الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
وباء كورونا وخفايا الحرب البيولوجية
عماد غليون

تاريخ البشرية حافل بالصراعات المريرة ضد أمراض مزمنة وأوبئة فتاكة، تغلب على العديد والخطير منها مثل الجدري والكوليرا والسل والملاريا، لكن بعد أن حصدت أرواح ملايين البشر بشكل مريع فيما يشبه مجازر رهيبة، وكان الأمل أن تستطيع الابتكارات الهائلة للطب الحديث القضاء نهائياً على كافة الأمراض المستعصية والحد من من انتشارها وأخطارها، وارتفعت معدلات أعمار الإنسان بشكل كبير، ومع اكتشاف الجينوم والشيفرة الوراثية توسعت أحلام بعض العلماء نحو التحكم بعلاج الأمراض والشيخوخة ومستقبل الحياة البشرية، ومن هنا جاءت الصدمة الكبيرة جراء الانتشار السريع لفيروس كورونا الجديد من الصين إلى العالم، وبثت صور ضحايا الفيروس وطريقة سقوطهم بشكل مريع الرعب والهلع، وأكد ظهور كورونا استمرار المعاناة والصراع البشري رغم كل أوجه التقدم العلمي، وحركت متابعة تطورات نشاط الفيروس العديد من القضايا والملفات على المستوى العالمي.


وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي

كسرت وسائل التواصل الاجتماعي محاولات التعتيم التي لجأت إليها السلطات الصينية والتأخر في الإعلان عن ظهور كورونا، لكنها بالمقابل نشرت الذعر والهلع في النفوس بشكل غير مسبوق عبر بث الكثير من الإشاعات والمبالغات والأخبار الكاذبة عن خطر الوباء وسرعة انتشاره وصولاً لنشر توقعات بالفشل الحتمي في علاجه، وفشلت وسائل الإعلام التقليدية خاصة الرسمية منها في تقديم محتوى إيجابي يستطيع طمأنة الرأي العام، واستغلت بعض الأنظمة الشمولية ومنها نظام الملالي في إيران ظهور الوباء لإطلاق اتهامات ساذجة معلبة بوصفه مؤامرة خارجية تستهدف النظام.


نظرية المؤامرة

مع الانتشار السريع للفيروس من الصين إلى العالم بدون القدرة على ضبطه والحد من انتشارهن تداعت فرضية مؤامرة نشر الفيروس بغية ضرب الاقتصاد الصيني، وتبقى قائمة باستمرار محاولات دول اقتصادية كبرى استغلال أي حالة تباطؤ في نمو الاقتصاد الصيني، وباتت الدول تستخدم الدول في الحروب الحديثة وسائل مبتكرة غير تقليدية، قد تكون المؤامرة إحدى أذرعها الفعّالة.


حرب بيولوجية

من غير المستبعد تماماً أن يكون انتشار كورونا مدبراً ضمن إطار حرب بيولوجية خفية، غير أنه من المبكر والصعب الحصول على دلائل أو استنتاجات تؤكد أو تنفي ذلك، ويجري استخدام ممنهج للحشرات والفيروسات والكائنات الحية الدقيقة سواء على البشر أو الحيوان أو النباتات، وبات ذلك معروفاً وشائعاً في الحروب الحديثة غير المباشرة بين الدول، وحدثت الكثير من حالات التلاعب الجيني النباتي الحيواني لإحداث ضرر مبرمج باقتصاديات دول أخرى، كما أن الشكوك والاتهامات لا تزال تدور حول طريقة انتشار الإيدز وإيبولا من مراكز أبحاث غربية في أفريقيا، كما تحوم حول تلاعب واسع من شركات الأدوية بتضخيم خطر أنفلونزا الطيور والخنازير بغية تحقيق أرباح طائلة في بيع الأدوية واللقاحات، لكن تأثيرات كورونا امتدت لتشمل جوانب أوسع.


كورونا اقتصادي اجتماعي سياسي

ستفرز تداعيات أزمة كورونا مؤشرات اقتصادية سلبية وخسائر كبيرة بدأت تظهر على الفور في قطاعات السياحة والنقل والتجارة البينية، لكن استمرار الأزمة سيخلق حالة واسعة من الركود والتضخم وتباطؤ معدلات النمو الاقتصادي، وفي حين يستطيع للاقتصاد الصيني والاقتصاديات الكبرى تجاوز الأزمة، إلا أن العديد من الاقتصادات المتعثرة ذات الموارد المحدودة أو الريعية ستواجه أزمات حادة على مختلف الأصعدة سيكون من الصعب تجاوزها.


