-
الدكتور عبد الرؤوف الغنيمي يجيب عن كافة التساؤلات المتعلقة بالشراكة الخليجية الصينية
حملت الزيارة الخليجية إلى الصين في جعبتها، الكثير من الملفات الاستراتجية، تتمثل بالشراكة الاقتصادية والاستراتيجية، وملف إيران النووي، يأتي ذلك في ظل ارتفاع أسعار الطاقة على خلفية انتعاش الطلب وأزمة كازخستان أكبر منتج للنفط في آسيا الوسطى.
يجيب الدكتور عبد الرؤوف مصطفى الغنيمي- محكم الدراسات الإقليمية والدولية_ مركز الدراسات والبحوث-المعهد الدولي للدراسات الايرانية_ الرياض لـ " ليفانت نيوز" بشكل مطوّل عن التساؤلات المتعلقة بالشراكة الخليجية الصينية وأهميتها للطرفين على كافة الصعد.
كيف يمكن قراءة العلاقات بين الخليج والصين وماهي المصالح المتبادلة بين الطرفين؟
يشرح الدكتورعبد الرؤوف العلاقة بالقول: "هناك عاملين رئيسيين يحكمان الدول الخليجية والصين في تعزيز علاقاتهم أولهما؛ استغلال الصين لتراجع أولوية منطقة الشرق الأوسط مقارنة بزيادة أولوية منطقة شرق آسيا في السياسة الأمريكية، ورغبة الصين في استقطاب حلفاء استراتيجيين حول العالم مثل دول الخليج في مواجهة سياسات التطويق الأمريكية للمارد الصيني، مع السعي لحماية مصالحها في الشرق الأوسط مثل تدفق النفط وحماية سفن التجارة وضمان مضي خطوط الربط التجاري في إطار الحزام والطريق، وثانيهما؛ إدراك الدول العربية والخليجية تراجع أولوية أمن المنطقة وممراتها البحرية لعبور النفط في السياسة الأمريكية على خلفية بث واشنطن عبر إدارتها الحالية وإدارتيها السابقتين بقيادة أوباما وترامب إشارات غير واضحة إزاء الالتزام الأمريكي بتحقيق الأمن في الشرق الأوسط، فأوباما تردد في الدخول في سوريا وترامب انسحب جزئيًا بشكل مفاجئ وبايدن ينسحب جزئيًا من العراق وينهي المهام القتالية للقوات الباقية في العراق، وقد قرأت بكين توجس بعض الخليجية من تغير أولوية أمن المنطقة في الاستراتيجية الأمريكية، وراحت تعمق علاقاتها بالدول الخليجية في إطار نوع من التوازن مع إيران وإسرائيل."
اقرأ أيضاً: العلاقات الصينية الخليجية: من أمن الطاقة إلى الشراكة الاستراتيجية
ويضيف: "من أهم المصالح الصينية في الخليج العربي النفط والطاقة، حيث تنظر الصين للدول الخليجية على أنها مصدر رئيسي للنفط وباتت الصين أبرز مشترِ للنفط الخليجي لا سيما في ظل خضوع إيران لعقوبات دولية، ثم أن دول الخليج هي الأقرب جغرافيًا للصين، وبالنظر إلى معدلات النمو المرتفعة التي حققتها الصين خلال الآونة الأخيرة فإن تأمين إمدادات الطاقة يظل مسألة استراتيجية بل وأمن قومي صيني في المقام الأول، وهو ما يفسر سياسات الصين تجاه منطقة الخليج العربي، ثم ضمان أمن وحماية حركة التجارة ومرور سفن التجارة الصينية نحو الأسواق الدولية من خلال حماية خطوط الملاحة وخاصة نقاط العبور الاستراتيجية مثل مضيق هرمز وباب المندب، ولذلك أنشأت الصين أكبر قاعدة عسكرية في جيبوتي، فضلاً عن الاستثمارات الصينية في المنطقة الخليجية، ويأتي الخليج العربي بعد منطقة الآسيان لخلق منطقة تجارة حرة في إطار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ويحظى بمكانة استراتيجية ضمن مبادرة الحزام والطريق بحكم موقعه الجغرافي وموانئة الحيوية، كما تعتبر الإمارات دولة مؤسسة في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وتشارك فيه السعودية وقطر وسلطنة عمان والكويت، كما أن السعودية تعد بمثابة عنصر الاستقرار المؤثر في منظمة أوبك لتصدير النفط الذي هو المحرك الأساسي لنمو الاقتصاد الدولي.
