الوضع المظلم
الإثنين ٢٩ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
هل حقّاً تحررت المرأة من عبودية الرجال؟
نرفت عمر
أكدت تقارير الأمم المتحدة أن امرأة من بين ثلاث نساء تتعرض للضرب والاعتداء الجسدي، وأن ست من أصل عشر نساء يبلغن عن حالات تعنيف بحقهن. أرقام ونسب مخيفة ما زالت في القرن الواحد والعشرين، في عصر اعتقدت الكثير من النساء أنهن تخلصن من زمن الوأد، وأنهن أخيراً يعشن في عصر عقيم المفاهيم والموروثات الاجتماعية لا الدينية التي طالما اضطهدت النساء على مر العصور وفي كل بقاع الأرض على اختلاف شعوبها وانتمائها.

سأختص بمقالي هذا عن التعنيف بحق النساء في المجتمعات الشرقية، والذي يمارس بكافة أنواعه، وبالرغم من قلّة الشكايات وبعض مواقف خجولة لا تذكر تتخذ لمواجهة هذا الاعتداء القديم الجديد إلا أنّه واقع تعيشه الكثير من نسائنا. من المؤكد أن ليس هناك أي مبرر للعنف مهما كان شكله ومن أي شخص كان، فالله أكرم البشر بالعقل والقدرة الكلامية للتفاهم وإيجاد الحلول لمشكلاتهم الحياتية واختلاف آرائهم وشخصياتهم.

في المجتمعات المتحضرة يشبهون الإنسان العنيف غير القادر على التحكم بانفعالاته بالحيوان البري الذي تتحكم غرائزه الحيوانية بأغلب تصرفاته (رغم أنّ الحيوانات لا تعنّف إناث فصيلتها ولا تتسم بتلك الوحشية التي نجدها عند الكثيرين من الذكور وليس الرجال).

للعنف أنواع عديدة قد تمارس ضد المرأة من قبل ذويها بداية، والذين من المفروض أن يكونوا حماة هذا الضلع القاصر. فيحنو الأب على ابنة كرّمه الله بها، ويسند الأخ أختاً كلفه الله بمؤازرتها في الشدائد، لا أن يقوما بتعنيفها وانتقاص حقوقها المادية في الميراث (العنف المادي)، وأيضاً حرمانها من التعليم وتطوير الذات. للأسف نسمع قصصاً عديدة لتفاوض أب على ابنته للزواج بأخرى وقتله لها بسبب رفضها لتلك المبادلة الظالمة بحقّها، أو أخ جائر بدل أن يكون الصدر الحامي لأخته الفارة من بطش زوجها كان السكين التي أزهقت روحها التعبة. هذا بالنسبة للتعنيف الجسدي الأسري، والذي يطبّق تحت شعار الشرف، ولكن ماذا عن التعنيف اللفظي من قبل الأهل الذي قد تتلقّاه الطفلة؟ فبدلاً من الرعاية وترسيخ الثقة في شخصية ابنتهم، يظهر التمييز لمجرد تفضيل الأهل الصبي على الفتاة، سواء كان بالتعامل أو بالكلام، وهو بالتأكيد شكل من أشكال الظلم الاجتماعي ومظهر للتعنيف بحق المرأة، حتى ظاهرة زواج القاصرات هي نوع من التعنيف الذي تتعرّض له الفتاة القاصر ذات الجسد والوجه الطفولي، لأنها غير مؤهلة للزواج بعد، والمسؤولية هنا تقع على وليها بحمايتها لا باتخاذها كسلعة للبيع والتفاوض.

بالرغم من قلة نسبة هؤلاء المعنفات في بيت العائلة إلا أن ذلك خطير، لأن العائلة هي السند والحضن الأول، وهي القوامة الأولى التي خصّ بها الله الأهل منذ الولادة، فالقوامة هي أداء الأمانة.. إلا أنّ النسبة الكبرى للمعنفات تكون عند الزواج وانتقال الفتاة إلى بيت الزوجية واعتقادها أنها اختارت رجلاً لتتفاجأ بذكر يفرض ذكوريته بطريقة وحشية معلناً السيطرة والتحكم بزمام الأمور العائلية، ظناً منه أنها الطريقة المثلى ليكون رجل البيت أمام عائلته والمجتمع، فيمارس التعنيف اللفظي والنفسي، وأحياناً الجسدي، لحل نزاعات عائلية مع زوجته، ماحياً كل أشكال الحوار الإنساني من عقد الشراكة الزوجية، فنسمع قصصاً قديمة جديدة عن رجل ضرب زوجته حتى الموت بسبب ثورة غضب جنونية، أو يصبها بشلل أو يقتلع عينيها في مشادة كلامية لا تخلو من لكمات فجائية مع سيل من الإهانات وتحقير لذات الزوجة وأهلها بل عشيرتها كلها.

