الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
الإعلام الهولندي: الأسد بطل وصاحب قرار وطني!
عبد القادر المنلا

لم تشغل القضية السورية حيزاً كبيراً في الإعلام الهولندي على الأقل في السنوات الثلاث الأخيرة، وقد ركزت المحطات التلفزيونية الرئيسية وعلى رأسها برنامج "نيوزأوور" (وهو أحد أهم البرامج السياسية على القناة الثانية الهولندية) خلال تلك الفترة على مجرد نقل الأخبار المتعلقة بسورية بطريقة محايدة، خاصة ما يتعلق بالأعمال العسكرية للنظام وحزب الله وإيران وروسيا، فلم تلجأ إلى تجريمها أو إدانتها أو اتخاذ موقف صريح منها باعتبارها جرائم حرب لا تقل عن تلك الجرائم التي ارتكبتها الجماعات الإسلامية، والتي كان البرنامج يتناولها بموقف واضح ضد الجريمة، ولكنه لم يكن يرى في جرائم النظام وداعميه سوى وجهات نظر سياسية.


فضلاً عن ذلك، بث التلفزيون الهولندي سلسلة تقارير متعددة عن سورية وعلى فترات متباعدة يتوافق معظمها مع خطة إعادة تأهيل الأسد وإن بشكل موارب.


غير أن عملية "نبع السلام" كشفت بشكل مباشر عما كان الإعلام الهولندي لا يقوله صراحة، فبعد صمت طويل، وبعد فترة كان فيها الخبر السوري ثانوياً حتى وإن كان الحدث كبيراً، خصص برنامج "نيوزأوور" خبره الرئيسي ومنذ اليوم الأول للحديث عن عملية "نبع السلام" ليس فقط لنقلها بالشكل المحايد كما كان يفعل مع التدخلات الروسية والإيرانية، وإنما لإدانتها مباشرة، وكرّس معظم ساعته الإخبارية اليومية وعلى مدار أيام العملية التركية لمتابعة وتحليل الحدث بهدف تجريم التدخل التركي في سورية بشكل مباشر، وتلك الإدانة يتوافق عليها بالطبع كل وطني سوري يرفض كل أنواع الاحتلالات من أية جهة كانت.


غير أن البرنامج المذكور وجد في العملية التركية وحدها ما يستحق الإدانة المباشرة، ووجد في أردوغان الرئيس الوحيد الذي ينتهك سيادة سورية.


ربما كان من المضحك فعلاً أن يجعل البرنامج من فكرة خرق السيادة السورية مدخلاً لإدانة العملية التركية، ولكن الأخطر من ذلك هو تكثيف الحوارات والتقارير والتحليلات على فكرة الهجوم التركي على الفصائل الكردية التي ساهمت مساهمة كبيرة في التخلص من داعش، على حد وصف البرنامج، كل اهتمام البرنامج وعلى مدار أيام المتابعة كان يتركز على إيصال هذه الرسالة وحدها، أما دور هذه الفصائل في المشهد السوري بشكل عام، وعلاقة تلك الفصائل بالقضية السورية وبالأكراد أنفسهم، وحالة العداء التاريخية بين تركيا والأحزاب الكردية المناوئة لها، فلم تكن محط اهتمام كبير في البرنامج، حيث كان الهدف الأعلى هو تكريس تلك الفصائل على اعتبارها حليفة الغرب في قتال داعش، ولا شيء أكثر، ومن هنا فإن هجوم أردوغان عليها يعد هجوماً على الغرب نفسه عبر استهداف الحليف.


غير أن كل تلك التفاصيل ستبدو بلا قيمة مقارنة بالقنبلة الإعلامية التي فجرها البرنامج حين تناول موقف الأسد من العملية التركية، وأفرد تقريراً تناول فيه قرار الأسد بالتدخل السريع لوقف العملية التركية وإنقاذ الأكراد من مخالب أردوغان، وأنه سارع بإرسال قواته إلى المنطقة التي تستهدفها العملية التركية، دون الإشارة إلى الهيمنة الروسية على القرار السوري، وأن المقاتلين الأكراد الفارين من العملية العسكرية التركية يهربون إلى مناطق سيطرة النظام باعتبارها مناطق آمنة بالنسبة لهم، لم يتوقف التقرير ولا التحليلات المرافقة له عند علاقة الأسد بالأكراد ولا عند قضية اضطهاده لهم ومعاناتهم التاريخية من نظامه، قبل الثورة وأثناءها، كل تلك التفاصيل أهملتها الحملة الإعلامية التي نستطيع القول ببساطة أنها كانت دعائية واستهدفت إبراز الأسد ليس فقط كرئيس شرعي يمكن التعامل معه بعد إعادة تدويره، وإنما كبطل مخلص حريص على أرضه وشعبه، وأنه يمتلك القرار والقوة للوقوف في وجه تركيا، كما أنه شريك للغرب في محاربة داعش وخصومة أردوغان وحماية للأكراد في وقت واحد.


ربما وجدها الإعلام الهولندي فرصة للهجوم على أردوغان، أكثر مما هو دفاع عن الأكراد، فموقف هولندا من أردوغان لا يختلف عن الموقف الأوروبي عموماً بل ربما لا يختلف عن موقف الكثير من السوريين الذين يجدون في الرئيس التركي أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار الكارثة السورية بسبب متاجرته بالقضية السورية وإخلاله بكل التعهدات التي قطعها على نفسه منذ اللحظة التي صرّح فيها عن أنه لن يسمح بحماة ثانية، وصولاً إلى قطعه الحبل بالسوريين وهم في منتصف البئر، وإغلاق حدوده في وجههم وارتكاب الكثير من جرائم القتل على الحدود بحق الهاربين من سورية، وكذلك ممارسات حكومته ضد السوريين المقيمين في تركيا، ولكن كل ذلك لا يبرر النظر بعين واحدة للوقائع المتشابكة، ولا يبرر للإعلام الأوروبي عموماً طي ملف جرائم الأسد وحلفائه بدلالة جرائم الآخرين.


كاتب وممثل ومخرج سوري

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!