-
هل نحن طوائف أم سوريون؟
شيئا فشيئاً، ومع تقدم التجربة، وعيت أن في العلويين كنسبة، نسبة مرتفعة نظراً لحجم الطائفة، لها صوت مختلف، مثقفون ومعتقلون سابقون وحاليون ومحتملون، عبروا عن معارضتهم واختلافهم وعن عدم رضاهم، وعن رؤيتهم لسوريا بشكل مختلف عن رؤية النظام حتماً.
لكن في المقابل، ربما فاتني، أنا وسواي، أن النظام مستفيد من هذه الصورة التي يتم تصديرها: نظام يؤيده "معظم" العلويين، وعلويون "أفراد قلائل"، خارجون عن الإجماع على شرعيته ومحبته.
فاتنا ربما أن كثيراً من الدول الكبرى والإقليمية لم توفر مناسبة إلا واستغلتها عبر الدعوات للمؤتمرات والحوارات، عبر اللقاءات التلفزيونية واللقاءات الفيزيائية مع الدبلوماسيين، كانوا يؤكدون على أننا "طوائف" ولم نرتقِ بعد لنعامل كسوريين، كمكونات وطنية وما بعد وطنية.
لم يكن هنالك من لحظة استطاع فيها السوريون التفكير في هويتهم، أو هوياتهم الثقافية والحضارية والسياسية، خصوصاً بعد حكم الأسد في العام سبعين، كانت سوريا "مملكة الخوف" ولم يكن يسمع صوت في الشوارع سوى صوت الرعب الذي يصفر، ولم يكن يرى سوى آذان الحيطان التي تتربّص بأي كلمة أو همسة.
كانت انتفاضة العام 2011 بركاناً حمل معه كل ما هو داخل هذه الأرض من أسئلة حارقة ومشتعلة، فمن نحن؟ من هم السوريون؟ وما علاقة العلويين بالنظام؟ وما هو أصل هذه المظلومية العلوية؟ وهل صار هنالك بالمقابل "مظلومية سنية"؟ وهل نحن سوريون قبل أن نكون سوريين من طوائف عديدة متنوعة؟
بعد أن جرفتنا حمى الأحداث المتلاحقة والمجازر والويلات، كان لابد من وقفة مع العقل، فكان أن تداعى المثقفون السوريون للإجابة عن سؤال "الهوية الوطنية السورية" وظهرت عدة تعريفات مجتهدة، تطمح لتكون جواباً شافياً.
غير أني أعتقد أن الوطنية السورية، كشعور بالانتماء، وهوية مرتبطة بأحلام ورؤى ومستقبل، لا يمكن أن تكون متحققة دون تحقيق عدالة تعنى بهذه العشر سنوات من الظلم، ومن التمييز، ومن الانتهاكات.
هنالك حاجة لتثبت العدالة مفهوم القانون ومفهوم المواطن الذي يخضع للقانون، كي يكون هنالك إمكانية لنكون سوريين، نحتكم للقانون والدستور، ولسنا طوائف نخجل من انتهاكات المجرمين متعددي الطوائف، لا يمكن للهوية السورية أن تتحقق بوجود "شبيح علوي"، أو "زعيم سني" في جبهة النصرة أو داعش، أو قائد كتيبة تابع للجيش "الوطني" الذي يأتمر لتركيا، على سبيل المثال.
هنالك حاجة لوضع أي انتماء أو تصنيف بعد الانتماء لسوريا، وإذا لم يفعل القانون على هذه الأرض ستبقى سوريا بلاداً مارقة ومزرعة أو غابة، السيطرة فيها للأقوى، ولكن من له مصلحة في وطن سوري مستقل وحر وعادل؟
ليس لأحد مصلحة سوى السوريين الذين خبروا أنظمة الدول المتقدمة فأيقنوا أننا نستحق نظاماً مشابهاً، يكفل حرية وكرامة أفراده، وأيضاً السوريون الذين ذاقوا مرارة البقاء في الداخل، واختبروا الفشل إثر الفشل، وعرفوا بالتجربة ما قيمة الحرية، وما قيمة الكلمة، والوطن الذي يكفل حرية وكرامة أولاده.
نحن، داخلاً وخارجاً، علينا أن نتفق على خطوات نستطيع بها تحقيق ما نستحقه، وأن نكف عن النظر لذواتنا من أي منظار غير وطني، لأن ذلك لن يسهم سوى بتأخرنا وقمعنا وهدر كرامتنا.
ليفانت - هنادي زحلوط
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!