الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • الإخوان المسلمون في سوريا..رحلتهم المشبوهة نحو السلطة..(الجزء الأول) ؟

الإخوان المسلمون في سوريا..رحلتهم المشبوهة نحو السلطة..(الجزء الأول) ؟
عبد الناصر الحسين

إنَّ المدقِّق في مسيرة «الإخوان المسلمين» السوريين منذ نشأتهم حتى الآن يجد أنهم كانوا بطريقةٍ أو بأخرى مشروعًا يسعى للسلطة والهيمنة وبكل الوسائل المتاحة، حتى جعلوا سوريا بؤرة ومرتعاً لكل صنوف الجماعات والأفكار الإرهابية التي تتستر بالدين، تلك الأفكار بحسب كثير من المهتمين بدراسات الإسلام السياسي، خرجت من عباءة الإخوان المسلمين، وبهذه الأفكار التكفيرية كان للإخوان السوريين السبق في التأصيل للعنف وممارسته بتشكيل الميليشيات المسلحة، ليشكل إخوان سوريا اليوم إجهاضاً جديداً للثورة السورية.




تعد سوريا من أولى الدول العربية التي انتشرت بها أفكار جماعة «الإخوان المسلمين»، تعود النشأة الأولى إلى عام 1936، وكانت لدعوة الإخوان تشكيلاتها غير المرخص بها عام 1936، بالإضافة إلى مراكز اتصالات مع الجماعة الأم في مصر ضمن نطاق محدود، وفي 1937 أسس في «حلب» أول مركز مرخص للجماعة، لتبدأ الاتصالات بين «الإخوان المسلمين» في مصر والمرشد العام «حسن البنا».




اعتمد الإخوان أربع شعب في سورية، وهي شعبة «دمشق» ومندوبها «الشيخ عبد الحكيم المنير الحسيني»، وشعبة «دير الزور» ومندوبها «محمد سعيد العرفي»، وشعبة «حيفا» ومندوبها «محمود أفندي عزت النحلي»، وشعبة «حلب» ومندوبها «الشيخ محمد جميل العقاد».




قاموا بتأسيس أول مركز مرخص للجماعة في حلب تحت اسم: «دار الأرقم»، وكان من أبرز المؤسسين «عمر الأميري»، و«عبدالقادر السبسبي»، و«أحمد بنقسلي»، و«فؤاد القسطل»، و«عبد الوهاب التونجي»، و«سامي الأصيل». وفي «حمص» أُسست «جمعية الرابطة الدينية»، وكان سكرتيرها العام الدكتور «مصطفى السباعي» وفي 1939 أُسست في حماة جمعية «الإخوان المسلمون»، وكان من أبرز مؤسسيها «الشيخ محمد الحامد الحموي»، وكان يرتبط بعلاقة قوية مع المؤسس «حسن البنا».




وفي عام 1943 عُقد مؤتمر رابع في «حمص»، اشترك فيه ممثلو المراكز في «سورية ولبنان»، وأقر بقاء «دار الأرقم» في «حلب» مركزاً رئيسياً، واتخذ قرارات شبه عسكرية، وهى إحداث منظمتي «السرايا والفتوة» في كل مركز، والعناية بالناحيتين الرياضية والاقتصادية إلى جانب النواحي الثقافية والاجتماعية والأخلاقية والقضايا الإسلامية والعربية العامة. وسرعان ما حاولت الجماعة فرض إرادتها على الدولة السورية بمخاطبة وزير المعارف في الجمهورية السورية بمناسبة انعقاد لجنة الأهداف في مجلس المعارف الكبير، بأن يتم الاهتمام بدروس الدين في جميع المدارس ومدرسيها وتدريس التاريخ الإسلامي والقرآن مع العناية بتفسيره، وتأمين الوقت الكافي لإقامة الشعائر الدينية، ومضاعفة دروس الأخلاق وتدبير المنزل في مدارس البنات.




