الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • 30 يونيو.. الدوحة وأنقرة في معبد الإخوان المتهدّم

30 يونيو.. الدوحة وأنقرة في معبد الإخوان المتهدّم
رامي شفيق

من الصعوبة بمكان، تدقيق النظر فيما بين أحداث 25 كانون الثاني (يناير) العام 2011، و30 حزيران (يونيو) العام 2013 باعتبارها مجرد مسافة زمنية، تفصلها جملة من الأحداث السياسية، دون أن تحدد بمؤشرات حساسة ودقيقة طبيعة تلك الأحداث المفصلية التي مرت خلال تلك الفترة؛ إذ إن بعضها جاء تأسيساً وارتكازاً على وقائع مضت واستقرت، بينما أضحى ما بعدها نتيجة مباشرة لسياسة المد والجزر بين الدولة وتنظيمات الإسلام السياسي، وقد حاولت الأولى، دوماً، الحفاظ على المؤسسات الوطنية من تغول تلك التنظيمات والجماعات "الفئوية" و"الطائفية" داخلها، ومن ثم، تطويعها لحساباتها السياسية، المحلية والإقليمية.


ويضاف إلى ذلك، أحداث أخرى جاءت استجابة لرؤى وترتيبات إقليمية ودولية تضغط بوتيرة منتظمة باتجاه الشرق الأوسط، في محاولة لإيجاد نظام جديد، بدت بعض ملامحه في طور التشكل عقب الحرب على العراق، العام 2003، والتي تستحق وصف "بوابة الصراعات على الطاقة والثروة في الشرق الأوسط"، الأمر الذي بات يتضح ويتكشف غموضه، مؤخراً.


وبنفس الدرجة، اتضحت الأدوار الوظيفية التي تؤديها جماعات ودول في سبيل تحقيق ذلك؛ إذ كانت الاستراتيجية القديمة تقوم على أن اتبوأ قوى "الاسلام المعتدل"، حسبما صنفتها بعض القوى والأنظمة الغربية، القيادة في حزام مصادر ثروات المستقبل، ومنها ما يمكننا النظر إليه من خلال ردة الفعل لقوى اقليمية، قد خاب ظنها وتوقعها في مخطط جر المنطقة لتفتيت تصور الدولة الوطنية، بفضل النزاع الممتد بين جغرافيا ساخنة وبؤر صراع متعددة.


ومن خلال ذلك، يمكننا قراءة مساحة العداء والصراع المتشنج من جانب تلك القوى الإقليمية، ممثلة في أنقرة والدوحة، ضد القاهرة، بعدما قامت الأخيرة بوضع تصور مختلف للحفاظ على استقرارها الداخلي، وكذا، الأمن الإقليمي والعربي، مستفيدة من تموضعها المهم في محيطها العربي والدولي بجانب أهميتها الجيوسياسية، وعليه، دشنت الدولة المصرية طريقها الصعب نحو الحفاظ على مؤسسات الدولة المصرية، في سبيل إدارتها السياسية للأوضاع المختلفة، وتحت وطأة التعقيدات الأمنية بالإقليم، والتهديدات المستمرة للتنظيمات المسلحة والجماعات المتطرفة، ما خلق صراعاً حيوياً بين رؤيتين وتحالفين ليس بينهما تطابق إنما صراع وتنافس.


إذا كان من المستقر لدى نفر من الباحثين بأن العقد الذي سبق ثورات ماعرف بـ"الربيع العربي" جرى التخطيط فيه على تمركز تنظيمات الاسلام السياسي محل نظم سياسية في القاهرة ودمشق وطرابلس وتونس وصنعاء بجانب الخرطوم وأنقرة وتنظيم حماس في فلسطين، فإنه يبدو واضحاً مدى الصدمة المدوية التي حلت في عقول المستفيدين، داخل دوائر الحكم في الدوحة وأنقرة جراء التحول الاستراتيجي الذي جاء مع ثورة 30 حزيران (يونيه)، ومدى تداعياتها العنيفة على خطط المنطقة وسردياتها الجيوستراتيجية في المستقبل، علاوة على تشكل ملامح التحالفات والصراعات التي ستقوم بناء على ذلك المتغير.


ثمة متابعة بسيطة للموقف التركي بدءاً من اندلاع مظاهرات يناير 2011، و30 يونيه 2013، تدرك من خلالها أن انقرة قد اصابها هلع من خسارة حليف استراتيجي في اطار رؤيتها المزعومة لقيادة الشرق الاوسط "الجديد"، وذلك من خلال بناء خيوط تواصل وحركات الاسلام السياسي في العواصم العربية التي شهدت تغييرات في الأنظمة السياسية.


وإلى ذلك، انطلقت أنقرة، ورئيس وزرائها، آنذاك، رجب طيب اردوغان، نحو دعم نظام الإخوان المسلمين، سياسياً واقتصاديا، بغية ان تضحى القاهرة بكل ما تحمله قيمة وأهمية تتصل بموقعها الاستراتيجي وأهميتها السياسية، عربياً وافريقياً، قاعدة استراتيجية للمشروع الأردوغاني، وجسراً للعثمانية الجديدة، صوب المنطقتين العربية والإفريقية.


