الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
هل الثورة السورية فاسدة؟
كمال اللبواني
الثورة السورية قامت ضد سلطة الفساد والظلم والإجرام، لكنها لم تتخلّص من ثقافة الفساد والاستبداد والتسلّط المزروعة عميقاً في الشعب خلال 60 عاماً من حكم البعث، التي قضاها وهو يزرع ثقافة الفساد والتسلّط والاستعباد والاستزلام والتسلّق والغش والخيانة وقلّة الأمانة والاختلاس، كطريق إلزامي للحصول على الكسب ومصادر العيش، محطماً كل طريق آخر يمر عبر الصدق والنزاهة والإخلاص، فقد ربط بسبب تكوين نظامه بين الحصول على حصة من الثروة والسلطة بمقدار الولاء والخنوع للسلطة وممارسة الفساد والانتفاع منه والعيش عليه.


لذلك لم تكن صرخات الألم من الظلم كافية لتغيير الثقافة السائدة حتى عند الثوار وقادة المعارضة، خاصة عندما تنطّحت لقيادة الثورة رموز من الفاسدين والمفسدين اعتمدتهم دول أجنبية لحرف الثورة عن هدفها، بعد حرمانها من آليات تشكيل مؤسساتها الثورية التي تراعي قيم النزاهة والتمثيل والرقابة الشعبية.


المعركة الأهم التي خسرتها الثورة هي إنشاء مؤسسات ثورية تعمل بقيم ومعايير معاكسة لقيم ومعايير النظام، وعلى نقيضها والتي تعبر عن تغيير جذري في الثقافة وبنية وطبيعة السلطة. لقد كانت صورة قيادات المعارضة ومؤسساتها وإداراتها، فيما خرج عن سيطرة النظام، لا تختلف عن صورة قيادات النظام وحكمه، ولا تختلف عن معاييره، لذلك تدهورت الثورة لمجرد صراع وحرب أهلية بين طرفين فاسدين مستبدين، وضاع الشعب الذي ضاق ذرعاً بالنظام القديم، وصار يحلم بالعيش الكريم، عندما لم يجد طريقه نحو التغيير مفتوحاً، فقد تغيرت السلطة لكن النظام بقي هو ذاته.. ضاع الشعب الثائر بين نظام ظالم قديم ونظام ظالم آخر حديث جاء باسم الثورة، وتشتت الثورة وانهارت من داخلها قبل تسليم مجمل المناطق المحررة للنظام أو للدول المحتلة بواسطة ذات الخونة الذين ركبوا ظهر الثورة، سياسياً وعسكرياً، واعترفت بهم الدول كممثلين للشعب، والذين حولوا الثورة لمجموعة عصابات وعصبويات وفصائل مرتزقة وأمراء حرب.

وللجواب على السؤال المطروح في العنوان نقول إن فكرة الثورة على نظام الفساد والاستبداد والإجرام فكرة صحيحة ومنطقية، لكن الاكتفاء باعتبارها ثورة على السلطة (النصيرية)، وليس النظام، الذي عملت به، سمح بتغلغل ذلك النظام لجسد المعارضة وتحويله لنسخة أخرى عن النظام لكن بنكهة طائفية إخوانية سنية، مما تسبب في خراب الثورة وفقدانها لزخمها واستبعاد المخلصين لها.
لا يمكن إصلاح ذلك الدمار الشامل الذي حصل بالوطن على يد النظام، وبفكرة الثورة كأداة تغيير له من دون عملية إعادة بناء عميقة لمجمل المؤسسات الاجتماعية والخدمية والتمثيلية والسياسية في مستوى المجتمع المدني والدولة، وفق أسس وقيم ومعايير مختلفة جذرياً، وتحت رقابة شعبية صارمة.


تغيير شخوص في السلطة أو في المعارضة لن يغير شيئاً من حالة الفشل التي تعيشها الدولة، نظاماً ومعارضة، فالكل فاشل والشعب أيضا فاشل في إيجاد البديل ويتخبط في إعادة تدوير وإنتاج ذات الثقافة التي تسببت بدمار وطنه وقتله وتهجيره،
حتى إن نصراً عسكرياً حاسماً لا يمكنه تغيير هذه المعادلة، فذهاب طرف لا يعني الخروج، بل إلغاء كل فرصة وأمل بالخروج، وحده استمرار الصراع الداخلي ضمن تشكيلات الفساد والاستبداد (المعارضة والنظام) هو من سينهك الطرفين ويسمح بنمو تدريجي لثقافة أخرى، أصبح من واجب المخلصين والمثقفين زرعها ونشرها في صفوف الشعب، فالثورة الحقيقية اليوم هي ثورة ثقافية، ثورة وعي وفكر، تنتج عنها ثورة تنظيمية تعيد بناء مؤسسات المجتمع والاقتصاد والدولة جميعاً ومعاً على ثقافة جديدة، وهنا يجب أن يلعب المهاجرون لدول الغرب المتحضر دورهم في نقل تلك الثقافة الحضارية لأهلهم ووطنهم، بينما يجب على شباب الثورة الذين ضحوا بالغالي والنفيس أن يحملوها على أكتافهم ويسيرون بها نحو المستقبل كانسين في دربهم كل ذلك الماضي الأسود بشخوصه وأطرافه وصراعاته.



ليفانت - كمال اللبواني

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!