حتى التعنيف الزوجي النفسي له أشكال عدة، كتهديد الزوج لزوجته بالطلاق التعسفي أو الزواج بامرأة أخرى وحرمانها من الأطفال، أو القرار بعدم النفقة عليها وعلى أطفالها لمجرد التأديب فقط. كل هذا المشهد المأساوي والمتكرر يكون أمام الأطفال، أمام جمهور لا حول له ولا قوة، محتوم عليه مشاهدة هذا العنف والإجحاف بحق والدتهم، لتتشرّب بعدها الابنة تلك الإساءة والخنوع والخضوع وتبني مستقبلها عليه لا محالة، ويكبر معها خوفها من الارتباط، أو يتجرّع الولد تلك المذلة لأمه أمامه عاجزاً، فيؤمن أنّ المرأة يجب أن تعامل هكذا بهذا الحقد والعنف لتكتمل السلسة، ويعنّف بدوره أيضاً أخته أو زوجته عندما يكبر.

وإن ثارت المرأة بوجه الظلم والتعنيف المطبق عليها، تتصاعد أيدي المجتمع لتسكيتها وتنبيهها بعدم هدم بيت الزوجية بيدها، نعم بيدها وليس بيد زوج عنيف أساء إلى نفسه قبل إساءته إليها وإلى أطفاله، رسم صورة وحشية بمخيلة عائلته التي كان من المفروض أن تكون صورة عن حضن وسند رحيم، يدافع عنهم بقوة ويحميهم بحب، فيبدأ لوم المجتمع للمرأة المعنفة بدل من احتضانها ومحاولة انتشالها من اضطهاد يستنزف روحها وجسدها:

كيف لك أن تسجني زوجك، والد أولادك؟
ماذا فعلتي لتجعليه يغضب ويضربك؟
يجب أن تتحملي سوء المعاشرة من أجل أطفالك؟
ليس هناك كرامة بين الرجل والمرأة؟

- مذكور في القران أن ضرب المرأة جائز ( طبعاً هذه الفتوى موروث اجتماعي ظالم لا يمت إلى أي دين).

وأخيراً: من سيعيلك ويعيل أطفالك؟ لن تصمدي لوحدك وسيخونك الجميع. لن يتقبلك المجتمع لعدم صبرك على التعنيف. ملامات وصراعات تعيشها تلك المسكينة لتعود إلى بيتها مشتتة، وربما إلى قبرها في المرة القادمة من يدري، بحسب قوة العنف الذي ستتلقاه في التعنيف التالي، والمبرر أكثر للزوج بسبب الاستسلام والعودة.

ما الذي يجعل الذكر يظن أن ذكوريته تسمح له بالتمادي على الجنس الأخر وانتهاك أنوثة ورقة قوارير تحكم بزمام أمرها؟ هل هو بسبب التربية الأسرية المغلوطة بتضخيم الذكورة في عقول الشباب أم بسبب عدم وجود روادع اجتماعية و أحكام قضائية صارمة بحق المتعدي تحتم على الذكر التفكير لمائة مرة قبل الإقدام على إيذاء الجنس الآخر؟ أم بسبب المفاهيم الخاطئة للأديان والأعراف الإنسانية، كاتهام النساء بأنهن ناقصات عقل ودين وتفسيرها المجخف بحق المرأة؟ أم السبب في الدراما التي تجمل دور الضحية وتعزّز من فحولة المعنّف مع غياب الإعلام وعدم تسليط الضوء على تجاوزات وانتهاكات لحقوق المرأة؟.

لا أعلم حقاً ما هو السبب؟ أترك لكم الإجابة، وربما هناك أسباب أخرى، إلا أن جزءاً من حل ذلك الاعتداء، يبدأ بإدخال منهج تدريسي سليم عن كيفية التعامل الإنساني والعلاقات الصحية الأسرية في المدارس والجامعات، مع دورات توعية تثقيفية دورية تحثّ على احترام المرأة وعدم المساس بكرامتها والتنقيص من حقوقها في عيش حياة كريمة بلا عنف، مع إبرام قوانين أكثر صرامة ضد العنف بكافة أشكاله وتوفير الحماية القانونية والمالية للمعنفات.

نرفت عمر

ليفانت - نرفت عمر

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!