-
المرشد و العميان.. من الإخوان إلى إيران
جملة من التشابهات والمشتركات الأيديولوجية، جمعت بين جماعة الإخوان المسلمين وشيعة إيران، حيث تأثر الإسلام السياسي في إيران بحسن البنا وسيد قطب والمودودي وغيرهم، كما انعكست الثورة الإيرانية على نهج ومسارات جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة.
تاريخياً، يوجد تقارب بين جماعة الإخوان ونظام الملالي، فعلى صعيد المسميات لا بد أن نتوقف عند كلمة مرشد، فلها تاريخ قديم مشترك، وتعني "الدليل"، استخدمها الطرفان كلقب ديني يشير إلى من يقوم بتوجيه العميان الذين يمشون في التيه، ولا يفرقون بين النور والضلال، فيمسك بيدهم المرشد إلى طريق الحقّ، لذا وجب على الضالين الالتزام بالطاعة المطلقة للمرشد ليتم خلاصهم، ولعل أشهر مقولة في أدبيات الإخوان حول مكانة المرشد تقول: "أنا بين يدي المرشد كالميت بين يدي من يغسله يقلبني كيف يشاء"، وقد فرغ الإخوان وقادة إيران الدينيين الكلمة من مدلولها الديني، حتى تجاوزت الوعظ الديني، إلى الانقياد التام للمرشد، وتعلقت أهداف الجماعة في قرار فرد واحد، على حساب كلّ شيء آخر بما فيها الوطن، وهنا نتذكر مقولة سيد قطب أبرز مفكري العنف لدى الإخوان: "ما الوطن إلا حفنة من تراب عفن"، ولا يختلف الأمر لدى شيعة إيران، فمع نجاح ثورتهم عام 1979 وإرساء نموذج المرشد الأعلى، وفق أطر وأدبيات الإخوان، سادت فكرة اللا دولة واللا وطن، ومن (الخميني إلى خامنئي)، لم يكن الوطن بمفهومه الجغرافي من ضمن اهتمامات المرشد بالمرة، بل كان الخميني يرى الوطنية صنماً وطاغوتاً مثلما يراها سيد قطب، فالطرفان يتفقان في فكرة القضاء على مفهوم الوطن الحدودي.
الحاكمية فكرة لها جذور واحدة بين الإخوان وشيعة إيران، عبر عنها آية الله الخميني في كتابه "الحكومة الإسلامية" عام ١٩٦٩، الذي وضع فيه أسس الحاكمية عند شيعة العصر الحديث، وفكرة الكتاب بالأساس مأخوذة من كتاب "معالم في الطريق"، لسيد قطب، لكنّ الخميني صاغها بما يتناسب مع عقيدة الشيعة الإمامية، كما تأثر الخميني في هذا الكتاب أيضاً بمؤسس الإخوان حسن البنا حينما تبنى وجهة نظر الأخير في أن يتولى السلطتين التنفيذية والتشريعية، فقهاء من أبناء الحركة، كما تأثر بسيد قطب أيضاً نواب صفوي، وهو رجل دين في الحوزة الشيعية في قم واسمه الحقيقي مجتبى ميرلوحي (1924-1955)، ولعب دوراً كبيراً في ربط الأصولية الشيعية بالحركات الأصولية الإسلامية الأخرى، كان شديد الإعجاب بفكرة التنظيم الخاص عند الإخوان، وقام بمحاكاته وأسس تنظيماً سرياً مسلحاً أسماه "فدائيي الإسلام"، مهمته اغتيال رجال الدولة للتعجيل بقيام الدولة الإسلامية المزعومة.
إنّ "التقارب بين الإخوان وشيعة إيران بدأ منذ العام ١٩٣٨؛ عندما جاء تقي الدين القمي إلى مصر، وتقابل مع حسن البنا، وعمل الاثنان على التقريب بين السنّة والشيعة والعديد من الأفكار المشتركة، فقد شكلت علاقات حسن البنا مع القادة الدينيين الإيرانيين، بذرة "الثوار" لاحقاً، من أمثال نواب صفوي، والذي دعاه سيد قطب إلى المؤتمر الإسلامي لتحرير القدس عام 1953، ووقتها خطب صفوي في جموع الإخوان منتقداً الزعيم المصري جمال عبد الناصر، فحمله الإخوان على الأعناق.
