الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
إشارات دولية
طه جديد 3

"أستانة -14" رسائل مبطنة للنظام وتباين مع المجتمع الدولي في ملف المعتقلين

جاء الإعلان عن عقد لقاء "أستانة 14" في ظل غياب ملفات طارئة تتطلب عقده لبحثها، ربما باستثناء الوضع في إدلب، المنطقة الأخيرة التي لم يستعد النظام السوري السيطرة عليها، من 4 مناطق خفض تصعيد، تم الإعلان عن اقامتها خلال "استانة 4" (3-4 أيار 2017). وإلى جانب إدلب يبقى عالقا ملف المعتقلين. وسعت روسيا لبحث الملفات السياسية مجددا، وهو ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في تصريحات يوم 6 كانون الأول، قال فيها إن "اللقاء المرتقب في أستانة سيبحث تنفيذ اتفاق خفض التصعيد، والانتهاء من القضاء على بقايا الجماعات الإرهابية، فضلا عن المسائل الإنسانية، و تبادل الأسرى والمعتقلين"، وأضاف: "وبالطبع سيجري بحث العملية السياسية". وقبل ذلك نقلت وكالة "تاس" في خبر نشرته يوم 29 تشرين الثاني، عن مصدر روسي تأكيده توجيه الدعوة لأعضاء من قائمة النظام السوري في اللجنة الدستورية، بينهم رئيس القائمة أحمد الكزبري للمشاركة في لقاء أستانة، وأشارت إلى أن المبعوث الدولي غير بيدرسون سيشارك أيضاً في اللقاء.


"أستانة 14" يتمسك بالتفاهمات التركية - الروسية حول إدلب

ومع أن البيان الختامي عن "أستانة 14" لم يتضمن اي إشارة إلى تفاهمات جديدة توصلت إليها الأطراف خلال المحادثات في أستانة حول أي من تلك الملفات "إدلب-المعتقلين- العملية السياسية"، إلا أن فقراته بدت وكأنها "رسائل موجهة للنظام السوري"، لاسيما في ما يخص إدلب والعملية السياسية، فضلا عن تلميحات "دولية" حول مسؤوليته عن فشل الجولة الثانية من عمل اللجنة الدستورية المصغرة. بداية بالنسبة لإدلب، التي يروج النظام لاقتراب معركة واسعة لاستعادة السيطرة عليها. في هذا الشأن عبرت الدول الضامنة عن رؤية مغايرة تدل على رفضها إطلاق مثل تلك المعركة، خلال فترة قريبة على الأقل، وتمسكت بالتفاهمات التركية-الروسية بهذا الصدد، وأكدت في البيان الختامي على "ضرورة تحقيق التهدئة على أرض الواقع من خلال التنفيذ الكامل لجميع الاتفاقات المتعلقة بإدلب، وأولاً وقبل كل شيء مذكره 17 أيلول 2018".


ويعود التمسك الروسي بالتفاهمات مع تركيا حول إدلب إلى الحرص على عدم تعكير أجواء العلاقات معها، وبصورة خاصة في هذه المرحلة، لا سيما وأن البلدين مقبلان على "فعاليات تاريخية"، حيث يفترض أن يقوم الرئيسان التركي رجب طيب إدروغان، والروسي فلاديمير بوتين بتدشين شبكة أنابيب غاز "السيل التركي" في 8 كانون الثاني القادم. هذا فضلا عن أسباب أخرى تجبر روسيا على تجنب التصعيد عبر إدلب مع تركيا، بينها الرغبة بالحفاظ على التقارب الروسي-التركي في ظل "جفاء" بين أنقرة والحلفاء الاستراتيجين في الناتو، ولضمان استمرار التنسيق بشأن الوضع شمال-شرق سوريا، لاسيما مع بروز معطيات حول بدء التنسيق بينهما في الملف الليبي، وغيرها من أسباب. وعليه يبدو أن خطط موسكو لإدلب خلال المرحلة القريبة القادمة، لا تتوافق مع رغبات النظام السوري، الذي لن يغامر بدخول معركة كبيرة كهذه دون دعم روسي مناسب.


إشارات "دولية" من "أستانة" لمسؤولية النظام عن فشل "الدستورية"

انعقدت الجولة الأخيرة من مفاوضات "استانة" في العاصمة الكازاخية "نور سلطان" بعد ايام على فشل الجولة الثانية من أعمال اللجنة الدستورية في جنيف، نتيجة إصرار النظام السوري على جدول أعمال "سياسي". وتوقع كثيرون أن تعمل روسيا على بحث ملف الدستورية في أستانة، وما عزز هذا الاعتقاد تصريحات لافروف التي أكد فيها أن اللقاء سيتناول العملية السياسية، والأنباء المشار إليها سابقا حول مشاركة الكزبري وأعضاء وفد النظام للدستورية في "استانة 14". وبناء على التصريحات في ختام اليومين الأول والثاني من المحادثات، يبدو واضحا أن هذا الملف لم يتم بحثه، على الأقل لم يتناوله المشاركون بصورة يمكن معها الحديث عن انخراط "استانة" كلاعب رئيسي في "العملية الدستورية في جنيف". وربما جرى بحث هذا الأمر في إطار ثنائي، على مستوى المبعوث الدولي غير بيدرسون مع رؤساء وفود روسيا وتركيا وإيران.


