-
الانتخابات البرلمانيّة اللبنانيّة.. عودة أم سقوط؟
تعتبر الانتخابات النيابية اللبنانية القادمة، من وجهة نظر المراقبين، مخرجاً من أجل إحداث تغيير في لبنان عبر الوسائل والأساليب الديمقراطية، وأن يعود لبنان إلى حضنه العربي باحترام الدستور واحترام سلطة النظام والقانون واستقلالية القضاء وسيادة الدولة، وكذلك الأعراف والقوانين الدولية، والمحافظة على علاقات لبنان بمحيطه العربي.
مما قد يغير هذا بعض الشيء في الواقع المأساوي الذي يعانيه لبنان الذي اختطفت سيادته كدولة بسبب حجم التباينات بين النخب السياسية والأحزاب الحاكمة فيه، إضافة إلى اختطاف مؤسسات الدولة بشكل شبه كامل من حزب الله الذي استطاع أن يوسّع دائرة نفوذه داخل هذه الدولة لمصلحة طهران ويعمّق من حجم المعاناة الإنسانية والاقتصادية غير المسبوقة في هذا البلد، الذي أصبح فيه أكثر من ثمانين في المئة من السكان تحت خط الفقر، حيث يلقي الكثير من اللبنانيين باللوم على الحزب في الجمود بشأن الإصلاحات والتحقيق في انفجار المرفأ الذي أسفر عن قتل 200 شخص وجرح 6000 وتخريب المؤسسات التجارية والفترة الطويلة التي استغرقها تشكيل الحكومة الأخيرة وترسانة الأسلحة والتي يمتلكها ويتذرّع الحزب والحكومة بأنها لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي للحدود اللبنانية الجنوبية.
ولاشك أنّ الطبقة السياسية تجد في المحطة الانتخابية فرصة لإعادة إنتاج ذاتها وينظر كثيرون إلى الانتخابات كفرصة لتحدّي السلطة مع دعوات سياسية ودينية لعدم مقاطعتها بالداخل، نتيجة مخاوف تتزايد من انفراد حزب الله بالسلطة، وخاصة بعد مقاطعة أنصار الرئيس سعد الحريري من أبناء الطائفة السنية لتلك الانتخابات، حتى الآن، ومن ثم توسيع عزلة لبنان ودخوله في نفق مرحلة لا العودة بسبب تجذّر السلطة والنظام السياسي القائم على المحاصصة وتحكّم النخب الطائفية بموارد هذه البلاد، وحالة الإحباط العام في البلاد، فقد تعيد هذه الانتخابات إنتاج السلطة ومنحها شرعية داخلية ودولية.
على سبيل المثال، يمكن للأغلبية التي يقودها حزب الله أن تزيد من تنفير دول الخليج التي كانت ذات يوم مستثمراً كبيراً في لبنان في العديد من المجالات، وكانت تواجه النفوذ الإيراني ومشروعاته التوسعيّة داخل هذا البلد، فبعد انتفاضة شعبية عارمة شهدها لبنان في خريف 2019 طالبت بتنحي تلك الطبقة السياسية وحمّلتها مسؤولية التدهور المالي والاقتصادي والفساد الذي خرب مؤسسات الدولة وتراجعت الاحتجاجات على إثر انهيار اقتصادي، وصفه البنك الدولي بأنه الأسوأ في العالم منذ 1850.
وزاد انفجار مرفأ بيروت المروّع في أغسطس 2020 الوضع سوءاً، وأثار غضب اللبنانيين بعد مقتل أكثر من مئتي شخص وإصابة الآلاف بجروح لتكشف التحقيقات الأولية أن الانفجار نتيجة إهمال وتخزين مواد خطرة من دون مراقبة مع عجز الدولة عن توفير أبسط الخدمات من ومحروقات وكهرباء وصحة، ولم تُقدِم السلطة على أي إجراءات ملموسة للتخفيف من معاناتهم، ويحصل ذلك في غياب توافق سياسي على أي إصلاحات جذرية للحصول على دعم دولي، وتأتي الانتخابات الآن وسط الطموحات العريضة بالتغيير.
ولعلّ إقبال المغتربين في الخارج على التصويت للمساهمة في تغيير واقع بلدهم أمراً إيجابياً وسط تنازع الكتل الانتخابية التابعة لحزب الله وحزب أمل والاتحاد الوطني الحر للفوز بالمقاعد النيابية واستخدام المزيد من أساليب الترهيب ضد المرشحين، فأحزاب السلطة تستخدم الأموال لاستقطاب الناخبين مستغلين حاجة الناس الذين هم بالأساس السبب فيها، وبدلاً من أن تكون هناك ندية فعلية في الانتخابات سمح انسحاب تيار المستقبل بتغوّل حزب الله وأنصاره، حيث يخدمهم امتناع الكثير من الطائفة السنية في تعزيز حظوظهم الانتخابية وحصد المقاعد.
ووفق تقرير للفايننشال تايمز البريطانية، فإنّه "مهما كانت النتيجة فمن المحتمل أن تستغرق مفاوضات تشكيل الحكومة وقتاً وسيكون التعافي الاقتصادي بطيئاً". إضافة إلى أنّ حزب الله يقاتل بكل الوسائل للحصول على أكبر كتلة ممكنة لكون أنّ البرلمان من يختار الرئيس القادم، ولذلك يصرّ على أن يبقى أكبر عدد من الأوراق الرابحة بيده، ولكن هل سيظل المجتمع الدولي ومؤسساته يلزمان الصمت أمام هذه الفوضى حتى يحقق حزب الله ما يريده في هذه الانتخابات على حساب عودة لبنان لشعبه ولعروبته ولاستقراره وأمنه المنشود؟
ليفانت - سعد عبد الله الحامد
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!