يتابع عبد الرؤوف: "في المقابل تعتبر دول الخليج الصين كموازن دولي فاعل ولاعب دولي مؤثر في القضايا الدولية يمكن أن يسهم في خلق نظام بديل للنظام الغربي يحفظ الأمن والاستقرار في المستقبل في الشرق الأوسط لحماية مرور النفط في مناطق العبور الاستراتيجية وإن كان يرتكز حضور الصين على الاقتصاد بالأساس في الشرق الأوسط، وتشير التقديرات المستقبلية إلى أن بكين بحاجة ماسة للطاقة والنفط الخليجي، ما يحولها إلى زبون مربح ومستمر للدول الخليجية، حيث تكشف الأرقام أن الحضور الاقتصادي الصيني في الشرق الأوسط يتفوق على الحضور الأمريكي، كما تعد الصين الشريك التجاري الأول لدول الخليج العربي وأبرز مشتر للنفط الخليجي، علاوة على أن العديد من دول العالم بدأت تنظر للصين على أنها حليف دول موثوق مقارنة بالحليف الأمريكي."
حسب تصريحات وزارة الخارجية الصينية ونظيرتها السعودية كان الملف النووي على أجندة المحادثات، إلى جانب أنباء عن زيارة لوفود إيرانية وتركية مع انتهاء زيارة دول الخليج، ما هي التوقعات والنتائج المترتبة اللقاءات، حول هذا الملف؟
يعتقد عبد الرؤوف أنّ "هذه اللقاءات جاءت على خلفية الرغبة المتبادلة في تعميق الروابط على ضوء التحولات في الاستراتيجية الأمريكية تجاه أمن المنطقة مع الرغبة الصينية في تعزيز الانخراط في الساحة الشرق أوسطية عامة والخليجية خاصة بما يتيح لها موطئ قدم أقوى وأكثر تأثيرًا في مواجهة سياسة التطويق الأمريكية، بهدف تعزيز طموحاتها العالمية كقوة رائدة، وإثبات أنها فاعل دولي مؤثر في إدارة الأزمات الدولية."
يضيف: "ما سبق يفسر الزيارات الصينية المكثفة للفواعل الإقليمية والدولية في آسيا وأفريقيا وأمريكيا اللاتينية والشرق الأوسط، مع تحول الصين لقبلة لاستضافة وفود الأطراف الفاعلة في المنطقة الشرق أوسطية للتباحث حول سبل تحقيق الأمن والاستقرار فيها بما يضمن للصين انخراط أوسع في شؤونها وقضاياها في إطار التنافس الاستراتيجي مع الولايات المتحدة على القيادة الدولية بما يكشف عن تحولات استراتيجية في الرؤية الصينية لدورها في الساحة الشرق أوسطية من ناحية، ويحد من توترات المنطقة بما يحفظ لها تحقيق مصالحها وتدفق النفط لضمان دوران عجلة إنتاجها الضخمة من ناحية ثانية، حيث التقى وزير الخارجية الصيني عشية الجولة السادسة من مفاوضات فيينا بكل من الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي ووزراء الخارجية لكل من السعودية وإيران وتركيا باعتبارهم أبرز الفواعل الإقليمية للتباحث حول فرص استقرار المنطقة ومستجدات التفاوض حول الملف النووي الإيراني."
ويشير عبد الرؤوف إلى أنه "على ضوء تطورات البيئتين الإقليمية والدولية فيما يخص المتغيرات وثيقة الصلة بالساحة الشرق أوسطية مثل مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي والتمسك الإيراني برفع العقوبات على طهران والتمسك الخليجي بعدم تكرار سيناريو أوباما عند إعداد صيغة جديدة حول الاتفاق النووي بضرورة مراعاة المصالح الخليجية، مع الطموحات الصينية لممارسة دور أكبر في القضايا الدولية، يتصور صياغة الصين لمعادلة مغايرة لقضايا المعادلة الشرق أوسطية والاتفاق النووي في ظل المحادثات الجارية بين القوتين الإقليميتين المؤثرتين السعودية وإيران ببغداد، تحفظ لكل الأطراف مصالحها بما يصب في صالح بناء الثقة في الصين كفاعل دولي مؤثر باعتبار أن الصين ضمن أطراف الاتفاق النووي، ويبق احتمال توسع الدور الأمني الصيني واردًا في المنطقة ولكن ذلك يرتبط بمدى الفراغ الأمني الذي تخلفه الانسحابات الأمريكية من الساحة الشرق أوسطية."