في هذا الملف أيضاً يبدو أن البيان حمل رسائل إلى دمشق، وبينما عبر رأس النظام السوري بوضوح عن عدم اعترافة بالمفاوضات برعاية دولية في جنيف، بموجب القرارات الدولية، أكدت الدول الضامنة في البيان الختامي "التزامها بالمضي قدماً بعملية سياسية مستدامه ودائمة يقودها ويملكها السوريون، وتيسرها الأمم المتحدة، وفقاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2254"، و "شددت في هذا الصدد على أهمية تشكيل وعقد اللجنة الدستورية في جنيف". وكانت حريصة على التذكير بدورها، الذي لعبته في هذا الشأن بعد "تنسيق" مع النظام وموافقته على هذه الخطوة، واشارت إلى أن اللجنة بدأت أعمالها "نتيجة للمساهمة الحاسمة التي قدمها ضامنو آستانا، وتنفيذاً لمقررات مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي".


وجاءت الرسالة الأهم من "أستانة" إلى دمشق على لسان المبعوث الدولي غير بيدرسون، حين شدد على ضرورة مراعاة "اختصاصات" عمل اللجنة. ورأى مراقبون أن عبارته هذه "إشارة بدبلوماسية" إلى تمسك وفد النظام بشروط سياسية قبل بدء النقاش حول الدستور. وخلال تواجده في أستانة، قال بيدرسون في حوار مع وكالة "تاس" يوم 11 كانون الثاني، إن "الصعوبات التي واجهناها خلال الجلسة الثانية لا يمكن وصفها بأنها غير عادية"، لافتا إلى أن العملية لا تزال في بدايتها ووصفها "هشة"، وشدد على أنه "من المهم مراعاة الاختصاصات المتفق عليها (لعمل) للجنة الدستورية ، لأن هذا سيكون له آثار مهمة لزيادة دفع العملية". وربط استئناف عمل اللجنة باحترام اختصاصاتها، وقال: "بمجرد إحراز تقدم ملموس في الاتفاق على جدول أعمال ضمن اختصاصات اللجنة، سأعلن عن موعد اجتماعها القادم".


بيدرسون لا يتفق مع رؤية "استانة" لملف المعتقلين

لعل ملف المعتقلين، الوحيد الذي كان يفترض بحثه بشكل أوسع، مع الحرص على نتائج ملموسة فيه، يمكن تحقيقها لو مارست روسيا الضغط كما يجب على النظام السوري. من جانب آخر كان بوسع النظام السوري المساهمة في "انجاز روسي" بهذا الشأن، لو أبدى بعض الليونية، واعترف بوجود عشرات آلاف المعتقلين في سجونه. إلا أن هذا مستحيل بالنسبة له، لأنه يعني اعترافه رسميا بجرائم في السجون وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. كما أن هذا الأمر قد لا يناسب روسيا التي تحاول حتى الآن "إعادة تأهيل النظام"، وطبيعي أن تتفادى أي خطوة تضعها في موقع من يحاول "إعادة تأهيل نظام حكم مجرم". تعقيدات هذا الملف وخلفية مواقف الأطراف منه برزت في بيان "أستانة 14" الختامي، الذي نظر إلى هذه القضية من زاوية "تبادل أسرى ومحتجزين بين الطرفين"، متجاهلا حقيقة وجود عشرات الآلاف من الأبرياء في سجون النظام السوري، وأن الحديث يدور حول ضرورة إطلاق سراحهم، ومحاسبة من ارتبكوا جرائم بحقهم، وليس حول "تبادل اسرى" بين "طرفين متحاربين".


وبرز خلال "استانة 14" جليا التباين الكبير بين نظرة دمشق وموسكو والنظرة الدولية لملف المعتقلين. واشار المبعوث الدولي بيدرسون في تصريحاته من "نور سلطان" إلى أن "عدد الأشخاص المحتجزين والمختطفين والمفقودين في سوريا يصل إلى عشرات الآلاف، وعائلاتهم تعاني من ألم وحزن لا يوصفان"، وأكد في حواره مع وكالة "تاس" أن ملف المعتقلين "كان ضمن أولوياتي الرئيسية منذ أن بدأت عملي (مبعوثا دوليا للأزمة السورية) ". وأكد "منذ البداية كنت أدعو دوما إلى إطلاق سراح أحادي الجانب للمعتقلين والمختطفين، لاسيما الأطفال والنساء، والكشف عن مصير المفقودين"، وعبر عن استيائه الشديد لعدم تحقيق تقدم ملموس في هذا الملف.

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!