-
هل تنجح روسيا في تعويم النظام السوري؟
بوتين قاتل؛ هكذا وصفه بادين. أمريكا وأوروبا تتشدّدان ضد روسيا، وضد إيران أيضاً؛ إذاً سياسات روسيا في سوريا والعالم ليست للتفاوض أوربياً وأمريكياً. لأوروبا وأمريكا سياسات عالمية، تشمل سوريا والعالم، وستتفاوض عبرها مع روسيا. الأخيرة حمت النظام السوري منذ 2011، وحتى هذه اللحظة، تجد نفسها عاجزة عن ذلك، ولأنّها كذلك، تُكثِر من المبادرات العالمية والإقليمية والعربية للهدف ذاته، وبالتالي تريد تعويم النظام مجدّداً. إن مساهمة قطر في منصتها، وزيارة لافروف إلى مصر مؤخراً، يراد منها الأمر ذاته، تعويم النظام وإعادته إلى الجامعة العربية والموافقة على الانتخابات الرئاسية في الأشهر القادمة. روسيا بتحركها الأخير لا تخرج عن سياساتها الفاشلة منذ 2011.
تتجاهل روسيا الإصرار الأمريكي والأوربي، بأنّه سيكون لروسيا حصة الأسد في سوريا في حال أَخرجت القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها، وجلبت النظام إلى مفاوضات وفقاً لاتفاق 2254، وهذا سيفتح الطريق نحو تخفيف العقوبات عن النظام السوري، وشطب قانون قيصر، وسيسمح لروسيا الاستفادة من الاستثمارات التي وقعت عقودها مع النظام. إنّ خضوع روسيا للشروط الغربية، تقرؤه روسيا بأنّه إقرارٌ للدول الغربية بقوتها وهيمنتها على العالم، وهذا بالضبط ما ترفضه روسيا البوتينية، وتتجه نحو عقد تحالفاتٍ مع دولٍ في محيطها، ومع تركيا وإيران وإسرائيل ودول عربية كثيرة. كافة هذه التحالفات، لا يمكنها أن تُقوّي روسيا؛ فهناك فيتو أمريكي أولاً وأوربي ثانياً على أيِّ تغييرٍ عميق في المنطقة العربية، ولهذا نجدها تلج ساحات الصراع الماقبل الحديث بقوّةٍ شديدة، وتتفكك الدول والبنى الاجتماعية، وهذا سيضعف هيمنة روسيا وإيران وتركيا وسيكون لصالح إسرائيل والدول الغربية.
روسيا "المثخنة" من جرّاء عقوبات عليها، وكذلك إيران، لا تستطيعان مساعدة النظام السوري إلى أمدٍ طويل، وهناك الوجود التركي في مناطق عديدة في سوريا، وكذلك الأمريكي، وهناك الإسرائيلي. وبالتالي ليس من مصلحة روسيا الاستمرار في حالة الجمود على الساحة السورية. الحالة هذه تدفع روسيا للتحرّك هنا وهناك، ولكن لا يمكن لأمريكا أو أوربا، اللتين تتشددان مؤخراً ضد النظام، أن تمكناها من كسر الجمود، فهما تفتحان ملف السلاح الكيماوي، وقضايا كثيرة مرفوعة أمام المحاكم الدولية ضد قادة النظام السوري. عدا المؤشرات المذكورة، هناك الوضع الاقتصادي المتأزم، والذي تتخوف منه روسيا والنظام معاً، وتسعيان إلى تفادي تفاقمه بكل السبل. بدوره الخليج لا يمكنه أن يُطبّع مع النظام ويرسل نقوده إليه، ولا يمكن إعادته إلى الجامعة العربية ما دام لا يخضع للشروط الدولية، والبدء بتطبيق 2254، أي البدء بالحل السياسي.
روسيا تحاول بكل ما أوتيت من علاقات إقليمية وعربية وعالمية تفادي الشروط الغربية، ولكنها وصلت إلى طريقٍ مسدود تقريباً، ولقاء لافروف مع المصريين لن يغير في المعادلة شيئاً. الحصيلة هنا أنّ روسيا تنتهج سياسة خاطئة بالكامل، وقد تواجه مستقبلاً ثورة "الجياع"، وليس فقط مواجهة أمريكا وتركيا وإسرائيل وإيران، وهناك مئات الألوف من المقاتلين السوريين المستعدين لمقاتلتها، وذلك إن سمحت تركيا لهم بذلك؛ وعدا عن كل ما ذكرنا هناك الاتجاهات السلفية والجهادية التي تنتعش وبقوّةٍ في الدول الفاشلة أو المتعثرة بشدّة، والعودة الجديدة لداعش مثالٌ على ذلك.