من الوسائل المتبعة في مقاومة كورونا عزل الأفراد ومنع التجمعات الكبيرة، وسيؤدي إغلاق المصانع وتقلص التبادل التجاري لنشوء أزمات اجتماعية حادة جراء تراجع كبير في مستوى الطلب في سوق العمل والإنتاج، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وهناك تأثيرات سلبية ناجمة عن إيقاف الكثير من النشاطات المجتمعية الثقافية الفنية الرياضية وصولاً لإغلاق المدارس والجامعات، كما يشكل إغلاق منشأت ومزارات دينية ودور عبادة حالة نادرة في تاريخ الأديان.


تشكل إيران البؤرة العالمية الثانية بعد الصين في معدل انتشار الوباء ونقله لدول الجوار، لكنها تقع في المرتبة الأولى في معدلات الوفيات بين المصابين، ويرجع الفشل الذريع للسلطات الإيرانية بسبب تحكم رجال الدين والملالي بزيارة العتبات الشيعية ورفض توقيفها، ولم ينفع قبولهم بعد فوات الأوان باتخاذ إجراءات مراقبة غير فعّالة والحد من تدفق الزوار، ودفع لبنان ثمن تبعية حزب الله وقيادات الشيعة لإيران، ولم تبدر جرأة من السلطات في فحص المصابين القادمين من إيران، وبدأت إيران تدفع خسائر ضخمة جراء إغلاق دول الجوار إغلاق الحدود البرية معها وتوقف حركة النقل معها، ويضيف ذلك صعوبات إضافية للحصار الخانق المضروب حولها مع تبخر وتضاؤل موارد ضخمة تأتيها من السياحة الدينية.


في أوروبا وبسبب عدم التعامل الجدي والسريع مع الأزمة وتباين السياسات الحزبية والبيروقراطية الحكومية فيها، غدت إيطاليا البؤرة الأوروبية الحمراء المصدرة لكورونا، وظهرت عقبات أمام إغلاق بعض المدن الإيطالية أو مراقبة وإغلاق مؤقت لحدود منطقة شينغين لما قد يثيره ذلك من حساسيات وحسابات سياسية.


حقيقة كورونا

هولت وسائل الإعلام المختلفة من حقيقة وأخطار كورونا، ومع ظهور وقائع تؤكد تلك المخاوف بالفعل من تزايد مطرد لأعداد الضحايا وإغلاق للمدن وتقييد واسع لحركة النقل والسياحة والأنشطة الاجتماعية والدينية، يفترض عدم الاستهانة بالفيروس الجديد وإمكانية تحوله لوباء قاتل لا يمكن السيطرة عليه، لكن علينا أن نعلم أن كورونا هو أحد فيروسات الزكام المطورة، ولا تزال أرقام ضحاياه متواضعة مقارنة بالزكام العادي الذي يفتك بملايين البشر سنوياً بصمت ودون ضجيج.


المريب في قصة كورونا

الغريب في معمعة انتشار كورونا أمران خطيران لم يظهر تفسير لهما بعد، الأول وجود مركز أبحاث في البؤرة نفسها مدينة ووهان الصينية، كان يجري أبحاث حول القردة لتطوير لقاح لكورونا.

والثاني حول سبب إخفاء السلطات الصينية اكتشاف طبيب صيني للفيروس وعدم الإعلان عن ذلك قبل وفاة الطبيب بتأثير الفيروس نفسه، وفوق ذلك التأخر في اتخاذ إجراءات العزل والمراقبة وإبلاغ الدول الأخرى بحقيقة ما يجري لاتخاذ إجراءات الوقاية اللازمة.


وماذا بعد كورونا ؟

كشف فيروس كورونا المتواضع استمرار الضعف البشري رغم كل التقدم العلمي الذي أحرزه، ورغم تطور هائل في إمكانيات البحث والتكهن بالمستقبل، لكن الحياة البشرية على ظهر الأرض لا زالت معرضة للكثير من التهديدات والمخاطر الغامضة.

سيخلّف كورونا للأسف المزيد من الضحايا، كما سيخلق العديد من الأزمات الاجتماعية والكوارث الاقتصادية، لكن القضاء على الوباء لن يكون صعباً أو مستحيلاً، وقد تغلّب الإنسان منذ استعماره الأرض على أوبئة أشد خطراً وفتكاً من كورونا.


ليفانت - عماد غليون

العلامات

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!