الوضع المظلم
الجمعة ٢٦ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
‎حرب الشعب الثورية.. ماذا بعد؟
فاضل محمد

يتداول مسؤولون في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مؤخراً مصطلح "حرب الشعب الثورية"، بالتزامن مع التهديدات التركية بشنّ غزو جديد على منطقتي تل رفعت في ريف حلب الشمالي ومنبج في شرق الفرات، بالإضافة إلى مناطق أخرى تحشد القوات التركية وفصائل من "الجيش الوطني السوري" الموالية لها بمحاذاتها في مدن الشمال السوري.
 
‎وعلى الرغم من تناول البعض مصطلح "حرب الشعب الثورية" على سبيل التهكم في وسائل التواصل الاجتماعي، بأنه إصدار جديد من سلسلة تسميات أطلقتها الإدارة الذاتية خلال سنوات وأثارت جدلاً واسعاً، وكانت أكثرها صيتاً "الإسلام الديمقراطي"، يأتي هذا في وقت اعتمده مسؤولون في الإدارة الذاتية ووسائل إعلامية كأحد أهم الشعارات في مواجهة الغزو التركي الجديد، إلا أنه يحمل في مضامينه رؤى مرحلة جديدة ستفرضها مجريات الأحداث في حال نفذ الأتراك تهديداتهم باجتياح المنطقة في الأيام المقبلة.
 
‎تسميات العمليات العسكرية

شهدت الحدود الشمالية السورية سيناريوهات عديدة لغزوات تركية مماثلة خلال السنوات المنصرمة، كانت بدايتها مع عملية "درع الفرات" التي أطلقتها في آب 2016 واحتلت خلالها مدن وبلدات جرابلس والراعي ودابق وإعزاز ومارع والباب، أما بالنسبة للمناطق الكردية التي تديرها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، فهذه الحرب إن وقعت ستكون الثالثة التي تجتاح المناطق الكردية التي عُرفت بتسميات دلالية من الجانبين: "مقاومة العصر" مقابل "غصن الزيتون".

لا شك أن تسمية أي عملية عسكرية قبل خوضها يهدف من ورائها المنفذ؛ لخلق انطباع إيجابي لدى المجتمع الدولي وإيحاء رمزي لما تشتهر بها المنطقة المستهدفة، وقد أطلقت القوات التركية على عمليتها في احتلال عفرين التي تشتهر بزراعة الزيتون إبان اجتياحها عام 2018 بـ "غضن الزيتون" الذي يرمز للسلام، بزعم أنها تسعى لإحلال السلام من وراء غزوها، في حين أسمت الإدارة الذاتية عمليتها العسكرية الدفاعية التي دامت نحو ثمانية وخمسين يوماً بمقاومة العصر، ويبدو أنها رمزت بذلك إلى المقاومة التي استمرت لقرابة شهرين في وجه ثاني أكبر قوة في حلف الناتو، وبمشاركة الآلاف من فصائل "الجيش الوطني السوري" الموالية لها.
 
‎النتيجة، عدا عن تهجير مئات الآلاف من العفرينيين من بلداتهم وقراهم، وعمليات التغيير الديمغرافي المستمرة على قدم وساق بدعم كويتي قطري، والتدمير الممنهج للآثار والمعالم الحضارية؛ فإن "غضن الزيتون" تسببت باقتلاع وإتلاف وإحراق عشرات الآلاف من أشجار الزيتون، ولم يبقَ منها إلا ذاك الغصن على رايات المجالس المحلية التابعة للاحتلال التركي يعلقونها في مكاتبهم.
 
‎"مقاومة الكرامة" مقابل "نبع السلام"

شن الاحتلال التركي هجوماً واسعاً في تشرين الأول عام 2019، على طول الشريط الحدودي الممتد بين مدينتي كري سبي/ تل أبيض وسري كانيه/ رأس العين، بمشاركة فصائل من "الجيش الوطني السوري" الموالية لها، وأسمت عمليتها حينها بـ "نبع السلام"، بعد أن فجرت ينابيع الدم في تلك المنطقة عبر استهدافها بالطائرات الحربية والمدافع الثقيلة، في حين أسمت قوات سوريا الديمقراطية عملياتها العسكرية بـ "مقاومة الكرامة".
 
‎النتيجة، أيضاً عدا عن تهجير عشرات الآلاف من السكان واحتلال المدينتين وتغيير التركيبة السكانية، فإن "نبع السلام" بحسب منظمة العفو الدولية قد "أبدت تجاهلاً مخزياً للحياة المدنية، وارتكبت انتهاكات جسيمة وجرائم حرب، بما في ذلك القتل المتعمد والهجمات غير القانونية التي أدت لقتل وجرح المدنيين".
 
‎"حرب الشعب الثورية" مقابل "؟؟؟"

تتبعاً لتداول مصطلح "حرب الشعب الثورية" يتبين أنه ليس بجديد وقد تم استخدامه من قبل، وذلك خلال تصريحات لسياسيين ومسؤولين عام 2021 في مناسبات عدة، إلا أنه قد تم تداوله مؤخراً بشكل مكثف وعلى عدة مستويات، منها من قبل مسؤولي الإدارة الذاتية، كما رفعه حزب الاتحاد الديمقراطي كشعار لعقد مؤتمره التاسع بعنوان "بروح حرب الشعب الثورية سندحر الاحتلال ونبني سوريا الديمقراطية"، والذي كان حاضراً في جملة قرارته الختامية بـ"العمل على تطوير وعي الدفاع الذاتي والاقتصاد المجتمعي وحرب الشعب الثورية لدى أعضاء الحزب والشعب، وتحرير الأراضي التي احتلتها الدولة التركية (عفرين وسري كانيه وكري سبي والمناطق السورية الأخرى)".
 