لا شك أنّ أمريكا، وأوروبا من بعدها، تتعامل مع سوريا، ومنذ 2011 كورقة سياسية، وليست كدولة ضمن مجالها العالمي، وخطأ روسيا أنّها تنطلق من الزاوية ذاتها، بينما الأدق أن تتعامل مع سوريا كجزء من عالمها الأوراسي، سيما وأنّها دولةً واعدة بثرواتها وبمكانها الجيوستراتيجي، وبما يخدم السياسات الروسية عالمياً.
كل تأخر عن المساهمة في تغيير النظام السياسي، كما فعلت لعقدٍ بأكمله، يحوّل روسيا إلى عدوٍ تاريخي بعين الشعب السوري، كما حالة إيران أولاً وإسرائيل ثانياً، وربما تتقدّم عليهما في حالة استمرار الفشل بحياة السوريين، وعلى كافة الصعد. ممانعة النظام للحل السياسي ليست هي المشكلة كما تدعي روسيا، فلو رغبت الأخيرة لأجبرته على التغيير بين ليلة وضحاها. النظام يتحرّك في الإطار الإيراني والروسي ما دام قطار التسويات لم يصل بعد.
الآن ليس بمقدور روسيا تعويم النظام، وليس موضوعاً على طاولة بايدن أو إسرائيل، وهناك صفقات بين تركيا وروسيا وإيران تبقي الوضع على حاله، وضمن ذلك تترسخ مناطق النفوذ للدول التي تحتل سوريا. إذاً روسيا ليست جادة في تعويم النظام بشكل فوري، وهي تعامله كورقةٍ بين يديها ولزمنٍ مستقبلي، ولكنها أيضاً تُعقد المشهد السوري أمامها.
النظام بدوره لا يساهم في تخفيف كراهية الشعب له، وكذلك المعارضة؛ فممارساتها جعلتها مكروهةً ومرفوضة شعبيٍّاً، وهناك الانقسام الكردي العربي الشديد. إذاً النظام ومعارضته وقوى البين بين ليست بوارد إنتاج مشروعٍ وطنيٍّ وهوية جامعة لكافة السورين في الأفق الراهن، وهذه نقطة أخرى في تأخير تعويم النظام وتأزيم وضعه لدى الموالاة والمعارضة بآن واحد. هنا نتقدم بفكرة لا تنتمي لأفكار متن المقال، ولكنها تتعلق بتعقيد المشهد، فنقول إنّ المعارضة أيضاً لن تتمكن من تعويم نفسها، وقد فشلت في كافة المهمات الوطنية، وهي مهام أيّة سلطةٍ تصبح مسؤولة عن الشعب، وهي مسؤولة عن كتلة كبيرة من السوريين.
رغم كل ما ذكرته عن السياسات العالمية والإقليمية والنظام والمعارضة، فإنّ السوريين من معارضة ونظام يقع عليهما بالتحديد البحث عن قواسمٍ مشتركة لإيقاف التدهور العام في الوضع السوري؛ وإذا كان النظام لا يستطيع بسبب قوة العطالة فيه، فإنّ المعارضة بكل تنويعاتها يقع عليها البحث عن مشروع تاريخي جديد يعيد إنتاجها من جديد، وأيضاً رداءة كتل كبيرة في المعارضة المكرّسة حالياً تفترض إنتاج معارضة جديدة، ومشروعاً جديداً، يكسر حدّة الانقسامات السورية السورية.
إنّ تأخر الدول المتدخلة بسوريا عن عقد تسوية يفترض دوراً للسوريين، رغم أنّ أغلبية أوراق القوة أصبحت بيد الخارج. إنّ إطالة إمساك الخارج بالوضع السوري، سيعني، ونظراً لما وصفناه أعلاه، تعميق الانقسامات والتأزمات، وهذا بالتحديد ما يؤشر لمستقبل تتجذر فيه الانقسامات، ويكون تمهيداً لتقسيمٍ واقعي بالفعل. الفكرة الأخيرة إحدى سيناريوهات سوريا، وإن كان الأضعف، حيث ورغم التعقيد الذي حاولنا توصيفه فإنّ الوضع السوري ما زال يفترض إعادة سوريا إلى ما كانت عليه قبل 2011، ولكن كدولةٍ ديموقراطية موحدة، وعلمانية بالضرورة.
حصيلة نقاشنا، ليس ممكناً تعويم النظام، وربما وعي الأخير لهذه الفكرة بعمقٍ كبيرٍ يدفعه لرفض كل تسويةٍ جادة مع بقية السوريين؛ فهل تعي روسيا هذه الفكرة وتبحث عن تسوية تنقذها من مصيرها الأفغاني؟
ليفانت - عمار ديوب
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!