علي خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني الحالي، الذي دخل عالم السياسة عبر صفوي، هو الآخر أحد المعجبين بسيد قطب، وترجم للأخير كتاب "في ظلال القرآن" إلى الفارسية وبحسب وسائل إعلام إيرانية، كان خامنئي قد بدأ بترجمته في عام 1969 وانتهى من بعض أجزائه وهو في السجن، في عهد النظام الملكي السابق، وكان عمره آنذاك 30 عاماً، كما سبق أن ترجم لسيد قطب أيضاً في عام 1966 كتاب "المستقبل لهذا الدين"، وحمل الكتاب المترجم للفارسية عنوان "بيان ضد الحضارة الغربية"، كما ترجم "الإسلام ومشكلات الحضارة" من العربية إلى الفارسية، وفي المقدمة التي صاغها خامنئي، وصف سيد قطب بـ"المفكر المجاهد"، وأن كتبه تشكل خطوة على طريق إيضاح معالم الرسالة الإسلامية وليس خافياً أن آية الله الخميني بعد تسلمه السلطة، أصدر طابع بَرِيدِ عليه صورة سيد قطب، وأمر بتدريس نظريات وأفكار الأخير في مدارس الإعداد العقائدي بالحرس الثوري الإيراني.
كانت جماعة الإخوان في مصر أشد الداعمين للثورة الإيرانية وأول المرحّبين بها، وفور إعلان سقوط الشاه، وقدوم الخميني من ضاحية "نوفل لوشاتو" الباريسية إلى طهران، أرسل الإخوان وفداً للتهنئة، وذكر القيادي الإخواني يوسف ندا، في مقابلة تلفزيونية، أن ثالث طائرة هبطت في إيران بعد الثورة بعد طائرة الخميني هي طائرة وفد الإخوان، وعلى الفور أعلنت الجماعة عن تأسيس فرعها في إيران في نفس العام بموافقة الخميني شخصياً، وبعد وفاة الخميني، سنة 1989، نعته الجماعة، ووصفته ب"فقيد الإسلام الذي فجّر الثورة ضد الطغاة".
إبان ما عُرف بـأحداث "الربيع العربي" اضطرت جماعة الإخوان مؤقتاً إلى أن تقيد حجم علاقاتها وتعاونها مع إيران، خوفاً من موقف الولايات المتحدة التي لا ترضى عن سياسات إيران الخارجية، وبمجرد اشتداد الحراك السياسي في مصر، وتحديداً في 4 شباط/ فبراير2011، ألقى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي خطاباً علنياً باللغة العربية لأول مرة، حثّ فيه ثوار مصر على الاقتداء ب"حسن البنا"، مؤسس الإخوان في مغازلة إيرانية صريحة للجماعة تضمنت رغبة ضمنية بأن تصل الجماعة للسلطة في مصر، وعندما حدث هذا عام 2012، كان خامنئي من أوائل المهنئين بفوز محمد مرسي مرشح الجماعة في انتخابات الرئاسة، وفي شباط/فبراير 2012 زار الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد، القاهرة، وهي الزيارة الأولى لرئيس إيراني لمصر منذ اندلاع الثورة الإيرانية، وسارعت الجماعة برد الزيارة فقام محمد مرسي بزيارة إيران في 30 آب/ أغسطس 2012 وعادت الاتصالات العلنية الموسعة بين الطرفين، وحاول الإخوان في سنة حكمهم لمصر استنساخ تجربة الحرس الثوري الإيراني، باستبدال القوات المسلحة ومختلف الأجهزة الأمنية المصرية بحرس ثوري؛ مواز لأجهزة الدولة الوطنية لحماية نظام الإخوان، لكن أجهزة الأمن المصرية رصدت المخطط وتعاملت معه بما يجب.
يشترك الإخوان وشيعة إيران في النظرة التوسعية التي تتجاوز حدود الأوطان الجغرافية، بدافع حلم عودة الخلافة المزعومة باعتباره غاية الحراك السياسي، ولم يكن مصادفة أن يستولي الإخوان على الحكم في اليمن ثم يتسلم الحوثيون الموالون لإيران، العاصمة صنعاء، في ظروف مريبة، ولا يمكن إغفال دور الإخوان في العراق، في تمهيد الأجواء وتوفير الفرص لفرض كلمة إيران على الساحة العراقية، فأوهام التوسع ونشر الفكر الخاص هدفان مشتركان لنظام المرشد في الحالتين الإخوانية والإيرانية، فراحت إيران تستغل بؤر النزاعات والخلافات في منطقة الشرق الأوسط لتثبيت أقدام وكلائها، وتقويض نفوذ خصومها وهدفها إنشاء "حزام" موال لها متجاوز للحدود القومية، يمتد من إيران إلى سوريا ولبنان والعراق، كذلك فعل الإخوان في مصر، تاجروا بالدين وأثاروا القلاقل وصنعوا الفوضى، وفي الأخير سقطوا.
نستخلص أن استخدام الدين لتحقيق المصالح السياسية، ووهم السيطرة، والكفر بالأوطان، أفكار يشترك فيها الإخوان وأصحاب العمائم الإيرانية، لذا فهما متوافقان، وما يقال عن اختلاف في بعض المواقف لم يمنع من أن كلاهما يستخدم الآخر لتحقيق مصالحه، وفي سبيل المصلحة فإن الغاية تبرر الوسيلة عند كليهما.
ليفانت - حسام فاروق
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!