الوضع المظلم
الخميس ٢٦ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
الكورد والاستراتيجية الأمريكية الجديدة.. والحليف القوي
عز الدين ملا
منذ أن دخلنا القرن الحادي والعشرين، وبالأخصّ بعد العقد الأول منه، والسياسة الدولية تأخذ منحىً واتجاهاً آخر، هو عدم وضوحها في العلاقات الدولية وفي التعامل مع الدول المستبدة والديكتاتورية وكذلك مع الشعوب المضطهدة، حيث طغى عليها عامل المصالح الاقتصادية، وكذلك السياسة الدولية في الصراعات لم تعد بمواجهة عسكرية لفرض إملاءات بين الدول، ولم تعد وسيلة ضغط كما السابق.

ففي الحدث الأفغاني وانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية وضعت العالم أمام مرحلة جديدة، ستخلق حيثيات وترتيبات تغير من كافة المفاهيم السياسية المعتادة، وقد تكون بداية كسر اتفاقيات القرن الماضي، وخاصة اتفاقية سايكس بيكو المفروضة في الشرق الأوسط، ويبدو ذلك لظهور اتفاقيات جديدة وفرض تحركات جغرافية مغايرة لِما كانت في الماضي، وتقوية مكانة ونفوذ الدول العظمى، وخاصة أمريكا وحلفاءها، أمام تمدّد الدب الروسي والتنين الصيني اقتصادياً أولاً، وتجارياً ثانياً، وسياسياً ثالثاً.

الدول العظمى أثناء تنفيذ خطوة، تكون عن دراسة وتخطيط محبك ودقيق يراعي مصالح الدول الحليفة والصديقة من جهة، ومن جهة أخرى وسيلة ضغط على الدول المعادية للحصول على التنازل أو التراجع. مع المحافظة على النفوذ والتوازن في السياسة الدولية، وعندما قامت أمريكا بخطوة الانسحاب من أفغانستان، كانت بعد تحليل كافة أبعادها القريبة والبعيدة، ودراسة تداعياتها المرحلية والمستقبلية، مع أخذ كافة الاعتبارات العقائدية والطائفية والقومية والجغرافية والمصالحية، وحتى الأخذ في الحسبان أساليب الضغط والتضييق لفرض أجنداتها وإجبار الآخر بالتنازل وتنفيذ المطلوب.

فكان هذا الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، أولاً، المقايضة والضغط على الاتحاد الروسي الذي يحاول بكافة السبل إرضاء أمريكا مقابل الحفاظ على وجوده في شرقي المتوسط، أي السواحل السورية، بالمقابل أمريكا تعمل على كسب روسيا في مواجهة الهالة الإيرانية الضخمة في منطقة الشرق الأوسط وتمددها الأرعن.

وكما نعلم كانت الاستراتيجية الأمريكية في بداية الربيع العربي قائمة على استهداف سوريا والعراق لإيجاد تبرير سياسي وعسكري لوجودها داخل هذه المنطقة، بعد أن مكّنت وجودها في الخليج العربي وطمأنت دولها بعدم تمدد الإرهاب المصطنع والأذرع الإيرانية نحوها، فبررت وجودها في هاتين الدولتين بمحاربة الإرهاب من خلال التدخل ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الإرهابي، بدأت مرحلة ما بعد إرهاب داعش، أي مسألة شرعنة وجودها في العراق وشمال شرق سوريا، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، يحصل ذلك من خلال مسائل الضغط والمقايضة وفرض إملاءات، ومن هذه الغاية كان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وبموافقة ورضى روسيا، التي تعمل بكل السبل لبتر يد إيران من سوريا، من خلال هذا الانسحاب ينتج اضطراب وقلق على الحدود الإيرانية مع أفغانستان بعد سيطرة طالبان ذات التوجه السني الإخواني، الرعب الطالباني الذي سيجعل إيران مجبرة على قبول إملاءات أمريكية من الرضوخ لشروط الملف النووي، وأيضا إضعاف وجودها في سوريا ووقف تمددها في العراق.

وأيضاً لإرباك الرعب الاقتصادي الصيني التي أصبحت قوة اقتصادية لا يستهان بها، بوجود دولة سنية ستربك تجارة الصين العالمية مما يفضي إلى اضطراب وخلل اقتصادي وتجاري. أما بالنسبة لشعوب المنطقة فإنّ هذا الإرباك والاضطراب سيمنحهم نافذة من هامش إصلاحي وديمقراطي، قد تكون في مستوى ليس بالمطلوب، ولكن يفسح المجال لبعض التنفيس، وإن لم تكن غاية الدول في التدخل والتداخل، ولكن سياسة التوازن وفرض النفوذ يتطلب ذلك.

الولايات المتحدة الأمريكية وبعد تغيير أساليب السيطرة والنفوذ من التدخل العسكري إلى الاعتماد على حلفاء محليين، مكّنت نفسها في آسيا الوسطى من خلال تعيين شرطي أمريكي يحمي مصالح ونفوذ وأمن أمريكا، وهي باكستان، وبسيطرة حركة طالبان على أفغانستان دعمت قوة باكستان في تلك المنطقة. وتحاول أن تُمكن مصالحها ونفوذها وأمنها في تأمين حلفاء لها في الشرق الأوسط، عدا حلفائها التقليديين، كـ"تركيا ودول الخليج"، تبحث عن حليف جديد يكون السور الذي يحدّ من الخلافات بين تركيا الإخوانية والخليج الوهابي السني، لمنع حصول أي خلل أو اضطراب يضرّ بمصالحها ونفوذها في المنطقة، والحليف الجديد ذو ثقة ومصداقية هم الكورد.

بالنسبة للشعب الكوردي الفرصة ذهبية قد لا تتكرر، ونحن على أعتاب نهاية قرن من انتهاء مفعول الاتفاقيات المشؤومة التي قسمت منطقة الشرق الأوسط إلى دولٍ، دون اعتبارات قومية ولا إنسانية، هذه الاتفاقيات التي دفع الكورد ضريبتها الكثير الكثير من الاضطهاد والتمييز العنصري والقتل والتشريد، ظلم لم يشهده أي شعب آخر على مرّ التاريخ.

المشاريع والترتيبات الجديدة التي أدخلتها أمريكا إلى المنطقة جميعها من أجل تطويعها للاستراتيجية الأمريكية القائمة على الهيمنة والنفوذ، والكورد من ضمن تلك المشاريع، بعد أن وجدت الولايات المتحدة الأمريكية فيهم من خاصيات ما لم تجدها عند أي من شعوب المنطقة، أولاً، وجدت في الكورد حليفاً يمكن الاعتماد عليه والتعاون معه في محاربة بؤر الإرهاب. ثانياً، من خلال موقع تواجد كورد العراق وسوريا، كسب مركز استراتيجي لفرض الهيمنة والنفوذ على المنطقة والعالم.

ثالثاً، السد المنيع لحماية مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الخليج العربي. رابعاً، منافساً لتركيا من أجل تنشيط حركة التجارة في المنطقة ولطمأنة دول الخليج من ازدياد النفوذ التركي. هنا تتلاقى مصالح الكورد مع مصلحة أمريكا الاستراتيجية. فقط الحاجة إلى إثبات قوة الكورد الجديرة بالتحالف معها، هنا يتطلّب من الكورد معرفة نقاط الخلل والعمل على تداركها، والإسراع إلى تذليل الخلافات والخروج بموقف وهدف موحد، فالجغرافيا الجديدة ستكون على أساس الحليف القوي.

عز الدين ملا

ليفانت - عز الدين ملا

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!