقوم بعينهم بل تشاركت عليه مجموعات قبلية مختلفة اختلطت وتعايشت وجمعها المكان، والذي اضطرها لتشكيل سلطة سياسية تنظم هذا الاجتماع بطريقة ما مصطنعة وليس طبيعية، كالروابط الغريزية والأسرية والقومية، المكان صار أهم عناصر الدولة الأساسية، بينما تحول السكان وهويتهم وثقافاتهم للمرتبة الثانية في الأهمية، بل هم تابعون للعنصر الأول وهو الأرض المشتركة، التي صارت أساس الهوية السياسية للدولة، فالدولة صارت سلطة مفروضة على أرض ذات حدود، يخضع لها كل من يسكن هذه الأرض، وهذا لا يعني أن عناصر التكوين الأخرى فقدت كل أهميتها، لكنها قطعاً قد أصبحت ثانوية، تحدد نوع الثقافة، وتغير لون الدولة وتؤثر على توزع الثروة والسلطة بين مكوناتها القومية والثقافية والدينية المختلفة، وهكذا لا يمكن فهم الدولة إلا في المجتمع الحضري الذي يجمع البشر ضمن أرض معينة، وتحكم اجتماعهم سلطة سياسية محددة، تدافع عنهم وتحفظ السلم الاجتماعي، وتنظم حياتهم ككائن اجتماعي جديد متماسك متّحد هو الدولة.
وعليه فقد تحول مفهوم الدولة العضوية المنسجمة الطبيعية لمجرد حلم، أو لهدف يجب أن تصنعه السلطة لتحقيق الانسجام وتقوية الوحدة، ولا يتحقق إلا بزراعة انتماء عصبي قومي واحد وهوية ملتحمة واحدة، وتقديسها بشكل مطلق، ومحو كل اختلاف وتباين يضر بوحدة وقوة الدولة وقدرتها على الدفاع والتوسع، وهو ما نشأت عنه العنصرية وتسبب في الحروب بين الدول، وصولاً للحروب العالمية التي ما نزال نعيشها حتى اليوم.
فالأساس في الدولة ليس الشعب ولا الهوية، بل الأرض، التي تجمع تنوعاً من الانتماءات الأدنى، العرقية والدينية، والانقسام العامودي للمجتمع لا بد سيبقى متحكماً بنوع ونمط النظام السياسي للدولة. ولكن ومع ذوبان الانتماءات الأهلية (القومية – العرقية – الدينية) التي لا يختارها الفرد بل تحكمه وتحدد هويته التي تسبق ولادته، ومع نشوء العلاقات المدنية التي تترك للفرد مساحة واسعة للاختيار، أصبحت قوة الدولة ووحدتها مرتبطة بشيوع هذا النوع من العلاقات على حساب الانتماءات التي كانت قبل المدنية المفروضة، وهكذا صارت الانتماءات رويداً رويداً شيئاً نختاره، وصار بالإمكان بناء نوع جديد من الدول، كالدولة الديموقراطية التي تقوم على إرادة الناس الحرة، لتقوم هي بدور أكبر وأكبر في حياة الأفراد الذين تقلصت حاجتهم للأسرة والقبيلة ونمت رغبتهم بالتحرر من أسرها والانتماء لمؤسسات المجتمع المدنية التي هي القاعدة الفعلية الحديثة للدولة السياسية، وليس المجتمع الأهلي التقليدي الذي صار مجرد ديكور وذكرى متحفية.
ليفانت – كمال اللبواني
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!