قراءة التحركات التركية في الشرق الاوسط، خلال الأعوام القليلة الماضية، على خريطة المشهد الليبي، والصراع الدائر بين الجيش الوطني الليبي، وميلشيات حكومة الوفاق، المدعومة من أردوغان، بالإضافة إلى انخراطها العسكري في سوريا، والاتصالات الدائرة مع حركة النهضة في تونس ، ثم استجابة الخرطوم إبان حكم البشير لتصورات واوهام اردوغان، لا يمكن فصلها عن التطورات التي لحقت في الداخل التركي وتحول النظام السياسي إلى النمط الرئاسي، مما يظهر أن ذلك كله يتصل ويرتبط على نحو مباشر بتصورات أردوغان لقيادة الشرق الأوسط، من خلال حزب العدالة والتنمية الذي ارتبط نشأته وخروجه نحو العلن بتصورات الولايات المتحدة الامريكية لوضع أنقرة الوظيفي أمام طموحات موسكو، ومحاصرة طهران بعدد من تنظيمات الإسلام السياسي، والتي تقف عقائدياً وأيدولوجيا في مقابل المذهب الشيعي.


وبالتبعية، تحقق عدة أغراض سياسية مباشرة، تتمثل في ترويض طهران، ووضع أنقرة لمجابهة موسكو حول ثروات شرق المتوسط، بالإضافة إلى إحكام قبضتها على مسارات الجغرافيا وسوائل الطاقة نحو أوروبا والعالم، وذلك بناء على تصور متطور لحلف بغداد الذي تصادف أن كانت أنقرة رأس الحربة فيه للعب الدور ذاته، ومواجهة القاهرة خلال خمسينات القرن الماضي .


لم يكن المسار الذي حدده محمد مرسي، المرشح المحتمل لمنصب رئيس الجمهورية، في انتخابات العام 2012، بعيدة عن المحددات التي طالما اتبعتها جماعة الاخوان المسلمين باعتبارها تتحرك دوما خارج إطار الجماعة الوطنية، وبعيدة عن مسارات مصلحة البلاد ووحدة أهدافها الوطنية والاستراتيجية داخلياً واقليمياً ودولياً.


وعلى خلفية ذلك، استجابت الجماعة الأيدولوجية لدورها المستمر تجاه دولة الإيواء والرعاية، سواء الدوحة أو أنقرة، بغض النظر عن مصالح الوطن، فكانت الحليف الرئيس لهما، بينما انخرطت في خصومة مع الرياض وأبوظبي، ومن خلال المنصات الإعلامية في تركيا وقطر،بثت يومياً ساعات من الأكاذيب والدعاية السياسية التحريضية والمضادة التي تتصور أن لها القدرة على حلحلة النظام، ووضع القاهرة دوماً في خانة الهجوم والإدانة، من خلال تركيز آلة الضغط الاعلامية.


ورغم الدعم الذي قدمته أنقرة والدوحة لتنظيم الإخوان المسلمين، وحقيقة اعتبار حزب العدالة والتنمية أحد أذرع تنظيمات الإسلام السياسي، غير أن هدف أردوغان الرئيس من ذلك الدعم، يتجاوز منطق الأيديولوجيا، ووحدة العقيدة، والالتزام الحزبي، إنما يتمركز حول المصالح التركية في الشرق الاوسط، وولوج مقعد القيادة الذي يؤهله لتحسين شروط التفاوض وهامش المناورة مع القوى الدولية.


وواقع الحال في مصر، خلال العام 2012، يرجح منذ اللحظة الأولى لإعلان فوز مرشح الإخوان، محمد مرسي، بمنصب الرئيس، بأن الرجل يخط بنفسه مسار نهايته واأن لحظات حكمه ستكون أقصر مما يتوقع الجميع، خاصة، عندما استجاب لنموذج أردوغان وحزب العدالة والتنمية في إطار سياسات حكمه المحلية، وطريقة الحوار مع القوى السياسية، ما ادى إلى حالة الصدام وإنسداد الأفق السياسي خلال حكم الإخوان.


وقد بعث مرسي جملة من الشكوك في نفوس القوى السياسية والمدنية، عندما أقسم يمين الولاء أمام أنصاره في ميدان التحرير، وكأن ثمة تنحية وفصل وعزل للمواطنين على الأساس الحزبي والطائفي، بالمعنى السياسي والاجتماعي، حسبما تتوافق وأدبيات الجماعة الأيدولوجية، بينما ظهر أمامهم في نشوة ساذجة وهو يكشف ملابسه دون واق للرصاص. وهكذا مضت الأمور خلال عام واحد لتضع عنوان النهاية  لحكم الإخوان في مصر حتى وإن بذلت انقرة والدوحة أقصى طاقاتها في دعم الجماعة.


رامي شفيق

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!