-
هيكليات النظام السوري الأمنية وارتباطها بتغييرات أخرى دينية
ماهر مصطفى
توازياً مع إعادة هيكلة وتجديد المؤسسات الأمنية السورية الأخيرة والتي أثارت ولا زالت تثير الكثير من التحليلات والتكهنات، فإن مساراً آخر وعلى التوازي مع المسار الأمني يجري إعادة هيكلته وتجديد آليات تنظيمه وعمله، ألا وهو مسار النشاط الديني في دمشق وضواحيها وعموم المنطقة الجنوبية.
فقد شهدت الغوطة الشرقية لدمشق بُعيد سيطرة النظام على المنطقة، حملة أمنية كبرى شملت تعيين الأئمة وخطباء الجوامع وتنظيم المدارس الدينية، وكان لافتاً أن تنظيم العمل والمؤسسات الدينية كان سابقاً لإعادة مؤسسات النظام الرسمية كمجالس المدن والبلدات وهياكل حزب البعث الحاكم. وهو إدراك عميق من النظام السوري ودولته الأمنية العميقة لأهمية وأولوية العامل الديني في إخضاع الناس وإعادتهم إلى ما يسميه البعض (حظيرة الاستبداد السوري) المعروفة.
أما اليوم ومع التوترات الأمنية المتصاعدة في مدينة درعا وأريافها وتوسع رقعة المواجهات المدنية والعسكرية ضد حواجز ونقاط تمركز قوات النظام الأمنية، فقد أصدرت وزارة الأوقاف السورية ذات المرجعية الأمنية العليا قراراً بعزل خمسة وثلاثين إماماً وخطيب جامع، بتهمة عدم التقيّد بالتعليمات والإساءة للمهام الموكلة إليهم ورفضهم الالتحاق بالدورات التدريبية في مركز الشام الإسلامي الدولي لمكافحة التطرف والإرهاب.
عن تلك المحاولات وقصص تغيير الأئمة، يحدثنا أحد المقرّبين من وزارة الأوقاف السوري، قائلاً: "يحاول النظام السوري بالتزامن مع الإشراف من ضباط روس، على تغيير الهيكلية الدينية للمنطقة، وتغيير الأئمة المقرّبين من أطراف المعارضة، وخاصة ممن كان لهم سوابق بأجسام أو شخصيات معارضة".
ويضيف المصدر: "تلك التغييرات الدينية لها ارتباط بتغييرات أمنية لحقتها، من خلال تأسيس فرع أمني جديد يتبع له وزارة الأوقاف وله سلطة كاملة على الشؤون الدينية وبإشراف روسي".
الجهاز الأمني الجديد الذي يحمل اسم “الفرع 801” ويديره ضابط روسي رفيع مع ضباط سوريين لهم تاريخ استخباراتي مع روسيا، ومن الذين تم تعيينهم جديداً من قبل بشار الأسد رأس النظام السوري.
حيث تتمركز مهمة هذا الفرع تأمين المنشآت الحكومية والمواقع المهمّة، مثل السفارات، وهيئة الإذاعة والتلفزيون والهيئات الدبلوماسية والبنوك والمصارف، بالإضافة إلى الإشراف على وزارة الأوقاف السورية التي لها دور كبير في الترويج لفكرالنظام وسياساته المستقبلية بين المدنيين.
كل هذه الأمور بحشب المصدر المقرّب من وزارة الأوقاف السورية هي حرب وسباق غير علني بين إيران وروسيا وسط العاصمة السورية للسيطرة على مراكز القرار، وأماكن صناعته وترويجه، حيث سيطرت في الآونة الأخيرة الميليشيات الإيرانية على مفاصل اجتماعية هامة في دمشق وعدة محافطات سورية أخرى.
تسعى موسكو إلى خفض أصوات الميليشيات الإيرانية في العاصمة دمشق، والمدن السورية الأخرى، وسلطتها على مؤسسات النظام، بالتزامن مع ضغوطات دولية على إيران، حيث تقوم بتعزيز وجودها في تلك المفاصل، سواءً من خلال تواجدها في المؤسسات الأمنية، الدينية، السياسية والعسكرية مباشر، أو من خلال ضباط سوريين لهم ولاء كامل لموسكو، منذ بداية التدخل الروسي في سوريا.
إن ما يميّز استراتيجيات وتوجهات النظام الحالية ضمن مناطق سيطرته، هو تكامل وتجديد آليات العمل الأمني والديني على السواء مع تراجع الاهتمام بمؤسسات حزب البعث الحاكم ومنظماته الشعبية ونقاباته المهنية، والتي تحولت لهياكل فارغة الشكل والمضمون، والتي هنا للاستخبارات الروسية دور فيها.
فمن تشريع تنظيم الشباب الديني التابع لوزارة الأوقاف الذي صدر بمراسيم رسمية في بداية العام الحالي، إلى حل الاتحاد العام النسائي، وإطلاق ودعم النشاطات العلنية لتنظيم القبيسيات السوريات بدعم استخباراتي كبير، حتى الإعلان عن تشكيل التجمع الشبابي السرياني الكاثوليكي مؤخراً، والذي شارك بشار الأسد بافتتاح أعماله في مدينة صيدنايا الإسبوع الماضي. يسير النظام وبخطى حثيثة على طريق تكريس الانقسام الطائفي والمذهبي في المجتمع السوري وتحطيم البنى والمؤسسات المدنية والعودة بسوريا وبأدوار وظيفية معيّنة إلى عصور الظلام والعبودية والتخلف بأقصى ما تمكنه ظروفه وبقائه من إنجازه.
هيكليات النظام السوري الأمنية وارتباطها بتغييرات أخرى دينية
هيكليات النظام السوري الأمنية وارتباطها بتغييرات أخرى دينية
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!