وفي صيف 1944م انتدب قسم الاتصال بالعالم الإسلامي «عبد الرحمن الساعاتي» و«عبد الحكيم عابدين» لزيارة الأقطار العربية بالشام والعراق، بهدف توحيد العمل بينها، وفي هذه الفترة ازدادت الاتصالات بين إخوان مصر وإخوان سوريا، وتم تبادل الزيارات والوفود والبعثات التي استفادت كثيراً في توحيد أساليب العمل، وتنسيق وجهات النظر العامة والخاصة، حتى أصبحت دعوة الإخوان في مصر دعامة معنوية عظيمة للإخوان في سوريا ولبنان.




في نوفمبر 1945عقدت فروع الإخوان في الشام مؤتمرها الخامس في حلب، وقررت إلغاء المركز الرئيسي بها، وتأليف لجنة مركزية عليا في دمشق مشكّلة من ممثل عن كل مركز أو جمعية، واتخذت لها مكتباً دائماً، وجعلت على رأس هذه اللجنة «مراقباً عاماً»، هو الشيخ «مصطفى السباعي»، ليكون بذلك أول مراقب عام للإخوان في سورية. وبعد هذا المؤمر دخلت دعوة الإخوان في سورية ولبنان مرحلة تنظيمية جديدة اتسمت بالتوحد من خلال مؤسساتها التنظيمية الأسرة والكتيبة ومنبر الجمعة والكتاب الإسلامي، و«جريدة المنار» السياسيّة اليوميّة عام 1946. و من خلال عدة مؤسسات ومنظمات تم إنشاؤها في كل مركز وارتبطت تلك المنظمات معاً برباط واحد، وهو التنظيم العام للإخوان في سورية، ومن أبرز المؤسسات التي شكلتها الجماعة:




• منظمة الفتوة: وكانت مؤلفة من جميع مراكز الجماعة وتقوم بتدريب الشباب تدريباً عسكرياً، وتبث فيهم روح الجندية والطاعة للجماعة لتمثل بذلك الجناح العسكري للجماعة في سورية.




• منظمة السرايا: وهي منظمة اجتماعية أخلاقية انفرد بها مركز حلب، وتجمع الفئات المختلفة من الطلاب وأرباب الأعمال والعمال، وتبث فيهم روح التنظيم، وتهيّئهم لتلقي الدعوة التي تدعو إليها الجماعة.




• لجنة الإسعاف الطبي: وكانت تعمل على توفير الرعاية الصحية للفقراء من المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة، وتقدم بعض الرواتب أو الإعانات النقدية والعينية، وذلك من أموال الزكاة، والصدقات، والتبرعات وغيرها.




في عام 1947 قرّر الإخوان خوض الانتخابات السورية بأربعة مرشحين فاز منهم: «الشيخ معروف الدواليبي» عن حلب، و«محمود الشقفة» عن حماه، و«محمد المبارك» عن دمشق، وعقب انقلاب «العقيد سامي الحناوي» أُجريت انتخابات نيابيّة فاز الإخوان فيها بعشرة مقاعد، وشكّلوا مع حلفائهم كتلة برلمانيّة كان لها تأثير كبير في بسط نفوذ الجماعة على النقابات العماليّة والحرفيّة، وسرعان ما غزت الجماعة مجال التعليم وقاموا بإنشاء عدد من المعاهد والمدارس في المدن السورية ، واستعانوا بعدد من المعلمين والمدرّسين الإخوان تحت مسمى «المدارس الليليّة». وبعد حل جماعة الإخوان في مصر واعتقال قادتهم واغتيال «حسن البنا»- 1948- عمل الإخوان على مبايعة الدكتور «مصطفى السباعي» ليكون مرشداً عاماً، غير أنه رفض قائلاً: إن مصر بها رجال يستطيعون تحمل هذا الأمر.




الإخوان وكعادتهم هادنوا السلطة فعقب انقلاب «حسني الزعيم» في 30/3/1949 في سورية حدد الإخوان موقفهم منه من خلال مذكرة رفعوها إليه في 9/4/1949 طالبوه فيها بالعمل بمبدأ «الشورى»، والإسراع بعودة الحياة الدستوريّة، وتطهير أجهزة الدولة من الفاسدين، وتقوية الإيمان ونشر الأخلاق، وتعبئة الأمّة لمواجهة الأخطار، والاهتمام بالجيش وتحصينه بالمثل العليا، وتوجيه الثقافة بما يتوافق ومواريث الأمّة، وتطوير نظام اقتصادي عادل.