تحدثت التصريحات عن التوافق والتنسيق بين الصين والسعودية عبر اللجنة السعودية المشتركة ضمن رؤية المملكة 2030، كيف ترى التوافق والترابط بين رؤية 2030 ومبادرة الحزام والطريق الصينية؟
يرى الدكتور عبد الرؤوف: "أنّ المبادرتان الصينية والسعودية تنسجمان مع بعضهما البعض بانطلاقهما من نظرة شمولية لم تغفل تعدد الخيارات والبدائل فهما عبارة عن خطتين متكاملتين للنمو والتطور الاقتصادي والاجتماعي لإحداث نقلة وتغيير شامل لخلق دول ذات نماذج اقتصادية واجتماعية عالمية تصب في صالح وصولهما للريادة العالمية".
ويتجلى ذلك، حسب عبد الرؤوف " في تركيزهما على تنويع النمو الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل القومي وعدم الارتكاز على مصدر واحد، وتنوع التبادل التجاري والاستثماري في مجالات النفط والتعدين والكهرباء والموانئ وفق رؤية المملكة 2030م، التي تؤكد بشدة على تنويع مصادر الدخل وعدم الارتكاز على الدخل النفطي كمصدر وحيد للموازنة السعودية من خلال تعزيز سياسة جذب الاستثمار في القطاعات المختلفة ومد أواصر العلاقة بمختلف دول العالم لدعم الاستثمار في المملكة، ومبادرة الحزام والطريق التي يؤيدها 65 دولة وتستقطب ما يقارب من 70% من سكان العالم كذلك تعزز من تنويع الدخول للصين ومن أواصر التعاون والصداقة بين الدول المشاركة ضمن نطاق الحزام والطريق البحري والبري،"
ويتابع عبد الرؤوف: "كما أن المبادرتين تؤكدان على تعزيز الروابط البينية في إطار المنظمات الاقتصادية الدولية الكبرى، ولذلك تشهد العلاقات الاقتصادية بين البلدين تنامياً كبيراً وسط تنوع الاستثمارات وفق رؤية المملكة ومبادرة الحزام والطريق، كما وقعت الدولتان اتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة كأهم اتفاق توقعه الصين مع شركائها الاستراتيجيين والمهمين دوليًا لا سيما أن موقع السعودية يعتبر منطقة التقاء لطريقي الحرير البري والبحري منذ القدم."
٤. ما التحديات التي تواجهها دول الخليج في علاقتها بالصين وما تأثيراتها على علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية؟
"يعد كيفية خلق توازن في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين يضمن لدول الخليج دور أمريكي فاعل في حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة بحكم العلاقات التاريخية الأمريكية الخليجية والانتشار العسكري الأمريكي في المنطقة من أبرز التحديات أمام الدول الخليجية في تطوير علاقاتها بالصين." يقول عبد الرؤوف
ويضيف: "حيث تدرك دول الخليج وزن المنطقة ومكانتها في الاستراتيجية الأمريكية بالرغْم من تراجع أولويتها، حيث ما زالت تمتلك واشنطن مناطق نفوذ استراتيجية فيها، مع وجود الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة، كما أن واشنطن ما زالت أهم حليف إستراتيجي للعديد من دول المنطقة، وربما لا تملك دول المنطقة بديلاً عن الدعم الأمريكي لا سيما المساعدات الأمنية، لكن ما تزال دول المنطقة مثلاً أمام تحدي عدم امتلاك واشنطن لشبكات الجيل الخامس، التي تعد مطلب ملح في الخطط التنموية لبعض الدول الخليجية للتحول من النفط إلى الرقمنة مثل ما هو في الرؤيتين السعودية و الإماراتية للعام 2030،"
اقرأ أيضاً: بلينكن: ملتزمون بمساعدة شركائنا الخليجيين لمواجهة تهديدات "الحوثي"
ويتابع: " بينما تعمل الصين على تطوير شبكات الجيل السادس، ما يجعل دول الخليج في تردد بين الخيارات التكنولوجية الصينية والتعاون الأمني الأمريكي، إضافةً إلى المخاوف الخليجية إزاء لعب الصين لدور أكبر في القضايا الشرق أوسطية لاسيما في ظل عدم امتلاكها لبدائل عسكرية ودبلوماسية مماثلة لنظيرتها الأمريكية تستطيع من خلالها لعب هذا الدور، وهو ما يخلق تحدي خلق التوازن في العلاقات بين هاتين القوتين الأوليين في العالم، حيث لازالت واشنطن حليف استراتيجي يوفر مظلة دعم أمني لا غنى عنه بالنسبة لدول الخليج، والصين شريك تجاري أيضًا لا غنى عنه لدول الخليج."
ليفانت نيوز_ خاص
إعداد وتحرير: عبير صارم
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!