-
الحب في السياسة
عندما يترشّح عضو لمنصب تمثيلي ينشر صوره، وعندما نسأل الناخب يقول هذا غليظ، وهذا سميك الدم، وهكذا... فمفهومنا عن السياسة يشبه إلى حب كبير مفهومنا عن الزواج، فهو علاقة عاطفية، وهكذا لكي تنجح في السياسة عليك أن تكسب عشق الجماهير، وهذا شيء صعب الحدوث، وبالتالي يبقى الشعب بحالة من الفردانية ويعجز عن تشكيل تجمعات قادرة على التأثير. الحب
وحتى لو حدث ووجد سياسي يعشقه الكثيرون فهو عندها سيمارس السلطة من دون أي ضوابط، كولد مدلل، سيجد دوماً من يدافع عن أخطائه، وما إن تمضي فترة حتى يكتشف الجميع أنّ نتيجة ذلك الحب هي دمار وخراب واستبداد وفساد، فنحقد على من أحببنا ونذهب للطلاق، باحثين عن معشوق جديد، وعندما يطول البحث سيملأ الفراغ مستبد سارق للسلطة بالقوة، فيكون الكره بديلاً عن الحب المفقود عادة.
بينما عندما تذهب لتاجر أو طبيب فإنّك لا تنظر لشكله ومن هو بقدر ما تنظر لبضاعته وسعره، أو مهارته، وهذا ما ينطبق على السياسة، حيث لا يجب النظر إليه كشريك فراش، بل كموظف مجتهد ومخلص في عمله، أو خادم لغرضك السياسي الذي تشترك معه، نحن لا ننظر لمن يمثل مصالحنا وأهدافنا ويخدمها، بل نجتمع بطريقة عاطفية تخفي الخلافات الجوهرية بيننا، وبالتالي يسعى كل عضو في هكذا جمهرة تقاد بالعاطفة ليحصّل مصالحه الشخصية، ليس ضمن الهدف العام، بل على حسابه، فيشيع الفساد والتنازع ويفشل الاجتماع ولا تتقدّم المجموعة السياسية نحو تحقيق أي من أهدافها.
وعندما يتمكّن شخص من كسب ودّ مجموعة من البشر يتجنّد الكثيرون لمحاربته، ولا يتجهون مباشرة لنقض برنامجه، بل لتشويه صورته وإبعاد الجماهير عنه بكل وسيلة، وهكذا لا تتمكن المجموعة من إنتاج أية حالة من الانتظام السياسي، وتستمر بحالة فوضى يستغلها مستبدّ أو قوة خارجية لتفرض إرادتها بالقوة والبطش، الذي يصبح هو التعويض الفعلي عن غياب أو فشل الحب، وهو حال المجتمعات المتخلفة التي لم تفهم السياسة كعلاقة مدنية وعلاقة مصالح.
عندما تسأل الناس عن المشاركة في تحقيق هدف أو برنامج، لا يناقشون البرنامج بل يناقشون ما ترتديه، وتسريحة شعرك، ولون ياقتك، ولكي ينضموا معك يجب أن يشعروك شخصياً بما يفعلونه من أجلك حتى لو كنت تخدمهم، فالمهم هو العلاقات الشخصية العاطفية، ثم ما يترتب عليها من طلبات تعويض عادة خارج العمل السياسي بل على نقيضه. نحن عندما ننتخب مرشحاً فيجب أن يعرف أنّنا انتخبناه ليس لبرنامجه، بل لكي يلبّي طلباتنا الشخصية عندما نطلبها منه، وهكذا يتحوّل من موظف أمين لوظيفته إلى مخرّب للنظام، يعمل تبعاً للمحسوبيات.
إنّ فشل الدول يعبّر في كثير من الأحيان عن فشل الشعب سياسياً، بسبب مفاهيمه عن السياسة وطريقة ممارسته لها، وعندها يطول الوقت حتى تنضج حالة اجتماع جديدة تقوم أساساً على الاستعباد بالقوة، وتمرّ أجيال قبل أن يتم إصلاح تلك البنى والعلاقات، وهو حال الشعوب العربية، التي لم تنضج لديها ثقافة الديموقراطية ومفاهيم السياسة التي تنتجها وتجعلها تعمل، فتتهم الآخرين بتدمير حياتها. الحب
ليفانت - د. كمال اللبواني
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!