الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الحلّ السوري.. بين التفاؤل والواقعية
عبد السلام حاج بكري

لا حدود للحلم، ولا أسوار للتمنيات، يمكنني أن أحلم بمنزل فاخر على كوكب المريخ، أو أسبح كسمكة في المحيط، أو أن أكون طائراً أفرد جناحي على الريح فأضربها محلّقاً إلى حيث أجمع نواصي الأرض بنظرة واحدة، يمكنك أن تفعل هذا وأكثر وأنت مستلّقٍ على سريرك، لن يمنعك أحد، ولن تؤطّر خيالاتك قوانين أو يضبطها منطق. الحلّ السوري


أما في حالة التفاؤل، فالأمر مختلف تماماً، يقتضي معطيات وركائز يقوم عليها، أتفاءل بالقضاء على جائحة كورونا لأنّ عشرات الأبحاث والعلاجات واللقاحات يتمّ العمل عليها، وأنت تتفاءل بإمكانية شراء منزل لأنك تعمل وتجمع النقود، أما أن تتفاءل بسقوط حقائب مليئة بالأموال، هذا غير منطقي، وبهذا تكون في حالة حلم لا تفاؤل.


اجتاحت سوريين مؤخراً موجة عاتية من التفاؤل باقتراب موعد الحلّ، والخلاص من ديكتاتورية جثمت طويلاً على صدورهم، ومنهم من حدّد الموعد بأيام، وآخرون بشهور أو ساعات، نعم هذا ما ضجّت به خيالاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وفي غرف المحادثات، وفي أحاديثهم المباشرة، ووصل ذلك للتصريح به على شاشات التلفزة من قبل معارضين يفقهون في السياسة بمقدار معرفتي بلغة بلاد الواق واق.


يحقّ لنا التساؤل عن أسباب هذا التفاؤل، ونرجو أن يكون لدى المتفائلين ما يدفعنا لمشاركتهم به، لكن هيهات، لا يملكون سوى كلاماً مزخرفاً ببهارات اشتمّوا رائحتها المكرورة من عبارات أطلقت هنا وهناك من مسؤولين غربيين أو لم تطلق، اختلقوها، جلّ تفاؤلهم مبنيّ على تخيّلات تائه في الصحراء تراءى له السراب واحة.


كل تطورات المنطقة وأحداثها الأخيرة تحمل للأسف مؤشرات تدعو للتشاؤم وحده، انطلاقاً من الأخبار عن حلحلة في الملف النووي الإيراني، وهذا يعني فيما يعنيه أنّ أمريكا سترفع العقوبات عن إيران وتسمح بالإفراج عن أموالها المحتجزة في البنوك الأوروبية والأمريكية، وهي بمئات المليارات، وستعيد زخم تمويل ميليشياتها في سوريا، بما ينذر بتصعيد عسكري لا تسمح تركيا بمواجهته بناء على تفاهماتها مع روسيا المبنيّة على مفاوضات سوتشي التي بصمت عليها ما تسمى المعارضة.


هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإنّ ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية عن مفاوضات سريّة تجري بين إيران والسعودية، محورها اليمن ووقف استهداف الحوثيين لمنشآت السعودية ومطاراتها بالطيران المسيّر، ولكن لن يكون ذلك مجاناً، ومن المرجّح، أو المؤكد، أن تسكت السعودية عن التمدّد الإيراني تشيّيعاً وعسكرة في سوريا مقابل ذلك.


ولا تحمل المواقف الأمريكية والأوربية والروسية والإسرائيلية والتركية، وهي الفاعلة في الشأن السوري، جديداً سوى استمرار الإعلان الأوروبي عن ضرورة تنفيذ القرار 2254 باجترار مقرف لعبارات جوفاء لم تترافق يوماً بعمل موازٍ، وتنشغل روسيا وأمريكا بمشكلة جزيرة القرم والتوتر المتصاعد في أوكرانيا، فيما تبدو تركيا حائرة ومنشغلة في صياغة موقفها من هذه المشكلة، مما يؤشر على استمرار حكم الأسد، الذي انتهز هذه التطورات وأعلن موعد الانتخابات الرئاسية بعد شهرين، التي لا شك أنّه مرشح لها وفائز بها.


شهور طويلة، إن لم تكن سنوات، لن تشهد فيها سوريا تغييراً ملحوظاً، ما لم نصحو يوماً على انقلاب النظام على النظام، وحتى هذا الاحتمال تراجع كثيراً بعدما كان وراداً بقوة في مرحلة سابقة، ولن يكون للأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها الشعب السوري المحكوم بالبوط العسكري دوراً في تغيير داخلي بسبب ضغط هذا البوط على صدره.


أيها المتفائلون، احتفظوا بتفاؤلكم لأنفسكم، ارحمونا، لا تبيعوا السوريين أحلاماً، يكفيهم قهر لقمة العيش، أو أثبتوا لهم أنّ تفاؤلكم قائم على معطيات ومؤشرات واقعية قائمة على الأرض، نرجو أن يكون لديكم ما يدفعنا للتفاؤل معكم، فأنا أيضاً أتمنى أن أعود إلى قريتي وأعيد غرس أشجار التفاح بعد إلقاء تحية الإجلال على الشهداء الذين سقطوا في سبيل حرية ما نالوها، ولكل سوريّ أمنية في مسقط رأسه، وللجائعين أمل بلقمة يصلونها دون إذلال أو قهر. الحلّ السوري



ليفانت - عبد السلام حاج بكري ليفانت 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!