حدث الأمر ذاته في الانقلاب الثاني في 14/8/1949 بقيادة «سامي الحناوي»، حيث شكلوا مع بعض الجماعات الإسلاميّة جبهة موحّدة خاضت الانتخابات تحت اسم: «الجبهة الاشتراكيّة الإسلاميّة»، وأعلنت في بيانها الانتخابي أنّها سوف تعمل لتحقيق الاشتراكيّة والعدالة الاجتماعيّة- التي دعا إليها الإسلام، وإلى توثيق الروابط بين الدول العربيّة، وحماية استقلالها ضدّ المؤامرات الإمبرياليّة. وضمّت قوائم الإخوان في دمشق وبقيّة المحافظات عدداً من الشخصيّات البارزة من المسلمين والمسيحيين، وفازت قائمة الجبهة في دمشق فوزاً كبيراً، وكانت النتائج خارج العاصمة مشجّعة، في حين فشل «عفلق وبكداش»، وتشكّلت حكومة برئاسة «خالد العظم» شارك الإخوان فيها بحقيبة الأشغال العامّة والمواصلات التي أسندت لـ«محمد المبارك»، الذي كان مرفأ اللاذقيّة في مقدمة إنجازاته، ليتقلد المبارك أربع وزارات، وخاضت الجماعة معركة شرسة ضد اليسار السوري، عند وضع الدستور الذي نص أنّ الإسلام دين الدولة لتنتهي المعركة بأن يتضمّن الدستور السوري ما يلي: "لمّا كانت غالبيّة الشعب تدين بالإسلام فإنّ الدولة تعلن استمساكها بالإسلام ومثله العليا".




وعقب الانقلاب العسكري الثالث في 18/12/1949 بقيادة العقيد «فوزي سلو»، والانقلاب الرابع في 29/11/1951 بقيادة العقيد«أديب الشيشكلي»، أصدر الشيشكلي قراراً بإغلاق مراكز الإخوان المسلمين في سوريّة في 17/1/1952 واعتقال قادتها في السجون، ومنع المظاهرت الطلابيّة، وأصدر مرسوماً حظر بموجبه على الطلاب ممارسة أي نشاط سياسي، ثم أصدر مرسوماً حلّ بموجبه جميع الأحزاب السياسيّة، تمهيداً لقيام الحزب الواحد، واستفتى الجمهور على الدستور، وأجرى انتخابات برلمانيّة شارك فيها 20 % من الناخبين.




وفى 24/2/1954 قام الرئيس «هاشم الأتاسي» بتمرد على الشيشكلي، وكان الإخوان في طليعة القوى السياسيّة التي أيّدت انقلاب الأتاسي، ودخل دمشق واستأنف سلطاته الدستوريّة كرئيس للجمهوريّة. ليعود الإخوان لممارسة نشاطهم بقوة، حيث عمل الدكتور مصطفى السباعي على توحيد الصفوف وتنظيم الإخوان في سورية حتى عام 1963، ليقفز «حزب البعث» إلى السّلطة من خلال انقلاب 1963 الذي شاركت فيه مجموعة اتجاهات سياسية اشتراكية وقوميّة.




عقب سيطرة «حافظ الأسد» على السّلطة في 1970، بدأ انحسار الإخوان فى سورية من خلال إقرار التّعليم المختلط وإلغاء المدارس الشّرعية الخاصّة، وتسليم إداراتها للحزبيين، ووقف تعيين خريجي كليّة الشريعة مدرّسين، وتغيير مناهج تعليم التربية الإسلامية، ونقل وتسريح أكثر من 500 مدرّس ثانوي وابتدائي دفعة واحدة من الإخوان وتمشيط لقطاع التّعليم وإخلائه من الإخوان والمتديّنين.


كاتب وصحفي سوري

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!