‎وأيضاً نراه في منتدى حواري لحزب سوريا المستقبل الذي كان من أبرز مخرجاته "تفعيل حرب الشعب الثورية"، كما أنه حاضر في مدينة الشدادي بريف دير الزور في اجتماع بعنوان "دور الشبيبة في حرب الشعب الثورية"، هذا عدا عن عشرات العناوين الإخبارية على المنصات تكون افتتاحيتها "حرب الشعب الثورية".
 
‎"حرب الوجود"

ومن خلال استقراء التصريحات والأخبار المتداولة في هذا الشأن يمكننا استخلاص مفهوم حرب الشعب الثورية من خلال مقتطفات كما وردت:

"حرب الشعب الثورية التي تهدف إلى تكاتف الشعوب والوقوف إلى جانب قواته العسكرية في كافة المحن، وقيامه بحماية مناطقه، وإن هذا المفهوم مترسخ لدى شعوب المنطقة وسيكون تطبيقه عملياً في حال حدوث أي طارئ في المنطقة".

"علينا أن نستعد للحرب وننظم أنفسنا وفق حرب الشعب الثورية مع القوات العسكرية، ونجابه العدو بطرق الحماية الذاتية والجوهرية".

"حرب الشعب الثورية الوحيدة والكفيلة بإحباط أي هجوم واحتلال لمناطقنا، لذا ينبغي تعزيز هذه الروح وتلاحم الشعب مع قواته المدافعة والتشبث بالأرض والبقاء صامدين مدافعين عنها ما سيكون نهاية للفاشية والاحتلال، وجعل كافة الساحات ساحات دفاع ومقاومة وسيكون هناك شكل جديد للمقاومة التي سوف تهزم الاحتلال".
 
‎"التأصيل والتنظير"

الحرب الشعبية، وتعرف بالحرب طويلة الأمد أو الحرب الشعبية الطويلة، هي استراتيجية عسكرية وضع أساسها ودعائمها الأساسية الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، وقد تم استخدام مبادئها للمرة الأولى في الحرب الأهلية في الصين بين القوميين والشيوعيين.
 
‎تعتمد الحرب الشعبية على ركائز متعددة أهمها الحفاظ على الدعم الشعبي للعناصر العسكرية واندماج القوات العسكرية بين الفئات الشعبية المساندة لها واستقطاب عناصر جديدة، وتتخذ أساليب متنوعة، مثل الحرب المتحركة وحرب العصابات، ومهمتها تأمين دعم السكان وجذب العدو إلى عمق الريف، حيث يتم نزف العدو عن طريق قوات صغيرة مؤلفة من بضع عشرات من المقاتلين.
 
‎ماذا بعد؟

في ضوء التعريفات السابقة لا يهمنا كثيراً ماذا ستسمي تركيا عمليتها العسكرية المقبلة في وقت اعتمدت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا "حرب الشعب الثورية" في مقابل الغزو الجديد، خاصة أن كل المؤشرات تدل على معركة شاملة في حال نفذت تركيا تهديداتها كما هو مفهوم من تصريحات المسؤولين، التي تزامنت مع إعلان حالة الطوارئ وتوجيه كافة المؤسسات للعمل على هذا الأساس.
 
‎أذكر أنه حينما تهجرنا من عفرين عام 2018 كان بعض الأصدقاء المقيمين في أوروبا يتواصلون معي للاطمئنان، وغالباً ما كانوا يطرحون السؤال المعتاد: أين هي وجهتك؟ كنت أجيبهم إلى كوباني، فيقولون هناك أيضا الخطر قائم دائماً فهي منطقة حدودية وفي أي لحظة يمكن أن تتعرض لعدوان مماثل، وبعد عام بالفعل وتحت ضغط التهديدات التركية المستمرة اضطررت وعائلتي للانتقال إلى قامشلي، وانتهى التهديد التركي حينها باحتلال سري كانية/ رأس العين وكري سبي/ تل أبيض.
 
‎عود على اتصالات الأصدقاء الذين ما انفكوا يسألون السؤال ذاته: أين هي وجهتك القادمة في حال تعرضت المنطقة لتهديد أو اجتياح أو غزو جديد؟ كنت أجيبهم على سبيل المزاح، أظن أن وجهتنا الأخيرة ستكون في جبال قنديل، نعود لعنوان المقال "حرب الشعب الثورية... ماذا بعد؟" يبدو أن الجواب على هذا السؤال جاء على لسان القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، حينما حذر تركيا بالقول: "لم يبقَ أمامنا مكان ننسحب إليه، ستكون معركة الشمال السوري أجمع ولن تبقى محدودة".
 
‎إذن.. ماذا بعد؟

الجواب: حرب الشعب الثورية.

التحقوا بالدورات التدريبية لتعلم فك وتركيب الكلاشينكوف.. ولا تنسوا الخضوع لدورة تدريبية مكثفة في الإسعافات الأولية عملاً بالتعميم رقم 7، الذي أصدرته هيئة الصحة الاثنين بتاريخ الـ 18 من تموز الجاري.
 

ليفانت - فاضل محمد

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!